
الجزائر بين سياسة الإنفاق السخي وتحديات الأزمة الاقتصادية فهل المواطن مستعد للتضحية؟
رصد المغرب / عبدالكبير بلفساحي
في الوقت الذي تتباهى فيه الجزائر على الساحة الدولية بسياسات إنفاقها السخي، من دعم دول إفريقية بمليارات الدولارات، إلى تخصيص 200 مليون دولار لإعادة إعمار جنوب لبنان، ووفق ما جاء على لسان الرئيس عبد المجيد تبون بأن الجزائر أنفقت “مال قارون” لدعم قضية انفصال الصحراء عن المغرب، يطلق صندوق النقد الدولي تحذيرا بالغ الخطورة بشأن مستقبل الاقتصاد الجزائري.
في تقريره الأخير، نبه الصندوق إلى أن الجزائر ماضية نحو أزمة تمويل خانقة إذا لم تتخذ إجراءات إصلاحية جذرية، حيث جاء في البيان أن البلاد مطالبة بخفض الإنفاق الحكومي، لا سيما في ما يتعلق بدعم الطاقة والسلع الأساسية، وتوسيع القاعدة الضريبية لتعويض العجز المتفاقم في الميزانية، والذي بلغ في عام 2024 نسبة 13.9% من الناتج المحلي الإجمالي – وهو رقم مقلق يعكس اختلالا عميقا في التوازنات المالية للدولة وسط اقتصاد ريعي هش و أمام تقلبات السوق.
الجزائر تعتمد بشكل شبه كلي على قطاع المحروقات، حيث تمثل صادرات النفط والغاز أكثر من 93% من إجمالي الصادرات، ويشكل القطاع أكثر من 40% من إيرادات الدولة، بحيث هذا الاعتماد المفرط على الثروة النفطية يجعل الاقتصاد الوطني عرضة لأي هزات في سوق الطاقة العالمية.
وقد شهد العام الماضي تراجعا مزدوجا، من جهة انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الأسواق الدولية، ومن جهة أخرى تراجع الإنتاج الوطني، ما عمق أزمة الموارد المالية للدولة، حيث في المقابل، لم تتباطأ وتيرة الإنفاق، بل ارتفعت بشكل لافت من خلال زيادات الأجور، وتوسيع الإنفاق الاستثماري في مشاريع داخلية وخارجية، لا يبدو أنها تسهم مباشرة في تعزيز النمو المحلي المستدام، لتبقى المعادلة صعبة الحلول بين الإنفاق الشعبي و التقشف المالي؟.
ويبقى السؤال الأبرز الآن هو هل المواطن الجزائري مستعد لتحمل تبعات تقليص الدعم؟، لأن سياسات الدعم الحكومي تشكل العمود الفقري للقدرة الشرائية لدى غالبية السكان، ورفعها أو تقليصها يهدد بخلق حالة من الاحتقان الاجتماعي، خاصة في ظل غياب تنويع اقتصادي حقيقي يوفر بدائل تشغيل ودخل للمواطن.
تحديات الجزائر اليوم ليست فنية أو مالية فقط، بل سياسية واجتماعية بامتياز، حيث بين حكومة تسعى إلى الحفاظ على صورة دولية قوية من خلال مبادرات إنفاق خارجية، وصندوق نقد دولي يطالب بإصلاحات موجعة قد تمس مباشرة حياة المواطن، تبرز الحاجة إلى إستراتيجية وطنية واضحة وواقعية، توازن بين متطلبات التنمية الداخلية والتزامات الدولة في الخارج.
الجزائر تقف اليوم على مفترق طرق حاسم، فإما أن تواجه الحقيقة بقرارات إصلاحية شجاعة وعادلة، تقطع مع الريع وتبني اقتصادا منتجا، أو تستمر في دورة إنفاق غير مستدامة قد تقودها إلى أزمة اقتصادية تهدد استقرارها الاجتماعي والسياسي.
إرسال التعليق