آخر الأخبار

تعويم النقاش العمومي: هل هو التفاف على المطالب أم انفتاح على جيل التغيير؟ قراءة في استراتيجية النظام المغربي تجاه حراك “جيل زد 212”

تعويم النقاش العمومي: هل هو التفاف على المطالب أم انفتاح على جيل التغيير؟ قراءة في استراتيجية النظام المغربي تجاه حراك “جيل زد 212”

رصدالمغرب / نعيم بوسلهام


في خضم تصاعد موجة الاحتجاجات التي قادها شباب “جيل زد 212” في عدد من المدن المغربية، برز مصطلح جديد في النقاش السياسي هو “تعويم النقاش العمومي”، والذي يشير إلى محاولة الدولة فتح نقاشات واسعة في وسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية حول القضايا التي يثيرها الشباب.
لكن خلف هذا الانفتاح الظاهري، يلوّح سؤال جوهري: هل يتعلق الأمر فعلاً باستجابة حقيقية للمطالب، أم هو مجرد تكتيك لامتصاص الغضب والالتفاف على الحراك الشبابي؟

جيل جديد… وأدوات جديدة للاحتجاج

الحراك الذي انطلق من الفضاء الرقمي حمل توقيع جيل رقمي بامتياز، جيل لا يؤمن بالوسائط التقليدية ولا بالخطاب الرسمي، بل يبني وعيه ومطالبه عبر “إكس” و”تيك توك” و”إنستغرام”.
وقد رفعت حركة “جيل زد 212” شعارات قوية تطالب بإصلاح جذري لقطاعات التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، وذهبت أبعد من ذلك بالمطالبة بإقالة الحكومة ومحاسبة رموز الفساد، ما شكّل ضغطًا غير مسبوق على السلطة السياسية.

أمام هذا المشهد، وجدت الحكومة نفسها مطالَبة بإدارة أزمة غير مألوفة، في سياق اجتماعي وسياسي حساس، يتزامن مع استعداد المغرب لاحتضان كأس العالم 2030، وما يفرضه ذلك من حرص على صورة “الاستقرار والهدوء”.

من الشارع إلى البرلمان: محاولة لتغيير قواعد اللعبة

سارعت الحكومة إلى إعلان “انفتاحها على الحوار” مع الشباب، داعية إلى نقل النقاش إلى داخل المؤسسات المنتخبة، باعتبارها الفضاء الطبيعي للتعبير الديمقراطي.
غير أن هذه الدعوة لم تلق ترحيبًا كبيرًا في أوساط الشباب الذين اعتبروا أن الحوار الرسمي محاولة لتطويق الحراك وتحويله إلى نقاش بيروقراطي عقيم.

في المقابل، عبّر وزير الشباب عن استعداده للقاء الشباب على أي منصة يختارونها، في إشارة إلى رغبة في التهدئة، لكن هذه المبادرة لم تجد صدى ملموسًا، ما يعكس عمق الهوة بين جيلٍ يُعبّر عن نفسه بحرية رقمية مطلقة، ونظامٍ لا يزال متمسكًا بقواعد الاتصال التقليدية.

بين قراءتين: الالتفاف أم التفاعل؟
1. الرأي الأول: التعويم كآلية لاحتواء الغضب

يرى عدد من المحللين أن “تعويم النقاش العمومي” ليس سوى استراتيجية لتبريد الشارع وإعادة ضبط الإيقاع السياسي.
فمن خلال توجيه النقاش إلى مؤسسات يمكن التحكم في خطابها، يتم:

احتواء الغضب الشعبي داخل قنوات رسمية مضبوطة.

تشتيت زخم الحركة الشبابية عبر الإغراق في النقاشات الشكلية.

كسب الوقت وتأجيل أي إصلاحات عميقة قد تمس البنية السياسية أو الاقتصادية.

ويعتبر هؤلاء أن النظام يسعى إلى إعادة إنتاج المشهد العمومي بما يضمن استمراريته، خصوصًا في ظل ضعف المعارضة التقليدية وغياب الوسائط القادرة على تمثيل هذا الجيل الجديد.

2. الرأي الثاني: انفتاح نحو معالجة حقيقية

في المقابل، يرى آخرون أن الانفتاح الحكومي يُظهر رغبة في الاعتراف بشرعية المطالب الشبابية، وتفادي أي تصعيد قد يهدد السلم الاجتماعي.
هذا التوجه – في نظرهم – يعكس محاولة لإعادة بناء جسور الثقة بين الدولة وجيل يشعر بالتهميش، وإعادة إدماج مطالبه في مسارات الإصلاح المؤسسي.
وهو ما يعتبره البعض فرصة لتصحيح العلاقة المتوترة بين السلطة والمجتمع، عبر جعل الحوار أساسًا لحل الأزمات بدل المقاربة الأمنية.

جيل يثق بالهاشتاغ أكثر من البرلمان

تكمن المفارقة في أن هذا الجيل لا يبحث عن تمثيل حزبي أو نقابي، بل عن صوت يسمع ويُحترم.
إنه جيل يرى في الفضاء الرقمي منبرًا ديمقراطيًا بديلاً، وفي “الهاشتاغ” أداة ضغط تفوق بيانات الأحزاب وبلاغات النقابات.
وبينما تراهن الدولة على “المأسسة”، يراهن الشباب على “اللا-مأسسة” كطريق للتعبير والمساءلة.

خاتمة: بين الإصغاء والتعويم

يبقى السؤال مفتوحًا: هل تعويم النقاش العمومي يعكس تحولًا حقيقيًا في طريقة تعامل الدولة مع جيلها الجديد؟
أم أنه مجرد محاولة لربح الوقت في مواجهة موجة رقمية يصعب احتواؤها؟

في كل الأحوال، يواجه المغرب تحديًا مركزيًا يتمثل في كيفية الانتقال من إدارة الغضب إلى إدارة التغيير، ومن التحكم في الخطاب إلى الإنصات لصوت جيلٍ لم يعد ينتظر وساطة أحد، بل يكتب مستقبله على الشاشة، بالحروف نفسها التي تُشعل الشارع.

إرسال التعليق