“بين صورة الدولة وشرعية الاحتجاج” قراءة في أحداث نهاية الأسبوع

“بين صورة الدولة وشرعية الاحتجاج” قراءة في أحداث نهاية الأسبوع
رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي
شهدت نهاية الأسبوع احتجاجات شعبية في عدد من المدن، رافقتها مشاهد تعامل أمني أثارت استغرابا واسعا داخل البلاد وخارجها، حيث بدل أن تشكل هذه اللحظة فرصة لإبراز قدرة الدولة على إدارة الخلافات الاجتماعية والسياسية بروح من الانفتاح والمسؤولية، تحولت إلى مناسبة أضرت بصورة المؤسسات وأثارت تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع.
إن المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة، لم تقرأ فقط في سياقها اللحظي، بل أعيد تأويلها كدليل على هشاشة الثقة بين المواطن والدولة، لأنه حين يمنع الاحتجاج السلمي، أو يواجه بالقوة المفرطة، فإن الرسالة التي تصل إلى الرأي العام هي أن حق التعبير، رغم تكريسه في الدستور، ما زال محل شك في الممارسة اليومية، وحيث هذه الفجوة بين النص القانوني والواقع العملي، تضعف من رصيد الشرعية وتشوه صورة الدولة أمام مواطنيها وأمام المجتمع الدولي.
طيلة السنوات الماضية، راهنت الحكومة على خطاب إعلامي ودعائي مكثف لتسويق إنجازات اقتصادية واجتماعية، غير أن هذه الصورة الوردية لم تقنع شريحة واسعة من المواطنين، الذين لمسوا في حياتهم اليومية غلاءا في المعيشة وتراجعا في الخدمات الأساسية، أكثر مما لمسوا تحسنا ملموسا في أوضاعهم، حيث مع أحداث نهاية الأسبوع، بدا هذا التناقض أكثر وضوحا، فالحكومة التي قدمت نفسها كوسيط بين الدولة والمجتمع، ظهرت عاجزة عن أداء هذا الدور أو غير راغبة فيه، تاركة الساحة للأجهزة الأمنية التي تصرفت بطرق بدت مرتبكة ومرتعشة.
وما يزيد من تعقيد المشهد هو الاعتقاد المتنامي لدى قطاعات واسعة من المواطنين بأن القرار العمومي لم يعد يتخذ بمنطق المصلحة العامة، وإنما يخضع لضغوط لوبيات اقتصادية قوية تتحكم في قطاعات حيوية، حيث هذا الشعور سواء كان دقيقا بالكامل أم لا، يغذي حالة من انعدام الثقة، ويدفع الناس إلى اعتبار الاحتجاج وسيلتهم الوحيدة لإسماع صوتهم في مواجهة منظومة تبدو مغلقة ومحصنة ضد النقد أو المحاسبة.
إن الأحداث الأخيرة تكشف بوضوح أن المعالجة الأمنية وحدها غير كافية، بل قد تكون مكلفة سياسيا واجتماعيا، حيث المجتمع المغربي الذي عاش في السنوات الأخيرة تحولات عميقة في وعيه وتطلعاته، لم يعد يقبل الحلول الترقيعية أو الخطابات المطمئنة التي لا تجد ترجمة عملية، ومن ثم فإن المطلوب هو مقاربة جديدة تقوم على فتح قنوات حقيقية للحوار، وضمان ممارسة الحقوق الدستورية دون تضييق، وإرساء سياسات عمومية تشعر المواطن بأن صوته مسموع وأن كرامته مصونة.
إن ما جرى ليس مجرد لحظة عابرة من التوتر بين محتجين وأجهزة أمنية، بل هو تعبير عن أزمة ثقة عميقة بين الدولة والمجتمع، بحيث معالجة هذه الأزمة تتطلب شجاعة سياسية، ورؤية إصلاحية واضحة تتجاوز منطق إدارة الأزمات إلى منطق بناء التوافقات وصناعة المستقبل المشترك، لأن استمرار الوضع على ما هو عليه لا يهدد فقط صورة الدولة، بل يضعف أيضا قدرتها على مواجهة التحديات التنموية والاقتصادية التي تفرض نفسها بإلحاح.
إرسال التعليق