
الوعود التي أكلها الغلاء: المغرب تحت قبضة حكومة الكفاءات الصامتة
رصد المغرب
بين 2021 و2025، قصة حكومة خرجت من صناديق الاقتراع محمولة على آمال المغاربة، لتُعيدهم إلى عنق الزجاجة: ارتفاع أسعار، تآكل الأجور، وتراجع في الثقة… فهل كانت “حكومة الكفاءات” مجرد شعار انتخابي؟
حين اعتلى حزب التجمع الوطني للأحرار قمة الهرم السياسي في المغرب، بعد اكتساحه للانتخابات التشريعية الأخيرة، ساد شعور جماعي بأن البلاد تقف أمام لحظة تحوّل.
فقد وعد رئيس الحكومة عزيز أخنوش بتشكيل “حكومة كفاءات”، تعطي الأولوية للنتائج بدل الشعارات، وللنجاعة بدل الخطابات.
لكن، وبعد مرور أزيد من ثلاث سنوات، يبدو أن “الكفاءات” التي وعد بها أخنوش، لم تفلح إلا في إدارة الندوات الصحفية، بينما ظل الواقع الاجتماعي والاقتصادي يسير في اتجاه معكوس لتطلعات الشعب.
لم يعرف المغرب، منذ سنوات، موجة غلاء بهذا الاتساع والحدة. من أسعار المواد الغذائية الأساسية، إلى فواتير الماء والكهرباء، وصولاً إلى خدمات الصحة والنقل، أصبح المواطن المغربي يُصارع من أجل الحفاظ على الحد الأدنى من الكرامة.
والمفارقة أن الحكومة التي وعدت بمحاربة الوسطاء والمضاربين، وجعلت من تحسين القدرة الشرائية للمواطن محوراً لبرنامجها، اختارت في الواقع الصمت أو التبرير.
لم نرَ إجراءات حقيقية تكبح جماح الأسعار، ولم نشهد سياسات قوية تعيد التوازن إلى السوق، بل بالعكس، رُفعت الأسعار في ظل تبريرات تقنية، ووسط حديث عن “ظروف دولية”، وكأن الحكومة تدبر شؤون بلد آخر غير المغرب.
من المؤسف أن يكون أغلب الوزراء في هذه الحكومة غير معروفين عند عامة الناس، ليس لأنهم “يشتغلون في صمت”، كما يُروج، بل لأنهم ببساطة غائبون عن المشهد السياسي والإعلامي.
لا مواقف سياسية واضحة، لا محاسبة، لا تواصل مع المواطنين.
في قطاع التعليم، عشنا ارتباكاً متواصلاً بين الرؤية والتطبيق، وفي الصحة لا زال المواطن يعاني في المستشفيات العمومية، وفي التشغيل لم تُفلح برامج “أوراش” و”فرصة” في خلق نقلة حقيقية، بل صارت أقرب إلى حملات علاقات عامة أكثر منها مشاريع تنموية.
هذه حكومة لا تصنع الحدث، بل تكتفي بردّ الفعل، وبلغة بيروقراطية متكلسة، لا تليق بطموحات مرحلة ما بعد الجائحة، ولا تواكب الزخم الشعبي الذي منحها أصواته قبل سنوات.
المقلق اليوم ليس فقط أن الوضع الاقتصادي يتدهور، بل أن الحكومة تبدو غير مستعجلة لتصحيحه. نسبة البطالة ترتفع، العجز في الميزانية يتضخم، الاستثمارات في بعض القطاعات الحيوية تتباطأ، ومع ذلك، يخرج علينا بعض الوزراء بتصريحات وردية لا تصمد أمام الواقع.
أين هي وعود الحكومة برفع نسبة النمو؟ أين هو تخفيض العجز؟ ماذا عن دعم الفئات الهشة؟ بل أين هو البرنامج الانتقالي الموعود لما بعد كورونا؟ كل هذه الأسئلة تظل معلقة، لأن لا أحد من المسؤولين يشعر أن عليه الإجابة.
لم يعد المواطن المغربي ينتظر الكثير.
بل أصبح يُراكم خيبة تلو الأخرى.
الاحتجاجات في عدد من المدن، وإن كانت لا تزال محدودة، تعكس مزاجاً شعبياً قلقاً.
الغضب لم ينفجر بعد، لكنه يغلي تحت السطح. وغياب الحوار الجاد والتفاعل المؤسساتي يزيد الطين بلة.
نحن أمام حكومة لا تملك سردية سياسية واضحة، ولا مشروع مجتمعي موحّد، ولا حتى قدرة على الإصغاء الحقيقي للمجتمع.
الانتخابات التشريعية القادمة لن تكون مجرد محطة دورية.
بل ستكون استفتاءً شعبياً على تجربة وُصفت في بدايتها بـ”التاريخية”.
فإما أن يُجدد الشعب ثقته في مسار لم يأتِ بالثمار المرجوة، أو أن يُعيد رسم الخريطة السياسية بكاملها.
وعلى الأحزاب المنافسة أن تدرك أن فشل الحكومة الحالية لا يكفي وحده لضمان أصوات الناخبين.
بل يجب تقديم بدائل حقيقية، وبرامج جريئة، وتواصل فعّال يعيد الثقة إلى السياسة.
لم يعد السؤال: ماذا ستفعل حكومة أخنوش في المستقبل؟ بل أصبح: لماذا لم تفعل شيئاً حين كانت تملك كل شيء؟ أغلبية مريحة، مؤسسات مستقرة، سياق دولي يدعو للإصلاح… لكنها لم تغتنم الفرصة.
وفي النهاية، التاريخ لا يرحم من فرّط في لحظات التغيير الكبرى
إرسال التعليق