الاحتجاج الرقمي ينزل إلى الشارع: جيل (زد) يواجه السلطة

الاحتجاج الرقمي ينزل إلى الشارع: جيل (زد) يواجه السلطة
رصد المغرب/نعيم بوسلهام
خرج عشرات الشبان، السبت الماضي، إلى شوارع الدار البيضاء والرباط وطنجة ومكناس، استجابة لنداءات أطلقتها مجموعة رقمية جديدة تدعى “GENZ212 – صوت شباب المغرب” عبر تطبيق “ديسكورد”. مطالبهم لم تكن ثورية ولا خارجة عن السياق: تعليم عمومي جيد، خدمات صحية في المستوى، وفرص شغل تحفظ الكرامة. ومع ذلك، قوبلت تحركاتهم بتطويق أمني كثيف وتدخلات عنيفة أسفرت عن اعتقالات في صفوف المتظاهرين، بينهم قيادات شبابية حزبية، وصحافيون حاولوا نقل الوقائع.
المشهد بدا مألوفاً: منع من دخول الساحات، استعراض للقوة في الفضاء العام، توقيفات جماعية، ثم بلاغات حقوقية تندد. غير أن ما يميز هذه التعبئة هو أنها خرجت من رحم الفضاء الرقمي، بعيداً عن الأحزاب والنقابات والجمعيات. جيل جديد، يائس من الوسائط التقليدية، قرر أن يرفع صوته بنفسه، ولو عبر مجموعات صغيرة. وهنا يكمن جوهر الأزمة: فقدان الثقة الكاملة في المؤسسات.
غضب متراكم
لا يمكن قراءة هذه التحركات في عزلة عن السياق. فمنذ قمع حراك الريف عام 2017، والبلاد تعرف موجات غضب اجتماعي متفرقة: وقفات أمام المستشفيات بسبب انهيار الخدمات الصحية، احتجاجات ضد الغلاء في المدن والقرى، مظاهرات أسبوعية ضد التطبيع، ومسيرات في البوادي للمطالبة بالماء والطرق والمدارس. كلها حلقات متصلة في سلسلة طويلة من الإحباط الشعبي.
رغم ذلك، اختار رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن يختزل المشهد في جملة قالها في آخر خرجة إعلامية له: “المغاربة فرحانين”. غير أن ما جرى السبت يفضح الهوة بين خطاب السلطة وواقع الشارع. شباب خرج ليقول العكس تماماً: إنهم غاضبون، محبطون، ويبحثون عن أفق لم يجدوه في وعود الأحزاب ولا في سياسات الدولة.
تجريف السياسة
الأحزاب التي كانت تؤطر الغضب الاجتماعي فقدت جاذبيتها، والنقابات لم تعد مرجعاً للشباب. هكذا تُرك فراغ سياسي كبير ملأه جيل “زد” بمنصات رقمية بديلة. لكن الدولة، بدل أن تنصت، اختارت المقاربة الأمنية نفسها: الاعتقالات والتضييق على الحريات.
الأخطر أن هذه المرة طالت يد القمع الصحافة أيضاً. ففي مدن عدة، تمت مصادرة معدات تصوير ومنع صحافيين من تغطية الوقائع، في سلوك يناقض الدستور ويصادر حق المجتمع في المعرفة. وهكذا، لم يعد الأمر يتعلق فقط بقمع التظاهر، بل أيضاً بقمع الشهادة على ما يجري.
المغرب جزء من موجة عالمية
ما يحدث في المغرب ليس استثناءً. جيل “زد” يقود موجات احتجاجية في آسيا وإفريقيا وأوروبا: من نيبال حيث أسقط حكومة، إلى بنغلادش حيث أطاح بحكم طويل الأمد، إلى فرنسا التي حشد فيها عشرات الآلاف ضد سياسات ماكرون. المشترك بين هذه الحركات أنها بلا قيادة تقليدية، وتستند إلى التعبئة الرقمية، وترفع مطالب اجتماعية بسيطة لكنها عميقة.
اليوم، المغرب جزء من هذه الدينامية العالمية، لكن اختياره الأمني يعيد إنتاج أخطاء الماضي. فبدل أن تُقرأ احتجاجات الشباب كإنذار مبكر يمكن أن يفتح نقاشاً وطنياً واسعاً، يجري التعامل معها باعتبارها “تهديداً” ينبغي سحقه في المهد.
في مفترق الطرق
نحن أمام لحظة فارقة. الحكومة في سنتها الأخيرة، والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تراجع، والبرلمان على موعد مع افتتاح الدورة التشريعية بخطاب ملكي مرتقب. فهل تلتقط الدولة الرسالة وتبادر إلى إجراءات تهدئة، أم تواصل المقاربة الأمنية التي لا تزيد إلا في تأجيج الغضب؟
الجواب عن هذا السؤال سيحدد مآل العلاقة بين السلطة والشباب. لأن جيل “زد” أعلن حضوره، ولن يعود إلى الصمت. اختار أن يطالب بالكرامة، والصحة، والتعليم، والعمل. وبدل أن يُستقبل بالحوار، وُوجه بالهراوات. وهنا تكمن المفارقة: دولة تتحدث عن الإصلاح والتنمية، لكنها تخشى أصوات أبنائها.
المغرب اليوم أمام مرآة الحقيقة: إما الانفتاح على مطالب شبابه، أو الاستمرار في طريق مسدود يراكم الاحتقان. وفي كل الأحوال، كرة الثلج بدأت تتدحرج، ولا شيء يضمن أن تتوقف قريباً.
إرسال التعليق