الأخطاء المعرفية في الامتحانات الإشهادية

آخر الأخبار

الأخطاء المعرفية في الامتحانات الإشهادية

رصد المغرب/الدكتور عبد الله الجباري 

يسهر أعضاء اللجن الوطنية والجهوية والإقليمية الخاصة بصياغة وضعيات وأسئلة الامتحانات الإشهادية على إخراجها في أحسن حلة، شكلا ومضمونا، ويبذلون في ذلك وسعهم وكل طاقاتهم، وهذا هو التنزيل العملي للأمانة التي تطوق أعناقهم، خدمة لتلاميذنا وعموم ناشئتنا.

وإذا كان التوصيف أعلاه هو الأصل القاعدة، فإن الامتحانات الإشهادية أحيانا لا تخلو من استثناءات، حيث تشتمل على بعض الهنات والهفوات، وقليلا ما تتضمن أخطاء معرفية يستحسن تفاديها وتجنب الوقوع فيها.

وإذا كانت وثيقة الامتحان صنعا بشريا، مع ما يرافق ذلك من نسبية وعدم الارتقاء إلى الكمال، إلا أننا نقف عند بعض هذه الهنات والأخطاء للاستفادة منها أولا، وتفادي الوقوع فيها ثانيا.

ومن نماذج ذلك، ما يتلقاه تلامذتنا في مستوى السنة الأولى من سلك الباكلوريا في مادة التربية الإسلامية، وأخص بالذكر درس الزواج، حيث يقع خلاف بين الكتابين المقررين، ففي الكتاب الأول (في رحاب التربية الإسلامية) (ص:27)، نجد أركان الزواج ثلاثة: المحل [الزوجان] والصيغة [الإيجاب والقبول] والصداق. وفي الكتاب الثاني (منار التربية الإسلامية) ص: 23 نجد أركان الزواج أربعة، وهي: الزوجان والصيغة والصداق والإشهاد.

وهذا لعمري غريب، لأنه يحيلنا على سؤال المرجعية، خصوصا أن هذا الأمر ليس من القضايا التي تخضع للاجتهاد أو التأويل أو ترجيح رأي على آخر، بل هو من قبيل المعلومات المعرفية التي يجب تقديمها للتلميذ دون أدنى اختلاف. فهل اعتمد مؤلفو الكتاب الثاني على مدونة الأسرة أو على المذهب المالكي أو على ماذا؟ وإذا اعتمدوا على مرجع ما، فما هو عمدة مؤلفي الكتاب الآخر؟

إننا ببساطة أمام خطأ معرفي يزعج أطراف العملية التعليمية كل موسم دراسي، حيث يدرس تلميذ عند أستاذ في مؤسسة ما ثلاثة أركان، وينتقل إلى مؤسسة أخرى فيجد أركان الزواج انتقلت بقدرة قادر من ثلاثة إلى أربعة. وهناك من يدرس عند أستاذ أربعة أركان، لكنه حين ينخرط في دروس الدعم عند أستاذ آخر يجدها ثلاثة. وهناك من يدرس ثلاثة لكنه سرعان ما يجد الركن الرابع أمامه في الامتحان الإشهادي، وهذا ما وقع في أكاديميات متعددة، وآخرها أكاديمية الرباط سلا القنيطرة في الامتحان الجهوي لموسمنا هذا 2024 – 2025، فما وجه الصواب في المسألة حسما للنزاع؟.

مرجعية الكتب المقررة السابقة:

بالرجوع إلى كتاب التربية الإسلامية للسنة الثالثة ثانوي طبعة 1999 ص: 57، نجد أركان الزواج أربعة، الزوجان (المحل) والصيغة والصداق والولي. وهذه الأربعة كانت قبل إخضاع المدونة للتعديل، وما يهمنا في شأنها أن (الإشهاد) لم يكن ركنا، فكيف صار ركنا في مقرراتنا وامتحاناتنا الآن؟ ومن صيره كذلك؟

لكن بداية الانحراف في هذه النقطة وقع مع التغيير المنهاجي الذي طرأ سنة 2007، حيث كان درس الزواج مقررا في السنة ثانية باكلوريا، وكان (الإشهاد) ركنا من أركان الزواج في كتاب منار التربية الإسلامية [ص:122]، أما في مرجع (في رحاب التربية الإسلامية) فكانت الأركان ثلاثة فقط، ليس ضمنها (الإشهاد) موضوع نقاشنا اليوم.

وبما أن مؤلفي (المنار) في المنهاج السابق هم أغلب مؤلفي (المنار) في المنهاج الحالي، فإنهم اكتفوا في الأركان والشروط بتقنية القص واللصق، ونقلوا ما كان مكتوبا هناك إلى المرجع الحالي، دون أدنى إبداع أو تجديد أو اجتهاد. فما وجه الصواب في المسألة؟

مرجعية الفقه المالكي:

غني عن البيان، أن المغاربة يلتزمون في معاملاتهم – ومنها الزواج – بالمذهب المالكي، ومن المشهور المحفوظ المتداول عند فقهائهم قولُ ابن عاصم في التحفة ملخصا أركان الزواج:

والمهرُ والصيغةُ والزوجان/// ثم الوليُّ جملةُ الأركان

وهذا البيت واضح جلي في تحديد الأركان، وأنها أربعة، وبدهي أن (الإشهاد) غير مذكور فيها، ولست أدري من أين أتى به مؤلفو (المنار) للسنة الثانية باكلوريا سابقا، والسنة الأولى باكلوريا حاليا؟

واستطرادا نقول بأن هذه الأركان ليست موضوع إجماع بين فقهاء المذهب، حيث نجد من يقول بأقل من أربعة أركان، ولم نجد من يقول بأكثر منها، كما لم نجد من يقول بركنية الإشهاد، حتى نجد مسوغا خلافيا للمعلومة المذكورة التي تشوش على أذهان التلاميذ وتبلبل عقولهم.

ولكي نؤكد قولنا، نورد قول الإمام الحطاب في شرح المختصر: “أما الولي والزوجة والزوج والصيغة فلا بد منها، ولا يكون نكاح شرعي إلا بها، لكن الظاهر أن الزوج والزوجة ركنان، ‌والولي والصيغة شرطان، وأما الشهود والصداق فلا ينبغي أن يعدا في الأركان ولا في الشروط لوجود النكاح الشرعي بدونهما، غاية الأمر أنه شرط في صحة النكاح أنْ لا يشترط فيه سقوط الصداق، ويشترط في جواز الدخول الإشهاد، فتأمله”، وهذا صريح جلي في أن الإشهاد لا يرتقي حتى إلى شرط الصحة كما عبّر في الصداق، لذلك قال أيضا: “الإشهاد في العقد مستحب”، فكيف يكون المستحب ركنا؟ !

وقد اعتُرض على الحطاب في قوله في الصداق، لكن الفقهاء سلموا قوله في الإشهاد ووافقوه، قال أبو حفص عمر الفاسي تعقيبا على قوله: “ما ذكره في الولي والزوج والزوجة والصيغة والإشهاد فصحيح … أما ما ذكره في الصداق فغير صحيح “، وإقرار أبي حفص الفاسي لما قاله الحطاب في الإشهاد يدل على موافقته له في كونه مستحبا لا يرقى إلى الشرط بله أن يرقى إلى الركنية كما زعم (منار التربية الإسلامية) في تشويشه على التلاميذ والناشئة.

ولمن لم يتيقن بعد من خطأ ما يُمرر للتلاميذ في هذه الجزئية، نقدم له نصا آخر من نصوص أئمة الفقه الإسلامي والمذهب المالكي، قال ابن رشد الجد: “‌الإشهاد إنما يجب عند الدخول، وليس من شروط صحة العقد، فإن تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح”،

ولو كان الإشهاد ركنا، لما ساغ لابن رشد أن يقول بصحة العقد دونه؟ وتنبه إلى تصريحه بأنه ليس من شروط صحته، فكيف يرتقي إلى الركنية؟ ومن ارتقى به إلى ذلك المرتقى؟

مرجعية مدونة الأسرة:

تبين لنا فيما سبق، أن المقررات التربوية الرسمية السابقة لم تدرج (الإشهاد) ضمن الأركان، وأن المقررين قبل الحاليين اختلفا، منهم من حذف (الولي) تماهيا مع مدونة الأسرة، ومنهم من حذفه وأضاف مكانه (الإشهاد) قولا عرِّيا عن الدليل.

وتبين لنا أعلاه، أن الفقه المالكي بريء من القول بركنية (الإشهاد)، وأنه إقحام بدون مسوغ.

وبعد هذين الإسنادين، نيمم وجهنا نحو المرجع القانوني المعمول به في عموم المحاكم المغربية، وهو مدونة الأسرة التي تنص في المادة 10 على الآتي: “ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر بألفاظ تفيد معنى الزواج لغة وعرفا”.

وهذا النص يدل على أن للزواج ركنا واحدا هو الصيغة (الإيجاب والقبول)، وإذا توسعنا في تحليل ألفاظه، فإننا قد نقول بركنين: الصيغة والزوجان. ومن الدارسين القانونيين من يحلل هذه المادة ويميل إلى أحادية ركن (الصيغة) المشار إليه بالإيجاب والقبول. ومن ادعى ركنية (الإشهاد) فقد استدرك على المدونة دون المرور من مسطرة التشريع المعمول بها في القانون المغربي، وهذا لا يجوز في تمرير المعلومة العلمية للتلميذ الذي قد لا تصادفه فرصة التعرف على هذه المعلومة في مساره الدراسي المستقبلي.

ومن يحصر الركنية في الصيغة فقط، يرجح رأيه بناء على المادة 11 من المدونة ذاتها، فإنها تلي المادة السابقة أولا، وتصدَّر بقولهم: “يشترط في الإيجاب والقبول أن يكونا …”، وكأنه يقول باندراج الشروط تحت ركن الإيجاب والقبول فقط.

وشروط الزواج منحصرة في المادة 13 من المدونة، وهي: 1 – أهلية الزوج والزوجة، 2 – عدم الاتفاق على إسقاط الصداق، 3 – الولي عند الاقتضاء، 4 – سماع العدلين للصيغة وتوثيقها، 5 – انتفاء الموانع الشرعية.

وغني عن البيان أن الشرط الرابع هو (الإشهاد) عينه، فكيف تنص المدونة على شرطيته، وينص البرنامج التعليمي على ركنيته؟

وما عليه مدونة الأسرة ليس بدعا من الأقوال، وليس قولا طارئا، بل هو المنصوص عليه في مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957، التي خصصت الباب الثاني لـ”أركان العقد وشروطه”، ونصت في الفصل الرابع على: “ينعقد الزواج بإيجاب من أحد العاقدين وقبول من الآخر بواسطة ألفاظ تفيد معنى النكاح لغة أو عرفا”، ومباشرة بعد هذا، قالت في الفصل الخامس: “يشترط في صحة عقد الزواج حضور شاهدين عدلين …”، وهذا بيّن جلي في أن الإشهاد شرط وليس ركنا، قال الأستاذ علال الفاسي: “ونص المدونة يقتضي اشتراط حضور الشاهدين عند العقد ابتداءً”، وعلال الفاسي من الشراح الأوائل للمدونة، وفهم من لفظها شرطية الإشهاد ولم يجنح إلى الركنية.

ختاما.

بعد هذا البيان الذي ما كنا في حاجة إليه لوضوح دعواه وجلائها، نجد الحاجة ماسة إلى التدخل لإصلاح هذا الخلل الذي طال ما يقارب العقدين ضمن أحد المقررات التربوية المعتمدة من قبل الوزارة الوصية، وذلك للحد من التشويش الذي يقع لآلاف التلاميذ كل موسم دراسي، إضافة إلى اللخبطة التي تصاحب طرح سؤال ذي صلة بهذا الأمر في الامتحانات.

واليوم، نحن أمام نازلة خاصة بامتحان التربية الإسلامية الخاص بأكاديمية الرباط سلا القنيطرة، حيث طرحوا على التلاميذ سؤالا فاسدا قدموا لهم من خلاله “الإشهاد” ضمن أركان الزواج، وكثير منهم تعرف عليه ضمن الشروط وليس الأركان.

وقد سبق للوزارة مشكورة أن أشرفت على تعديل درس “الإيمان والفلسفة” في مقرر “منار التربية الإسلامية” تفاعلا مع ملاحظاتنا ومقترحاتنا حينذاك، ونرجو أن تبادر إلى التفاعل الإيجابي مع مقترحنا الحالي، بناء على حق التلميذ في المعلومة الصحيحة.

هذا، ونطالب المصالح الخاصة بالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط إلى أن تتواصل مع الأساتذة مصححي الامتحانات للتفاعل بطريقة ما أثناء التصحيح تفاديا لأي ضرر قد تتعرض له نقط التلاميذ الممتحنين الذين نرجو لهم التوفيق والنجاح.

 

إرسال التعليق