
نفق جبل طارق هو جسر طموح بين أفريقيا وأوروبا
رصد المغرب / عبد الصمد الشرادي
يمثل مشروع النفق تحت مضيق جبل طارق، الذي يهدف إلى ربط المغرب بإسبانيا، خطوة جريئة نحو إعادة تشكيل العلاقات بين القارة الأفريقية وأوروبا، حيث بعيدا عن كونه مشروعا هندسيا ضخما، كما يعد هذا النفق رمزا لتقارب حضاري واقتصادي وجيوسياسي بين ضفتي المتوسط، لإنه رغم التحديات، يعكس المشروع رؤى بعيدة المدى لتكامل إقليمي طالما حلمت به شعوب الضفتين.
وحاليا تعتمد الحركة بين طنجة وإسبانيا على العبارات البحرية، التي تبقى عرضة لتقلبات الطقس والظروف المناخية، لأن هذا النفق إذا ما اكتمل، سيتيح وسيلة نقل مستدامة وأكثر أمانا، خصوصا في وجه التغيرات المناخية المتسارعة، حيث يتوقع أن يمتد النفق لمسافة 42 كيلومترا بعمق قد يصل إلى 475 مترا، متطلبا حلولا تقنية متقدمة لعبور منطقة ذات نشاط زلزالي معروف.
وقد تم إحياء المشروع رسميا عام 2023 بعد سنوات من الغموض، بميزانية مبدئية رصدتها إسبانيا بقيمة 1.6 مليون يورو لتحديث دراسات الجدوى، ما يعكس جدية البلدين في المضي قدما، لأنه رغم أن الإنجاز النهائي يتوقع في عام 2040، فإن التحضيرات السياسية والهندسية بدأت تأخذ منحى ملموسا، وأيضا في هذا السياق، صرح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بأن تعزيز العلاقة مع المغرب يعد من أولويات السياسة الأوروبية.
ولا يقف المشروع عند حد البنية التحتية، بل يتجاوزه ليصبح رمزا للترابط بين القارات والثقافات، لأن المغرب الذي سيتقاسم استضافة مونديال 2030 مع إسبانيا والبرتغال، بات محط أنظار العالم، وينظر إلى هذا المشروع كمؤشر على طموحه المتزايد في لعب دور محوري بين الجنوب والشمال.
كما أن المبادرات المشتركة مثل “عملية عبور المضيق” (OPE) توضح كيف يمكن للتنسيق بين الرباط ومدريد أن ينتج تجارب ناجحة في إدارة الحشود والتنقل الموسمي، حيث من هنا يبدو النفق كامتداد طبيعي لهذا التعاون المثمر، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.
واقتصاديا ينتظر أن يكون للنفق تأثير ملموس على دينامية النمو في المغرب والمناطق الإسبانية الجنوبية، حيث يشير محللون في مركز CAPMAD إلى أن المشروع يأتي ضمن استراتيجية أوسع لربط أوروبا بأفريقيا، خاصة عبر الصفقة الخضراء الأوروبية وتوسيع سلاسل الإمداد في شمال وغرب أفريقيا.
إن المغرب بصفته شريكا تجاريا بارزا للاتحاد الأوروبي، قد يتحول إلى مركز لوجستي إقليمي وبوابة أساسية للسلع واليد العاملة نحو القارة الأوروبية، حيث عزز إطلاق شركة “باليريا” في مايو 2025 لخدمة عبارات سريعة بين طريفة وطنجة هذا التوجه، مع تزايد الطلب على طرق نقل آمنة وفعالة.
ورغم الطموحات، فإن المشروع لا يخلو من التحديات، لأن الحفر في قاع المضيق يثير قلقا بيئيا، إلى جانب العقبات التقنية الكبيرة التي يتعين تجاوزها، خاصة أن النفق المزمع يتفوق في تعقيده على نفق المانش ونفق “رايفاست” النرويجي.
كما أن التأخيرات السابقة والخلافات السياسية بين البلدين في مراحل مختلفة تلقي بظلالها على إمكانيات التنفيذ السلس، حيث مع ذلك يظل المشروع أملا للكثيرين من الطلاب والعمال والعائلات التي تتنقل بين الضفتين، وأيضا ينظر إليه كجسر للفرص والاندماج.
إن هذا النفق المقترح تحت مضيق جبل طارق قد يجسد حلما طويلا بالوحدة، لكنه يحمل في طياته أيضا احتمال كشف التباينات العميقة بين سياسات الدول وتفاوتاتها التنموية، بحيث يبقى السؤال مفتوحا هو هل سينجح هذا المشروع في بناء طريق نحو تكامل فعلي بين أوروبا وأفريقيا، أم سيعيد التأكيد على التحديات التي تفصل بينهما؟
إرسال التعليق