خطاب العرش 2025 هو بوصلة نحو مغرب الإنصاف والسيادة المتوازنة

آخر الأخبار

خطاب العرش 2025 هو بوصلة نحو مغرب الإنصاف والسيادة المتوازنة

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي


في ذكرى جلوسه السادسة والعشرين على عرش المملكة، ألقى جلالة الملك محمد السادس خطابا ساميا مثل لحظة سياسية فارقة، وأعاد فيه تحديد بوصلة التنمية والتماسك الاجتماعي في مغرب يخرج تدريجيا من الأزمات المتعددة، حيث خطاب هذه السنة لم يكن مجرد استعراض للمنجزات، بل شكل رؤية متكاملة لمغرب جديد، يرتكز على العدالة المجالية والاجتماعية، ويعزز حضوره السيادي والسياسي على الساحة الدولية.

وجاء الخطاب في سياق داخلي مطبوع بالتعافي الاقتصادي النسبي، لكنه مشوب بتحديات اجتماعية ما زالت قائمة، لا سيما في المناطق الهشة والعالم القروي، حيث في سياق دولي وإقليمي مضطرب، عكس الخطاب وعيا ملكيا حادا بضرورة الجمع بين الحزم في السيادة، والمرونة في التعاون، ووضوح الرؤية في مواجهة التقلبات.

وركز الخطاب على ضرورة الانتقال من منطق الأرقام والمؤشرات الكمية إلى منطق أكثر نجاعة على مستوى الإنصاف المجالي والفعالية الاجتماعية، لأن الفقر والهشاشة، رغم التقدم المسجل، لا يزالان واقعا يؤثر على فئات واسعة، وهو ما استدعى دعوة صريحة لتطوير جيل جديد من البرامج التنموية، يضع الإنسان في قلب السياسات العمومية.

ولم يكن هذا الإقرار دعوة للتشكي أو التهويل، بل محاولة جريئة لتحديد الأولويات، والتأكيد على أن الزمن السياسي القادم يجب أن يكون زمن الإنصاف لا التفاوت، وزمن الفعالية لا التباهي بالإنجازات الرقمية.

وفي شقه السياسي، حمل الخطاب توجيهات واضحة للحكومة بشأن الإعداد الجيد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، كترجمة لإرادة ملكية ثابتة في ترسيخ الخيار الديمقراطي، حيث الانتخابات، بحسب جلالة الملك، ليست لحظة اقتراع عابرة، بل مسار لتجديد الثقة، وتفعيل المشاركة، وتعزيز الصلة بين المواطن والشأن العام.

إنها دعوة للنخب والمؤسسات إلى الارتقاء بخطابها وأدائها، بما يضمن مشاركة سياسية مسؤولة، تعكس طموحات المواطنين، وتستجيب لتحديات المرحلة.

ومرة أخرى، أكد الملك التزام المغرب بسياسة اليد الممدودة اتجاه الجزائر، معبرا عن رغبة صادقة في تجاوز الجمود الإقليمي، وفتح آفاق تعاون مغاربي يعود بالنفع على الشعوب، حيث في مقابل الخطابات الانفعالية أو التصعيدية، يواصل المغرب تبني نهج ضبط النفس والحوار، انطلاقا من الثقة في الذات، والإيمان بوحدة المصير المغاربي.

وفي ما يخص القضية الوطنية، شدد الخطاب على أن مبادرة الحكم الذاتي هي الإطار الوحيد الواقعي لتسوية هذا النزاع، مبرزا اعترافات دولية متزايدة بدعم هذا المقترح، كان آخرها موقفا المملكة المتحدة والبرتغال، وكل ذلك يمثل رسالة دبلوماسية واضحة، بأن لا مساومة على وحدة المغرب الترابية، ولا تفاوض خارج سقف السيادة الوطنية.

واختتم الخطاب بإشادة واضحة بقوات الأمن والدفاع، تأكيدا على أن الأمن لا ينظر إليه فقط كمكسب، بل كشرط أساسي لتحقيق التنمية، وجلب الاستثمارات، وضمان الاستقرار الاجتماعي، فبدون أمن، لا توجد بيئة ملائمة للإصلاح أو الإقلاع الاقتصادي.

ويجسد خطاب العرش لهذه السنة رؤية استراتيجية واضحة، تدمج بين البعد الاجتماعي والاقتصادي من جهة، والسياسي والسيادي من جهة أخرى، حيث في الآن ذاته، نداء مفتوح لجميع الفاعلين، منالنخب والمؤسسات والمواطنين، للانخراط في ورش بناء مغرب منصف داخليا، ومبادر خارجيا.

إنه خطاب للمستقبل، يرسم ملامح مغرب الإنصاف والسيادة المتوازنة، مغرب لا يكتفي بالإنجاز، بل يطمح إلى العدالة، ولا يراهن على الاستقرار فقط، بل على التنمية الشاملة والعادلة.

إرسال التعليق