خطب الجمعة في عهد التوفيق: منابر بلا روح في زمن الغليان الشعبي

خطب الجمعة في عهد التوفيق: منابر بلا روح في زمن الغليان الشعبي
رصد المغرب/نعيم بوسلهام
لم تكن خطبة الجمعة ليوم 10 أكتوبر 2025 حدثاً دينياً عادياً، بل كانت مرآة تعكس أزمة عميقة تضرب علاقة المؤسسة الدينية الرسمية بالمجتمع المغربي. ففي الوقت الذي يعيش فيه الشارع المغربي على إيقاع احتجاجات جيل زد، الغاضب من التفاوتات الاجتماعية، وانسداد الأفق، وتغوّل السلطة الاقتصادية والسياسية، جاءت خطبة الجمعة لتؤكد مجدداً أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تسير في وادٍ، والمجتمع في وادٍ آخر.
فبدل أن تكون المنابر صوت الناس، تعبيراً عن همومهم، وتنفيساً عن احتقانهم المشروع، تحولت إلى أبواق لترديد خطبٍ موحّدة ومعلّبة، تُكتب في المكاتب المكيفة، وتُقرأ في المساجد كأنها نشرات رسمية لا علاقة لها بروح الدين ولا بآلام الواقع.
منبر تحت الحصار
منذ سنوات، أضحت وزارة الأوقاف في عهد الوزير أحمد التوفيق أشبه بجهاز إداري أكثر منها مؤسسة دينية. منابر الجمعة لم تعد فضاءً للتنوير، بل تحولت إلى فضاء للرقابة الصارمة، حيث تُمنع الكلمات الصادقة وتُراقب الأدعية قبل أن تُرفع إلى السماء.
وقد بلغ التضييق مداه عندما مُنع الأئمة من الدعاء للمقاومة الفلسطينية أو حتى التطرق إلى معاناتها، في مشهدٍ صادمٍ يكشف كيف أُفرغت بيوت الله من مضمونها الرسالي، وكيف فُصل الدين عن قضايا الأمة تحت ذريعة “التوجيه الموحد”.
فهل يمكن لمسجدٍ محاصرٍ أن يربي جيلاً حراً؟
وهل يمكن لخُطبةٍ تُكتب بلغة البيروقراطية أن تُحرّك ضميراً أو تُوقظ وعياً؟
جيلٌ بلا منبر
جيل الشباب الذي خرج إلى الشوارع هاتفاً ضد التهميش وغياب العدالة، لم يجد في المساجد صوتاً يعبّر عنه. وجد منابر تتحدث عن الصبر دون عدالة، وعن الطاعة دون مساءلة، وعن الرضا بالواقع دون محاولة لتغييره.
وهنا تكمن المأساة: الدولة تحاصر المنابر، وتفرغها من رسالتها، بينما الشارع يغلي بحثاً عن صوتٍ صادقٍ يعبر عن آلامه.
في زمن كان فيه الخطيب يحمل هم الأمة على كتفيه، أصبح اليوم مطالباً بحمل نصٍّ جاهزٍ لا يحق له تجاوزه. وبينما كان المنبر مدرسة لتربية الوعي، صار اليوم جزءاً من منظومة التنويم العمومي.
أزمة المعنى الديني
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد سوء تدبير إداري، بل أزمة معنى ديني.
حين تتحول خطبة الجمعة إلى وسيلة لتمرير الخطاب الرسمي بدل أن تكون نداءً أخلاقياً يُوقظ الضمير الجمعي، فإننا أمام انحراف خطير في وظيفة الدين داخل المجتمع.
إن رسالة المسجد ليست تزكية الخضوع، بل تزكية النفس، وليست خدمة السلطة، بل خدمة الإنسان.
بين منبر الدولة ومنبر الشعب
في النهاية، يبدو أن الصراع اليوم لم يعد بين الشارع والسلطة فقط، بل بين منبر الدولة ومنبر الشعب.
فبينما يسعى الأول إلى ترويض الوعي عبر خطاب ديني خاضع، يبحث الثاني عن منبرٍ حرٍّ يعبّر عن وجعه، ويفتح أفقاً للأمل والمساءلة.
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه:
إلى متى سيظل الدين الرسمي أداةً لتسكين الألم، بدل أن يكون طاقةً لتحرير الإنسان من كل أشكال القهر؟
إرسال التعليق