إشكالية المشاركة السياسية بين وهم التغيير وحدود السلطة، فهل يصلح العزوف عن التصويت أوضاع المغرب؟

آخر الأخبار

إشكالية المشاركة السياسية بين وهم التغيير وحدود السلطة، فهل يصلح العزوف عن التصويت أوضاع المغرب؟

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

في كل استحقاق انتخابي يطرح السؤال نفسه في المغرب، وهو هل يمكن للانتخابات أن تحدث التغيير؟ أم أن المشاركة مجرد انخراط في لعبة معلومة النتائج سلفا؟ ومع تصاعد نسب العزوف عن التصويت، خاصة في أوساط الشباب، يتأكد أن جزءا كبيرا من المجتمع المغربي فقد الثقة في جدوى العملية الانتخابية، وبدأ ينظر إليها كمجرد آلية لإعادة إنتاج نفس النخب ونفس السياسات، دون أثر ملموس على معيشه اليومي، وهذا الوضع يفتح بابا واسعا للتساؤل، فهل العزوف فعل احتجاجي واع؟ أم هو انسحاب سلبي يكرس أزمة التغيير بدل أن يعالجها؟

إن العزوف عن التصويت لا يعكس بالضرورة لا مبالاة سياسية، بل غالبا ما يمثّل موقفا احتجاجيا صامتا ضد نظام حزبي فقد مصداقيته، ومؤسسات تمثيلية لا تملك زمام القرار، فالمواطن المغربي الذي يعيش اختلالات مستمرة في قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والتشغيل، يرى في الأحزاب السياسية أدوات تنفيذ لا سلطة لها، بل فاقدة للإرادة في كثير من الأحيان أمام ما يعرف بـ”التوجيهات العليا”.

ولكن رغم هذه الوجاهة النقدية، فإن المقاطعة لا تنتج بدائل، بل قد تفتح الباب أمام قوى ضعيفة أو انتهازية للهيمنة على القرار المحلي والوطني، وهو ما يؤدي إلى مزيد من التردي في الأداء الديمقراطي، وتراجع القدرة على المساءلة الشعبية.

يجمع عدد من المراقبين والباحثين على أن المشكل في المغرب لا يرتبط فقط بأداء الأحزاب، بل يرتبط كذلك ببنية السلطة نفسها، فالدولة العميقة بتجلياتها المختلفة ، تمارس تأثيرا حاسما على القرارات الاستراتيجية، مما يجعل هامش المناورة أمام الحكومات المنتخبة ضيقا جدا.

ونفس في السياق، تصبح الانتخابات مجرد واجهة تفقد السياسة معناها،  وذلك حين يختزل دور الفاعل الحزبي في التدبير الإداري وتنفيذ التعليمات، لا في رسم السياسات وصناعة القرار.

إن الثقة السياسية عنصر جوهري في أي نظام ديمقراطي، وعندما تتآكل هذه الثقة كما هو الحال في المغرب، فإن ذلك ينتج قطيعة بين المواطن والفضاء العمومي، فقد أصبح المواطن لا يثق في الأحزاب، والأحزاب نفسها تعاني من العزلة ومن ضعف التأطير، ومن تبعية مزمنة لمراكز القرار غير المنتخبة، و الدولة بدورها مترددة في الانفتاح الحقيقي، وتبقي يدها العليا على مفاصل السيادة.

في ظل هذا المشهد تغيب الثقافة الديمقراطية الحقيقية، وتتراجع قيم المشاركة والمساءلة، ويصير العزوف نتيجة منطقية، لكنه ليس بالضرورة مفيدا أو فعالا، لأن المغرب لن يتغير بالتصويت وحده، لكنه لن يتغير دونه أيضا، لأن المشاركة السياسية لا تعني فقط الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بل تقتضي وعيا نقديا، ونضالا مستمرا من أجل إصلاحات بنيوية في بنية الحكم.

إن الإصلاح الحقيقي يستوجب إعادة الاعتبار للعمل الحزبي، من خلال تحريره من الوصاية، وضمان استقلالية الإعلام والقضاء، وتشجيع تداول النخب بدل إعادة تدوير نفس الوجوه، وربط المسؤولية بالمحاسبة دون استثناء أو حصانة، وكل ذلك يتطلب شجاعة من الدولة لتقاسم السلطة مع من أفرزتهم صناديق الاقتراع، ضمن عقد اجتماعي جديد، يربط المواطنة بالمشاركة وليس بالخضوع.

والإشكال في المغرب لا يكمن فقط في ضعف الأحزاب، ولا فقط في هيمنة الدولة العميقة، بل في العلاقة المختلة بينهما، وفي غياب إرادة سياسية جماعية لتأسيس ديمقراطية فعلية، لأن العزوف عن التصويت، وإن كان موقفا مفهوما لا ينتج بديلا، والمقاطعة إذا لم تترجم إلى فعل منظم وواعي، تظل صرخة خارج اللعبة، لا تغير قواعدها.

فالمغرب في حاجة إلى وعي سياسي جديد، يحمل الدولة مسؤوليتها في الإصلاح، ويلزم الأحزاب بالوضوح والمصداقية، ويدعو المواطن إلى أن يكون شريكا لا مجرد متفرج، لأن التغيير في نهاية المطاف، لا يهدى أو يمنح بل ينتزع، عبر الوعي والمراكمة والتنظيم والمشاركة.

إرسال التعليق