آخر الأخبار

“ميزانية مقاطعة احصين” أرقام كبيرة مقابل واقع بئيس

“ميزانية مقاطعة احصين” أرقام كبيرة مقابل واقع بئيس

رصدالمغرب / عبدالكبير بلفساحي


توزع ميزانيات الجماعات الترابية عادة وفق معيار “المصلحة الفضلى” وحسب حاجيات كل منطقة، غير أن ميزانية جماعة سلا – وبالأخص مقاطعة احصين – تبدو وكأنها تخرج عن كل المقاييس المعروفة، بالنظر إلى بنود صرفها التي لا تعكس واقع المنطقة ولا حجم الخصاص الذي يعانيه المواطنون.

فبرسم سنة 2026، خصص لمقاطعة احصين غلاف مالي يبلغ 424.800 درهم، وهو نفس المبلغ المعتمد خلال سنة 2025. وقد رصدت ضمن هذه الميزانية اعتمادات يصعب على المتتبع ربطها بالواقع الميداني. إذ حدد على سبيل المثال مبلغ 200.000 درهم لاقتناء عتاد متغير للتزيين، رغم أن المقاطعة تفتقر إلى ساحات خضراء ومرافق تزيينية تخدم المواطن. وفي المقابل، حافظت البنود الخاصة باقتناء عتاد الحفلات على مبلغ 300.000 درهم، إضافة إلى 400.000 درهم لشراء التحف الفنية والهدايا، و200.000 درهم لمصاريف الإقامة والإطعام والاستقبال، دون توضيح الجهات المستفيدة من هذه الخدمات.

أما بند “الأنشطة الثقافية والفنية”، فحافظ هو الآخر على مبلغ 400.000 درهم رغم غياب أي نشاط فعلي على أرض الواقع، تماما كما هو الحال في البند المخصص لشراء وثائق مختلفة بمبلغ 40.000 درهم، وبند كراء آليات النقل الذي خصص له 400.000 درهم دون تحديد نوعيتها أو طبيعة استخدامها.

وفي الوقت الذي تعاني فيه المرافق العمومية من أعطاب متكررة، رصد مبلغ 600.000 درهم للصيانة والمحافظة على البنايات الإدارية. كما خصص مبلغ 50.000 درهم لصيانة العتاد المعلوماتي، رغم أن تعطل الحواسب يعطل مصالح المواطنين بشكل شبه منتظم ويضطرهم للعودة إلى المعاملات الورقية.

وتتكرر المبالغ نفسها في صيانة الأثاث الإداري، حيث تخصص 50.000 درهم، بينما يضطر المواطن لاقتناء النسخ من ماله الخاص لإتمام إجراءاته الإدارية. ويظل بند الاتصالات والماء والكهرباء عند 60.000 درهم، رغم الانقطاعات المتكررة التي تعيق الخدمة العمومية.

ومن بين البنود الأكثر إثارة للانتباه، اقتناء لوازم المكتب والطباعة بمبلغ 240.000 درهم، رغم أن معظم المواطنين يطلب منهم إحضار المطبوعات على نفقتهم، وكذا اقتناء معدات تقنية ومعلوماتية بـ 150.000 درهم دون أثر ملموس على أداء الإدارة.

وتقفز بعض البنود إلى أرقام ضخمة، من بينها 250.000 درهم لوقود المركبات، و50.000 درهم للإطارات وقطع الغيار، و60.000 درهم للصيانة، دون أن تتضح طرق الاستفادة من هذه المركبات أو وجه استعمالها.

أما الأشغال العمومية، فحظيت بمبالغ متفاوتة، منها 40.000 درهم للمواد الخام و20.000 درهم لشراء الإسمنت والأرصفة والزليج، رغم أن الأشغال على أرض الواقع متقطعة وغالبا غير مرئية. كما خصص 200.000 درهم لشراء الصباغة، و20.000 درهم للترصيص والصرف الصحي، رغم افتقار معظم المرافق لحمامات صالحة للاستعمال أو صنابير ماء.

وفي بند شراء العتاد الكهربائي الصغير، خصص مبلغ 40.000 درهم، ومثلها للوازم التقنية، مع 30.000 درهم لمواد الصيانة المنزلية ومثلها لمواد التطهير.

وتستمر الميزانية في التضخم عند مستحقات استهلاك الكهرباء والماء، بمبلغ 100.000 درهم لكل واحدة منهما، إضافة إلى 240.000 درهم للمواصلات اللاسلكية، و5.000 درهم للبريد. أما بند الدفن ونقل الأموات فقد خصص له مبلغ 100.000 درهم، رغم أن تكاليف الجنائز تتكفل بها عادة ساكنة الأحياء.

وفي باب الدعم الاجتماعي، رصد مبلغ 300.000 درهم كهبات ومعونات لا يعرف المواطنون المستفيدين منها، إضافة إلى مبلغ 1.200.000 درهم للمواد الغذائية، وهو رقم يثير التساؤلات الحقيقية حول طرق توزيعه. كما خصص 200.000 درهم لعمليات الختان، و250.000 درهم لنقل الأطفال إلى المخيمات.

وتتواصل الأرقام في الارتفاع، حيث حدد مبلغ 350.000 درهم للوازم الرياضية، غالبا لفائدة جمعيات معينة، وغالبا تستعمل في الحملات كقاعة انتخابية، و400.000 درهم للوازم المدرسية التي لا يتوصل بها العديد من الأطفال، و60.000 درهم لاقتناء الأشجار والشتائل رغم غياب المساحات الخضراء، و50.000 درهم لعتاد صغير غير معروف طبيعته. أما المفاجأة الكبرى، فهي 1.500.000 درهم للصيانة الاعتيادية للمناطق الخضراء، رغم أنها شبه منعدمة أصلا في المقاطعة.

وفي خضم كل هذه الأرقام، تختتم الميزانية بمبالغ إضافية، منها 100.000 درهم لمستحقات غير محددة، 200.000 درهم لشراء معدات مكتبية وإدارية، و300.000 درهم لمعدات معلوماتية جديدة.

هكذا إذن، تضمن مشروع ميزانية مقاطعة احصين، الذي بلغ ما مجموعه 15.533.192,79 درهما، بنودا لا تنعكس إطلاقا على واقع المواطن الذي يعيش خصاصا في أبسط الخدمات، من النظافة إلى الفضاءات الخضراء، ومن جودة المرافق إلى الفعالية الإدارية.

إن الكشف عن هذه التفاصيل ليس سوى محاولة لتنبيه الساكنة إلى كيفية تدبير المال العام، فكل هذه الأرقام ليست مجرد بيانات تقنية، بل هي حقوق يومية للمواطنين كان يفترض أن تنعكس في حياتهم. غير أن “من تنادي؟”… فكل الساعين وراء مقاعد المقاطعات والجماعات والعمالات والبرلمان، يعرفون جيدا أن وراء تلك المقاعد ميزانيات تفوق الخيال.

إرسال التعليق