“الحلقة الثالثة” الحرب الإمبريالية على إيران (السلاح النووي أو حين يصبح الدمار سياسة)

آخر الأخبار

“الحلقة الثالثة” الحرب الإمبريالية على إيران (السلاح النووي أو حين يصبح الدمار سياسة)

رصد المغرب / العلمي الحروني


قبل الخوض في البرنامج النووي الإيراني، الذي يدور عليه اليوم الحديث والتكالب الغربي والأمريكي المشيطن، سنتحدث عن السباق النووي بالعالم، واحتكار الكيان الصهيوني للسلاح النووي والغموض الذي يلف حوله، وعن القدرات النووية الإيرانية وعمق الحديث عن ايران وبرنامجها ” المخيف” ليس للغرب الامبريالي بل لصورته الحقيقية وكيانه الوظيفي الملفق أي الغدة السرطانية التي صنعها الغرب بالمنطقة الإسلامية صنعا ” إسرائيل”، وقبل هذا كله سنتطرق، في هذه الحلقة الثالثة من حلقات الحرب الامبريالية على ايران، إلى فلسفة السلاح النووي التي تعتبر مجالا معقدا يتقاطع فيه الفكر الفلسفي بالأخلاقي والسياسي والعسكري. وبالمناسبة وجب فتح النقاش والتفكير علميا في معنى وجود السلاح النووي ومشروعيته الأخلاقية وانعكاساته على العلاقات الدولية ومستقبل البشرية ككل. كما ستتطرق هذه الحلقة عن الوضع العالمي اليوم على المستوى النووي تحت قيادة التفهاء.

 

فلسفة السلاح النووي مؤسسة على اعتبار هذا السلاح النووي أداة للردع وأن امتلاك دولة للسلاح النووي يمنع الدول الأخرى من مهاجمتها خوفا من انتقام مدمر. ومن هذه الزاوية يرى فلاسفة الواقعية السياسية مثل توماس هوبز أو لاحقا منظرو الواقعية في العلاقات الدولية (مثل كينيث والتز) أن الردع النووي ساهم في تجنب حروب كبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وخصوصا الحرب المباشرة بين القوى العظمى نظرا لتواجد نوع من “توازن الرعب” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

مفارقة الردع النووي هذه تفيد أنه نجاح هذا الردع يفترض اقتناع الخصم بإمكانية استعمال السلاح النووي فعلا وأن استعماله سيتسبب حتما في كارثة أخلاقية وإنسانية، هذا التناقض يجعل منطق الردع هشا، ويطرح سؤال: هل الردع فعلا ضمانة سلام أم قنبلة موقوتة؟

وفي هذا يرى الفيلسوف مايكل والزر في كتابه “الحروب العادلة وغير العادلة”، ومعه كثيرين، أن الضربات النووية لا يمكن تبريرها أخلاقيا لأنها لا تميز بين المدنيين والعسكريين ما يطرح سؤال عن المشروعية الأخلاقية لامتلاك السلاح النووي أصلا. كما أن فلاسفة آخرون يرون أن مجرد التهديد بالسلاح النووي بحد ذاته غير أخلاقي لأنه يقوم على الخوف والإبادة الشاملة، وأن امتلاك هذا السلاح يعكس رؤية عدمية تجاه العالم لدى مالكه، بحيث يصبح تدمير كل شيء خيارا سياسيا ممكنا لديه. وفي هذا يتحدث بعض الفلاسفة عن فكرة “القيامة المصطنعة”، أي أن الإنسان صار يمتلك قوة تدمير مشابهة لقوة الطبيعة أو “الإله”، مما يضع المسؤولية الأخلاقية على عاتقه أكثر من أي وقت مضى.

فإذا كان السلاح التقليدي أداة للدفاع عن الحقوق الطبيعية، فإن السلاح النووي لا يحقق هذا الهدف كما يرى جون لوك، كما أنه قد يجمد مسار التاريخ بفعل “توازن الخوف/الرعب”، بحيث لا تعود هناك إمكانيات حقيقية لتغيير الأنظمة الاستبدادية عبر الحروب كما يرى كل من جون لوك ومفكرين مثل فرانسيس فوكوياما أو غيره.

لقد فطن العالم الفزيائي ألبير أنشتاين صاحب المعادلة العلمية الأصل (E=mc²) / (الطاقة = الكتلة × مربع سرعة الضوء) وهي المعادلة التي إمكانية تحويل الكتلة إلى طاقة هائلة، وهو المفهوم الأساسي وراء القنبلة الذرية، فطن بخطورة وعمق المشكلة على مستقبل البشرية بقوله أن “الطاقة الذرية غيرت كل شيء، ما عدا طريقتنا في التفكير.” و “أنا لا أعرف كيف ستكون الحرب العالمية الثالثة، لكن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالعصي والحجارة.” لذلك أطلق بمعية الفيلسوف برتراند ومفكرين آخرين نداءات مبكرة ضد الانتشار النووي لأن السلاح النووي يهدد بقاء الإنسان نفسه.

تجذر الإشارة إلى الرواد الكبار من المفكرين عملوا حقيقة على إقناع صناع القرار بضرورة نزع شامل للسلاح النووي وتفكيه على سبيل السياسية السلمية البديلة مثل فلسفة غاندي أو ألبير كامو ونيلسون مانديلا باعتبار هذا النوع من السلاح وسيلة غير إنسانية لحل الصراعات، وهي أصوات نادت ببدائل دبلوماسية وثقافة سلام على أساس الاحترام المتبادل وحق الشعوب في تقرير مصيرها، واقتناعا بهذا التوجه أيد الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا قرار تخلص جمهورية جنوب افريقيا طواعية من أسلحتها النووية حيث تملك ستة رؤوس وتم تفكيك البرنامج النووي لهذه الدولة سنة 1989والذي بنته بتعاون مع الكيان الصهيوني في عهد النظام البريتوري العنصري لتوقع على معاهدة عدم انتشاره سنة 1991، وإذا كان هذا الرأي السديد رأي العظماء، فأين وصل العالم اليوم نوويا بقيادة التفهاء؟

إذا كانت كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية قد أعلنت امتلاكها للسلاح النووي، فإن الكيان الصهيوني الملفق اللقيط، بالرغم من كون فرنسا ساعدته على امتلاك هذا السلاح الفتاك وإجراء عدة تجارب نووية بأرض الجزائر أيام الاستعمار منذ 1966 واستمرت في تجاربها النووية الى غاية 1966 بعد استقلال الجزائر، بالرغم من ذلك لم يعلن الكيان الصهيوني قط عن امتلاكه لهذا السلاح الفتاك وبقي برنامجه النووي طي الكتمان والغموض لدرجة أن الكيان اغتال مهندسا إسرائيليا أسر بتملكه لقنبلة نووية، كما رفضت إسرائيل التوقيع على المعاهدة الحد من انتشار السلاح النووي.

في عام 2024، يذكر اتحاد العلماء الأمريكيين وجود ما يقرب من 3880 رأسا نوويا نشطا و 12119 رأسا نوويا إجماليا في العالم. وقد قدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في عام 2023 أن إجمالي عدد الرؤوس الحربية النووية في العالم وصلت إلى 12512، ما يقرب من 9576 رأس منها محتفظ بها في المخازن العسكرية و3844 رأس محمول على الصواريخ، و2000 رأس حربي، معظمها من روسيا والولايات المتحدة، مجهزة للإنذارات النووية العالية.

ومع دخول معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية حيز التنفيذ في عام 1970، فإذا كان الكيان الاسرائيلي ينكر لحد الآن بتوفره على السلاح النووي فقد انسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة سنة 2003، أما جنوب إفريقيا فقد فككت أسلحتها النووية المطورة قبل الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، في حين أن جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق التي أعادت أسلحتها النووية إلى الاتحاد الروسي باعتباره الدولة الوريثة للاتحاد السوفياتي حين تفكك سنة 1991. هكذا أعادت كل من أوكرانيا أكثر من 1,800 رأس نووي إلى روسيا في إطار مذكرة بودابست عام 1994، مقابل ضمانات أمنية من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا باحترام سيادتها ووحدة أراضيها، وبيلاروسيا أعادت كل الأسلحة النووية إلى روسيا بحلول عام 1996 ضمن اتفاقات التعاون مع روسيا ومعاهدة عدم الانتشار النووي، كما أعادت كازاخستان ما يزيد عن 1,400 رأس نووي استراتيجي لروسيا ما بين 1993 و1995، وانضمت لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) كدولة غير نووية.

جدير بالذكر أيضا أنه منذ فجر العصر الذري، طورت معظم الدول الحائزة للأسلحة النووية طرق تسليم أسلحتها النووية، فبينما قررت دول تسليم هذه الأسلحة إلى الغواصات المتمركزة في البحر، اتجهت بعض الدول نحو الثالوث النووي (Nuclear Triad) أي القدرات النووية الثلاث الرئيسية التي تمتلكها الدول النووية الكبرى والتي تشمل الصواريخ الباليستية العابرة للقارات (ICBMs) والقاذفات الاستراتيجية (Bombers) والغواصات النووية (SLBMs – Submarine-Launched Ballistic Missiles) التي تمتلكها كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين التي التحق بهما كل من الهند (بشكل جزئي) وربما كوريا الشمالية أيضا.

( يتبع : الحلقة الرابعة عن موضوع احتكار الكيان الصهيوني للأسلحة النووية بالشرق الأوسط)

إرسال التعليق