
من ظلاميات الكتانيين
رصد المغرب/الدكتور محمد وراضي
هناك مسلمات نعيد مضمونها على أسماع المتصوفة عبر التاريخ، وعلى أسماع الطرقيين منهم عامة. وعلى أسماع الكتانيين منهم خاصة. والمسلمات التي نعيدها هنا ثلاثة:
1- في الدين لا يوجد أفضل من قوله، ولا أفضل من فعله، ولا أفضل من تقريره ص. ومن ادعى عكس هذه المسلمة، فليقدم الدليل المعتمد لديه، هذا إن كان عنده دليل يقدمه.
2- نهى الرسول صراحة عن الابتداع في الدين. وتبرأ صراحة من المبتدعة. ولعن صراحة من وقر مبتدعا بإيوائه وإكرامه، لأنه عندئذ بمثابة شريك له فيما ابتدعه.
3- كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والأمثلة على هذه المسلمة، أو على هذه القناعة، قدمنا منها الكثير، وجعبتنا تتوفر على المزيد المزيد مما لم نقدم بعد على تقديمه.
وبما أن المتصوفة المغاربة يدعون أنهم جميعهم على طريقة الجنيد بن محمد البغدادي المتوفى سنة 297 هجرية. فلنرجع إلى “الرسالة القشيرية” في التصوف، ولنقرأ بإمعان مرة أخرى، بعضا مما أورده صاحبها عن الجنيد، مكتفين منه بمقالتين هما على التوالي:
1- قال: “الطرق كلها مسدودة على الخلق، إلا من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام”[1].
2- وقال: “من لم يحفظ القرآن الكريم، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا هذا ( يقصد التصوف) مقيد بالكتاب والسنة “[2].
ولنثر الانتباه هنا إلى أن الأوساط الصوفية المغربية، عرفت شيوخا صوفيين أميين وشبه أميين، بضاعتهم في العلم بكتاب الله وسنة رسوله بضاعة مزجاة! فشيخ على الدرقاوي السوسي: سعيد المعدري أمي! والعربي الدرقاوي مؤسس الطريقة شبه أمي، لأنه من حملة كتاب الله، ومعلم للصبيان، لا من حملة العلم! وأبو يعزى يلنور أمي! وشيخه أبو شعيب الدكالي شبه أمي كالعربي الدرقاوي! وعبد العزيز الدباغ صاحب كتاب “الإبريز” الذي جمعه تلميذه أحمد بن المبارك أمي! والعباس بن المختار البودشيشي والد حمزة البودشيشي شيخ الطريقة الآن شبه أمي، مثل أبي شعيب الدكالي وأكثر! وحتى من وصفوا بكونهم علماء أجلاء من المتصوفة، أصبحوا أميين أو شبه أميين أو ضالين مضلين، بانخراطهم في إنتاج الفكر الظلامي والعمل به والترويج له!
وبما أن الطريقة الكتانية طريقة صوفية، فلا بد أن تكون لها بدعياتها وظلامياتها التي تشترك فيها مع أخواتها أو تنفرد بها! إنها من تأسيس محمد بن عبد الكبير الكتاني الفاسي الذي قتل وهو ينافح عن الدين كتابا وسنة، كما ادعى ذلك الدكتور يوسف الكتاني في الجزء الثاني من كتابه “مدرسة الإمام البخاري في المغرب” حين قوله: “بل كان يحرص على توجيه الناس إلى أخذ الدين من منابعه الأصلية، من الكتاب والسنة، وأن يدع الناس ما هم فيه من اشتغال بالجزئيات والسفاسف، ويرجعوا إلى معلم البشرية ورسولها محمد ص، والأخذ عنه واتباع سنته. كما كان يدعو إلى إحياء السنة وكتبها والرجوع إلى الحديث النبوي، وكان ذلك هدفه ومقصده وسنده في كل حركة وسكنة”[3]!
فلماذا إذن نتحدث عن ظلاميات الكتانيين، ومؤسس طريقتهم على هذا القدر الموصوف من التعلق بكتاب الله وسنة رسوله؟
للإجابة على هذا التساؤل، لدينا ثلاثة مراجع: “الرحلة المراكشية” لمحمد بن محمد المؤقت. و”مدرسة الإمام البخاري في المغرب” المذكور صاحبه منذ حين. و”الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية” للدكتور تقي الدين الهلالي رحمة الله عليه.
تحدث ابن المؤقت عن محمد بن عبد الكبير الكتاني فقال: “هذا الشيخ له دعوى عريضة في مقام الولاية. منها أنه ختم الأولياء (نفس ما ادعاه التجاني)! وأنه قطب الأقطاب (نفس ما ادعاه التجاني)! وغوث الأغواث (نفس ما ادعاه التجاني)! وأنه أخذ مشافهة عن رسول الله ص من غير واسطة (نفس ما ادعاه التجاني)! وأنه يجتمع به ص يقظة، ويتلقى منه مباشرة (نفس ما ادعاه التجاني)! وأن أصحابه هم المراد بالحديث “طوبى للغرباء من أمتي”[4]! وأن صلاته الأنموذجية تعدل ب”دلائل الخيرات” للإمام الجزولي بثمانين ألف مرة”! يعني أن قارئ الصلاة الأنموذجية الكتانية مرة واحدة – وهي صيغة موضوعة من صيغ الصلاة على المختار – يحصل على ثواب من قرأ “دلائل الخيرات” لمحمد بن سليمان الجزولي ثمانين ألف مرة!
و”الدلائل” كما هو معروف، يضم 437 صيغة من صيغ الصلاة على الرسول الأكرم، ولا يصح منها تقريبا غير خمس صيغ. أما البقية وهي 432 فموضوع مبتكر، أو محدث مبتدع! والمشتغل بما هو محدث أو مبتدع لا يتوقع له الحصول على أي ثواب!!!
وكتأكيد لاجتماع الكتاني يقظة بالنبي ص يقول صاحب “مدرسة الإمام البخاري”: وقد “ظهر نبوغه بعد فترة قصيرة من الدرس حيث برز في التفسير والحديث وخاصة في علم التصوف. فقد فتح عليه واجتمع بالنبي ص يقظة! وأخذ عنه طريقته الكتانية!!! وأذن له في الإرشاد والدعوة إلى الله”[5]!!!
وبما أن الشيخ الكتاني يتلقى من الرسول ص مباشرة ما يتلقاه، فلا يستبعد أن يكون هو الذي أخبره بأن “الصلاة الأنموذجية” توفر لقارئها من الجزاء والثواب، ما لا يوفره “دلائل الخيرات” لقارئه! والحال أننا هنا أمام ما يشبه المزاحمة أو التنافس، هدف الكتاني وراءه صرف الناس عن قراءة “الدلائل” إلى قراءة المسمى عنده ب “الصلاة الأنموذجية”؟!؟ وصرفهم بالتالي عن قراءة مسمى “الياقوتة الفريدة” لدى التجانيين. مع أن الزنديق التجاني المفتري زعم – كما أخبره البشير النذير يقظة – بأنها لا تعدلها أية عبادة على الإطلاق!
فإن صح أن الهم الذي يقلق راحة ابن عبد الكبير الكتاني هو “توجيه الناس إلى أخذ الدين من منابعه الأصلية: من الكتاب والسنة”. فهل أخذ هو دينه من منبعيه، أو من مصدريه الأساسيين؟ فإن هو أخذه منهما بالفعل، ففي أية سورة، وفي أي حديث نجد الكلام عن “خاتم الأولياء” و”قطب الأقطاب” و”غوث الأغواث”؟ وفي أية سورة وفي أي حديث، نجد الكلام عن كونه ص سيظهر بعد موته لأناس مخصوصين، ويجتمع بهم في اليقظة، ويتلقون منه مباشرة ما يتلقونه، بحيث إنه يجلس إليهم جلوس الأستاذ للطلبة، أو جلوس الشيخ للمريدين؟ وبحيث إنه هو الذي يحضر إليهم كأستاذ وكشيخ، لا هم الذين يذهبون إليه طالبين للعلم كالعادة. نقصد أن الراغبين في تحصيل مختلف العلوم، يتجهون إلى الأساتذة، أو إلى الشيوخ في المدارس والجوامع والمساجد والبيوت، لا أن يقوم الأساتذة والشيوخ بجولات في مختلف البلدان، لغاية مد بعض التلاميذ والأصحاب بما لا أذن سمعت، وبما لم يخطر على قلب بشر؟
ورحم الله إمام أهل المدينة: مالك بن أنس، فقد ورد هارون الرشيد، ومعه حاشيته بما فيها ولداه: الأمين والمأمون على الحجاز لأداء فريضة الحج. وبعث من يحضر مالكا إلى حيث كان يقيم، لاستفادة ولديه منه، فقال مالك للمبعوث الملكي السلطاني: “العلم يؤتى ولا يأتي” أو ما في معناه! يعني أن الراغب في تحصيل العلم، هو الذي يأتي إلى العلماء، لا العلماء هم الذين يحضرون إليه متى أراد! وحيثما كان! داخل المنزل! أو في البراري والقفار!
ومن تيقن الآن من أحفاد الشيخ الكتاني المتنافسين المتصارعين على “المشيخة”! من تيقن منهم أن جده مصيب فيما ادعاه، فعليه تقديم ما يكفي من أدلة نقلية، ومن أخرى عقلية، ليسلم له الجميع بصحة ما زال ينسب إلى جده من ظلاميات، وقفنا طويلا – إلى حد ما – عند نظائرها لدى التجاني الذي يظهر أن الشيخ الكتاني قد ارتدى نفس ردائه! وحتى إذا لم يبلغ مبلغه في تضخيم ما لديه من قناعات ظلامية، فإن الفضل في إمساكه بزمام نفسه المندفعة نحو المجاهيل البدعية بعض الإمساك، يعود إلى العلماء الذين ناظروه وأفحموه بمراكش عام 1314ه. فقد أمر السلطان عبد العزيز بتوجيهه إليها “لأجل امتحانه لما ادعى ما ادعى، وجمع عليه أعيان علماء مراكش، وألقوا عليه مسائل عجز عن الجواب عنها، ولم ينفعه إذ ذاك إلا التبري من دعوى المشيخة، وجميع ما كان عليه، وشهدوا عليه بذلك”[6]!
إضافة إلى الظلاميات التي حوكم من أجلها الكتاني ليعتذر ويعلن توبته ظاهريا على الأقل،، معترفا بأخطائه وزلاته، نجد حال طائفته “في العمارة واستغراقها جل الأوقات الليلية والنهارية، غريبا جدا، لا يكاد يصدقه العقل لولا وجوده، فلا تسمع منهم حالة الاستغراق والتخبط وقوة الجنون السارية في تلك الأجساد سريان الدم في العروق، والتي اقتضت أن ترفع بها الأقدام عن الأرض نحو الذراع إلا لفظ: أح، أح، أح، أو لفظة: كخ، كخ، كخ. فلا تسمع غير هاتين اللفظتين، وقد استوى في هذا الذكر العالم، والجاهل، والعاقل، والغافل! فانظر لهذه الأسرار التي ادخرت لهؤلاء المتصوفة من أهل القرن الرابع عشر. حتى ظنوا أن الاشتغال بهذه “العمارة” من أعظم القربات التي توصلهم لحضرة الحق!
نعم، وصلوا بها لجحيم الانقطاع، وهاوية الانفصال، وسعير الحرمان، ونار البعد، فإنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”[7]!
سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي (والمغاربة مالكيون) عن مذهب الصوفية واجتماعهم على الذكر والصلاة على النبي ص. ويوقعون بالقضيب على آلة، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه، هل الحضور معهم جائز أم لا؟ أفتونا رحمكم الله.
فقال: “مذهب هؤلاء بطالة وضلالة وجهالة، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ص. أما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار. فقاموا يرقصون حوله ويتواجدون، فهو دين الكفار وعباد العجل. وأما التوقيع فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله. وكان النبي ص يجلس مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار”[8]!!!
وقال الإمام الغزالي: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب. وقال ابن عقيل: “وهل شيء يزري بالعقل، ويخرج عن سمت الحلم والأدب، أقبح من ذي لحية يرقص؟ فكيف إذا كانت شيبة ترقص وتصفق على توقيع الألحان والقضبان”[9]؟!
ولمزيد من الأضواء التي يجب تسليطها على الكتانية وظلامياتها، نترك واحدا من أهل مكة العارف بشعابها ليشيد بشيخ الكتانيين الأكبر! إنه الدكتور يوسف الكتاني المعاصر المتنور، رئيس جمعية الإمام البخاري في المغرب حيث قال: “أبو الفيض الختم المحمدي المجدد، شيخ الطريقة الكتانية، ومؤسسها، وعماد الزاوية وسندها وصاحب أورادها وأحزابها”[10]. معتقدا أن كلامه المعسول يحول الباطل إلى حق،، والظلام إلى نور! فوصفه لممدوحه منذ أول وهلة ب”الختم المحمدي”، فيه خطورة ربما لم يقدرها أو لم يعرفها!
إن “الختم المحمدي” مرتبط باعتقاد للمتصوفة مفاده أن هناك “خاتم الأولياء”، مقابل “خاتم الأنبياء”. وهذا المعتقد الذي لم يرد بخصوصه أي نص، لا في الكتاب ولا في السنة، من ترويج محمد بن علي الترمذي في كتابه: “ختم الولاية”. لكن سرعان ما تلقف من جاء بعده من غلاة الصوفية هذه الفكرة! فإذا لم يدع هو بالذات أنه أدرك في الولاية درجة “الختم”، فقد ادعى ابن حمويه، وابن عربي الحاتمي، كل على حدة بأنه “خاتم الأولياء”! ثم تهارش المتهارشون لاحقا من غلاة المشايخ المبتدعين الظلاميين على اللقب الذي تم إحداثه، فكثر المدعون بأنهم يحملونه!
بل إن ابن عربي الحاتمي في “الفصوص” وفي “الفتوحات المكية”، ذهب إلى أن “خاتم الأولياء” أفضل من “خاتم الأنبياء” مستفيدا مما ورد عند الغزالي في “إحياء علوم الدين”! ومما تلقنه من ضلاليات القائلين بالاتحاد والحلول والعلم اللدني!
وماذا بعد؟
لدينا هنا نصان من كتاب “الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية” نسوقهما لعلاقتهما المباشرة بالطريقة الكتانية، دون الإطالة في التعقيب على مضمونهما، فلغة الدكتور تقي الدين الهلالي لغة فصيحة بليغة مفهومة.
1- قال: “ففي ربيع الأول من سنة أربعين من هذا القرن الهجري (1340ه)، سافرت إلى فاس، ونزلت عنده (=عند عبد الحي الكتاني شقيق مؤسس الطريقة الكتانية). وولد له في تلك الأيام ولد سماه عبد الأحد، فالتمس مني نظم أبيات في التهنئة وتاريخ مولده، فنظمتها، ولا أذكر منها شيئا. وفي اليوم السابع من مولده عمل مأدبة عظيمة دعا لها خلقا كثيرا. وبعدما أكلوا وشربوا قاموا للعمارة التي تقدم ذكرها، ودعوني أن أشاركهم في باطلهم فامتنعت، لأن شروط التجاني المخلص أن لا يذكر مع أهل طريقة أخرى ذكرهم، وأن لا يرقص معهم (…) ولكن الجماعة ألحوا علي، وجروني جرا حتى أوقفوني في حلقتهم. فرأيت أفواها مفغورة من وجوه. بعضها فيه لحية سوداء، وبعضها فيه لحية خطها الشيب، وبعضها أمرد ليس له لحية من الغلمان الذين لم يحتلموا بعد. أما حلق اللحى فلم يكن موجودا في ذلك الزمن إلا عند الفرنسيين المستعمرين. وقليل جدا في حواشيهم. وسمعت أصواتا تنبعث من تلك الأفواه، ليس لها معنى في أية لغة، بعضها: آ آ آ، وبعضها: آه آه آه. وبعضها: آح آح آح. فاستنكرت تلك الهيأة، وقلت في نفسي: إن الله لا يرضى بهذه الحالة أن تكون عبادة لبشاعتها”[11]!
2- لما كان الدكتور تقي الدين الهلالي حينئذ تجاني الطريقة. فقد قال له عبد الحي الكتاني ذات يوم: “إن الطريقة التجانية مبنية على شفا جرف، وإنه لا ينبغي لعاقل أن يتمسك بها. فقلت له: “والطريقة الكتانية التي أنت شيخها؟ فقال لي: كل الطرائق باطلة! وإنما هي صناعة للاحتيال على أكل أموال الناس بالباطل وتسخرهم وتستعبدهم! قال: أنا لم أؤسس الطريقة، وإنما أسسها غيري (يقصد أخاه!) وهذه الأموال التي آخذها أنفقها في مصالح لا ينفقونها هم فيها! (يقصد بقية الشيوخ)، ثم قلت له: وما الذي حملك على الطعن في الطرائق، وما دليلك على بطلانها؟
قال لي: ادعاء كل من الشيخين (= التجاني والكتاني) أن النبي ص يحضر بذاته وظيفة أصحابه حين يذكرونها! وهذه قلة حياء منهما، وعدم تعظيم النبي ص؟ كيف تكلفونه أن يخرج من قبره ويقطع هذه المسافات في البر والبحر ليجلس أمامكم؟ فأنتم (يقصد التجانيين) تبسطون له ثوبا أبيض ليجلس عليه! وأصحابنا يقومون ويذهبون إلى الباب ليتلقوه! فقلت له: إذن أنت لا تعتقد صحة طريقتك؟ فقال: لا أعتقدها أبدا، وقد أخبرتك أنها صناعة لأكل أموال الناس بالباطل، وأزيدك على ذلك أن اعتماد طريقتكم على كتاب “جواهر المعاني” الذي تزعمون أن شيخكم أحمد التجاني أملاه على علي حرازم، نصفه مسروق. فأحد المجلدين وهو الأول، مسروق بالحرف، وهو تأليف لمحمد بن عبد الله المدفون بكذا وكذا بفاس، وسمى ناحية نسيتها الآن. قال: وأنا قابلت الكتابين، من أولهما إلى آخرهما، فوجدت المجلد الأول من “جواهر المعاني” مسروقا كله من كلام الشيخ المذكور”[12].
هذان النصان الثمينان نسلط عليهما موجزين بعض الأضواء كالآتي:
1- نشير هنا إلى أن عبد الحي الكتاني، هو أخو المؤسس للطريقة الكتانية محمد بن عبد الكبير، دون الدخول في التفاصيل المتعلقة بشخصيته الدينية والسياسية. إنه خصم لدود للسلفيين المغاربة الأوائل، ولرجال الحركة الوطنية على العموم. ثم إنه خصم لعاهل البلاد حينها محمد الخامس. ثم إنه مثل التهامي الجلاوي باشا مراكش. وضع يده في يد الاستعمار إلى حد أن أنصار أخيه المخلصين له، رفضوا الاعتراف بمشيخته، بدعوى أن الاستعمار هو الذي فرضه على الكتانيين! ويفسر عداؤه للسلفيين ولرجال الحركة الوطنية بالعلاقة الجيدة بين هؤلاء وملك البلاد. أما عداؤه للملك بكيفية مباشرة، فيفسر بكون عمه الملك عبد الحفيظ هو الذي أمر بقتل أخيه.
2- تعتبر الصورة التي قدمها الدكتور تقي الدين الهلالي للعمارة عند الكتانيين، والتي أرغموه على المشاركة فيها، صورة دقيقة لما عليه جميع الطرق التي تقيمها ولا تزال! بما فيها البودشيشية التي سوف نقول كلاما موجزا عنها في حينه.
3- قلنا بأن جميع ظلاميات التجانيين لم نتعرض لها بالتفصيل، ومن ضمنها الإزار الأبيض الذي يبسطونه على الأرض أثناء أدائهم للوظيفة في كل يوم. ففي زعمهم أن النبي ص والخلفاء الراشدين يحضرونها عند شروعهم في قراءة “ما يعرف عندهم ب”جوهرة الكمال” للمرة الثامنة! إنهم يرحبون به ويستقبلونه أحسن استقبال! ونفس الشيء يعتقده الكتانيون! إنهم يقومون إلى الباب قصد استقباله في مرحلة ما من مراحل استغراقهم في “الحضرة”! وهو ما انتقده عبد الحي الكتاني وعابه، واستبعد حدوثه لدى الطرفين، ومعه هنا كل الحق!
4- عبد الحي الكتاني ينتقد صراحة أخاه المؤسس للطريقة، فعنده أن الهدف من تأسيس الطرق الصوفية هو أكل أموال الناس بالباطل، مما يعني أن جميع الشيوخ المؤسسين لها لا يأكلون إلا الحرام! إضافة إلى أن أحفادهم إن كانت لهم أضرحة عليها قبة، وكان هؤلاء الأحفاد من القيمين عليها، فإنهم بدورهم لا يعيشون إلا بالحرام! وقد قلنا قبل الآن بأن الغزالي أباح التجريد للفقراء، أي انقطاعهم في الزوايا للعبادة! حيث يصبحون عالة على من سواهم في كل ما يحتاجون إليه. فتكون الهبات والفتوح والأوقاف والصدقات، من جملة الأموال التي يأكلونها بالباطل، خاصة وأنه لا يوجد أي نص قرآني أو حديثي يبيح الرهبنة! والرهبنة هنا هي الهروب من الواقع، والبحث عن زوايا أو عن مغارات للاختلاء فيها قصد التعبد المزعوم! مع ترك ما هو مطلوب شرعا من الاكتساب أو التكسب، ومع ترك المشاركة في الحياة العامة من باب التعاون على البر والتقوى!
5- إن كان عبد الحي الكتاني يستنكر بشدة ما ادعاه كل من أخيه والتجاني بخصوص مقابلتهما للنبي ص في اليقظة، والأخذ عنه، فإن الدكتور المتفقه الموجود الآن بين ظهرانينا، والذي هو على رأس “جمعية الإمام البخاري” بالمغرب كما تقدم، يخالف تمام المخالفة كلا من حكم الدين والعقل، فيؤكد أن ابن عبد الكبير الكتاني تلميذ الرسول ص وصاحبه حين يقول: “وقد ظهر نبوغه العلمي بعد فترة قصيرة من الدرس، حيث برز في التفسير والحديث، وخاصة في علم التصوف، فقد فتح عليه (أو أعمى الله بصيرته!) واجتمع بالنبي ص يقظة! وأخذ عنه طريقته الكتانية (ويا له من كذب!) وأذن له في الإرشاد والدعوة إلى الله”!؟!
ونحن نقول بصوت مرتفع: اللهم إن هذا منكر! ثم نقول غير خائفين ولا وجلين ولا مترددين: “اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر”[13] على مدعيه، وعلى المروجين له، وعلى حماة ومقدري مدعيه حجارة من السماء، أو سلط عليهم ما يستحقونه جزاء كذبهم على الله وعلى الرسول في آن واحد من عذاب أليم!
6- ما قاله الشيخ عبد الحي الكتاني عن “جواهر المعاني” مثير حقا للاستغراب! إن جزأه الأول مسروق! يعني أنه ليس من إملاء أحمد التجاني على تلميذه علي حرازم. والحال أن التجاني يدعي – كما قلنا سلفا – بأن الرسول ص قال له: “كل ما قلته فأنا قلته”! فرسخ في أذهان أتباعه حتى الآن أن محتوى “الجواهر” منطوقا ومفهوما هو كلام الرسول ص نفسه، بشهادة الزنديق الذي لا نرغب حتى في مجرد تكرار اسمه ولقبه!
[1] – الرسالة القشيرية. ص 430. عبد الكريم القشيري. تحقيق وإعداد: معروف زريق، وعلي عبد الحميد بلطجي. الطبعة الثانية 1410ه – 1990م.
[2] – ن.م. ص 431.
[3] – مدرسة الإمام البخاري في المغرب. 2/523. الدكتور يوسف الكتاني. عن دار لسان العرب – بيروت – لبنان. بدون تاريخ. وبدون تحديد رقم الطبعة.
[4] – الرحلة المراكشية. ص 201.
[5] – مدرسة الإمام البخاري في المغرب.2/523ز
[6] – الرحلة المراكشية. ص 202.
[7] – الرحلة المراكشية. ص 207-208.
[8] – ن.م. ص 171.
[9] – ن.م. ص 171.
[10] – مدرسة الإمام البخاري. 2/519.
[11] – الهدية الهادية إلى الطائفة التجانية. ص 13.
[12] – ن.م. ص 14.
[13] – سورة الأنفال: 32.
إرسال التعليق