آخر الأخبار

سلا الرياضية بين مطرقة السياسة وسندان الشفافية المفقودة

سلا الرياضية بين مطرقة السياسة وسندان الشفافية المفقودة

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


تعيش مدينة سلا هذه الأيام على وقع توتر رياضي غير مسبوق، بعدما تفجر نقاش واسع حول الطريقة التي تم بها توزيع الدعم العمومي للجمعيات الرياضية من طرف مجلس جماعة سلا، حيث بدل أن تكون هذه العملية مناسبة لتكريم الجهود المبذولة من طرف الأندية الجادة، تحولت إلى شرارة فتنة رياضية، بعد أن طفت على السطح اتهامات بتغليب “الولاءات السياسية” على منطق “الاستحقاق الرياضي”.

وهناك مصادر مطلعة من داخل الوسط الرياضي المحلي كشفت أن عددا من الجمعيات المنضوية تحت لواء العصبة الجهوية لكرة القدم لجهة الرباط سلا القنيطرة والجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوجئت بإقصائها من لائحة المستفيدين من الدعم، رغم نشاطها الميداني المنتظم ومشاركاتها في المنافسات الرسمية، حيث في المقابل، استفادت جمعيات أخرى محدودة التجربة والحضور، ويقال إن روابطها السياسية كانت أقوى من سجلها الرياضي، وهو ما زاد من حدة الغضب داخل الأوساط الرياضية.

إن تحويل الرياضة إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية يفقدها معناها الحقيقي، لأن الرياضة في جوهرها مشروع مجتمعي لبناء المواطنة والتلاحم، لا أداة لتوزيع الغنائم بين المقربين، بحيث حين يصبح دعم الجمعيات وسيلة لمكافأة الولاءات الحزبية، تغتال روح المنافسة الشريفة، وتهمش طاقات شابة تمثل مستقبل المدينة.

وردا على هذا الوضع، تستعد مجموعة من الجمعيات المقصية لتوجيه مراسلات رسمية إلى السيد عامل عمالة سلا، تطالب فيها بفتح تحقيق في كيفية صرف الدعم وتحديد المسؤوليات، حيث هذه الخطوة تعبر عن نضج مؤسساتي وحرص على معالجة الخلل بطرق قانونية، بدل الانزلاق نحو المواجهة أو المقاطعة، رغم ما يعتريها من إحباط مشروع.

هذه القضية تكشف أزمة أعمق من مجرد توزيع غير عادل للدعم، لأنها أزمة حكامة رياضية في مدينة تمتلك تاريخا عريقا وأسماء لامعة في مختلف الأصناف الرياضية، لأنه لا معنى أن يمنح المال العمومي دون معايير شفافة، وبذلك انعدام التقييم الأداء الرياضي، ليبقى السؤال هو أين التقارير المالية والأنشطة الميدانية التي تبرر الاستفادة؟

إن غياب هذه الشفافية لا يضر فقط بالجمعيات، بل يزعزع الثقة في المؤسسات المنتخبة، ويعمق الإحساس بأن المال العام يدار خارج منطق العدالة والمساءلة، حيث الحل لا يكمن في تغيير الأسماء أو توزيع الفتات، بل في وضع ميثاق محلي للدعم الرياضي، يربط التمويل بالنتائج وعدد المستفيدين والبرامج التنموية، كما يجب أن تنشر لوائح الجمعيات المستفيدة للعموم، حتى يطلع المواطن على كيفية صرف أمواله، ويفعّل مبدأ “الحق في المعلومة” المنصوص عليه قانونا.

إن سلا ليست مدينة عادية، بل منبع أبطال وذاكرة رياضية حية، و لذلك من المؤلم أن تختزل رياضتها في حسابات انتخابية ضيقة، حيث الرياضة في سلا لا تحتاج إلى وسطاء حزبيين، بل إلى ضمير جماعي يؤمن بأن دعم الجمعيات هو استثمار في الشباب، لا ورقة ضغط سياسي.

فحين تستعاد الثقة وترسّخ الشفافية، عندئذ فقط يمكن القول إن سلا عادت لتلعب في الميدان الذي تستحقه، وهو ميدان الكفاءة والعدل، حيث عودة المدينة إلى هذا الموقع ليست مجرد استرجاع لصورةٍ رمزية، بل هي تتويج لمسار من الإصلاح المؤسسي، وإعادة بناء للعلاقة بين المواطن والإدارة على أسس من النزاهة والمسؤولية، وتحقيق كل ذلك يتطلب مواصلة الجهود الرامية إلى تحسين الحكامة المحلية، وتعزيز المشاركة المواطِنة، وضمان تكافؤ الفرص في مختلف المجالات، فعندما تصبح الشفافية نهجا دائما لا شعارا ظرفيا، وعندما تترجم الكفاءة إلى أداء ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، آنذاك يمكن القول إن سلا تخطو بثبات نحو نموذجٍ تنموي متوازن وعادل.

إرسال التعليق