
أردوغان يدعو لوحدة الأمة الإسلامية، فهل تجاهل السعودية عمدا؟
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في خطاب لافت ألقاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال اجتماع رفيع المستوى لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول، شدد على أن مصير المسلمين واحد، وأن الخلافات العرقية والمذهبية والسياسية يجب أن تزال من طريق الوحدة والتضامن، حيث الخطاب الذي اتسم بنبرة وجدانية وتحفيزية، حظي بإشادة واسعة، لكنه أثار في الوقت ذاته تساؤلات بين المراقبين، وهي لماذا لم يذكر أردوغان السعودية، رغم ذكره الصريح لمعظم العواصم والدول الإسلامية؟
قال أردوغان في خطابه: “مصير إسطنبول ليس منفصلا عن مصير دمشق، ولا عن مصير مصر أو صنعاء، أو إسلام آباد وكابول، ولا عن طرابلس أو طهران، ولا عن مكة والمدينة، ولا بالطبع عن مصير القدس وغزة.” ثم أضاف: “مصير المسلمين من كل الأعراق والمذاهب واحد، كما أن قبلتهم واحدة”، فهل رمزية الأماكن لا تعني الحياد السياسي،
فقد اختار الرئيس التركي أن يشير إلى مكة والمدينة لا إلى السعودية كدولة، في أسلوب رأى فيه البعض تعبيرا عن التركيز على الرمز الديني المشترك بدلا من الكيان السياسي المثير للانقسام، ومع أن هذا الخيار البلاغي يمكن تفسيره ضمن سياق توحيد الشعوب المسلمة بعيدا عن السياسات، إلا أن تجاهل ذكر “السعودية” بالاسم بدا لافتا، خاصة في ظل ثقلها الديني والسياسي في العالم الإسلامي، فهل هي دبلوماسية محسوبة أم رسالة مبطّنة؟
فالكل يعلم أن العلاقات بين أنقرة والرياض شهدت في السنوات الأخيرة فترات من التوتر والتقارب المتردد، منذ قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، وما تبعها من مواقف متباينة بشأن الإخوان المسلمين وإيران والحرب في اليمن، بدا واضحا أن الخلافات بين الدولتين أكبر من مجرد سوء تفاهم مؤقت.
وفي هذا السياق، يقرأ بعض المحللين عدم ذكر السعودية كإشارة إلى أن التباينات الجوهرية ما زالت قائمة، رغم محاولات التهدئة، أو كنوع من الضغط الرمزي من جانب أنقرة لإعادة تعريف قيادة العالم الإسلامي، رغم أن أردوغات دعا في نفس تلسردية بتجنب الخلافات والاختلافات، فإن كانت هي دعوة للوحدة، فبأي شروط؟.
فرغم أن أردوغان دعا بوضوح إلى تجاوز الخلافات وتوسيع حدود التسامح بين مكونات الأمة، فإن الخطاب لم يخل من رسائل سياسية ضمنية، خاصة حين قال: “لا يمكننا السماح لاختلاف المواقف بأن يكون عائقا أمام وحدتنا، خصوصا في هذه المرحلة الحرجة”.
كما طالب بأن يشكّل العالم الإسلامي قطبا قائما بذاته في النظام الدولي الجديد، داعيا إلى إعلان موقف واضح من سياسات إسرائيل أمام الرأي العام العالمي، وهو ما اعتبر بمثابة اختبار جدي لوحدة المواقف بين الدول الإسلامية الكبرى.
فخطاب أردوغان في إسطنبول مثل نداءا صادقا إلى الأمة الإسلامية من أجل لم الشمل وتجاوز الانقسامات، لكنه في الوقت ذاته يعكس تعقيد المشهد الإسلامي الراهن، حيث الدعوات للوحدة لا تنفصل عن الحسابات الجيوسياسية، وغياب السعودية عن لائحة الدول المذكورة باسـمها ليس تفصيلا لغويا، بل علامة على أن المصالحة بين العواصم الإسلامية الكبرى ما زالت بحاجة إلى مزيد من الإرادة السياسية، والتنازلات المتبادلة.
إرسال التعليق