
الانتخاب البابوي وإشكالية التمثيل الإفريقي: قراءة في البنية القانونية والرمزية للكرسي الرسولي
رصد المغرب
يُعد منصب البابا في الكنيسة الكاثوليكية أعلى سلطة روحية وإدارية، حيث يُنظر إليه بصفته خليفة القديس بطرس، ورمز الوحدة الكنسية. ورغم الطابع الكوني للكاثوليكية، فإن الممارسة الفعلية لآليات انتخاب البابا تكشف عن بنية مؤسساتية يغلب عليها الطابع الأوروبي، ما يطرح تساؤلات حول مدى تحقق شمولية الكنيسة، لا سيما في ظل غياب تمثيل أفريقي على مستوى رأس هرم الفاتيكان. يحاول هذا المقال أن يُقارب هذه الإشكالية من خلال تحليل آلية الانتخاب، والشروط القانونية، وسؤال الإقصاء الرمزي للأفارقة.
أولاً: آلية انتخاب البابا
تتم عملية انتخاب البابا عبر ما يُعرف بـ الكونكلاف البابوي، وهي ممارسة تقليدية محكومة بالقانون الكنسي والتراتبية الكنسية الصارمة. ويشارك في الانتخاب أعضاء مجمع الكرادلة الذين لا تتجاوز أعمارهم 80 سنة، حيث يُعقد اللقاء في كنيسة السيستين داخل الفاتيكان بعد خلو الكرسي الرسولي. وتتطلب العملية غالباً عدة جولات اقتراع سرية إلى أن يحصل أحد المرشحين على أغلبية الثلثين. ويُعلن عن النتيجة بدخان أبيض يخرج من مدخنة الكنيسة، يليها الإعلان الرسمي بصيغة “Habemus Papam”.
ثانياً: الشروط القانونية لتولي المنصب البابوي
ينص القانون الكنسي على عدد من الشروط لتولي منصب البابا، وهي:
-
أن يكون ذكراً، نظراً لأن الكهنوت الكاثوليكي لا يُمنح للنساء.
-
أن يكون معمّداً في الكنيسة الكاثوليكية.
-
ألا يكون بالضرورة من مجمع الكرادلة، أو حتى أسقفاً، إذ يُمنح الترسيم فوراً إذا لم يكن كذلك.
ورغم هذا الانفتاح النظري، فإن الواقع التاريخي يكشف أن جميع الباباوات منذ القرن الرابع عشر كانوا من الكرادلة، ما يدل على الطابع المحافظ للمؤسسة الكنسية في اختياراتها.
ثالثاً: إقصاء الأفارقة بين الواقع والمُتخيَّل
رغم النمو الكبير لعدد الكاثوليك في القارة الإفريقية، ووجود شخصيات كنسية بارزة تنتمي إليها، إلا أن تولي أفريقي لمنصب البابا لم يحدث حتى الآن. ويُفسر ذلك بعدة اعتبارات:
-
ضعف التمثيل العددي في مجمع الكرادلة، إذ لا تزال أوروبا وأمريكا اللاتينية تهيمنان على تركيبة المجمع.
-
الهيمنة التاريخية الأوروبية على القرار الكنسي منذ قرون، حيث بقي الفاتيكان مرتبطًا بالثقافة “الأورومتوسطية”.
-
التمثيل الرمزي لا الفعلي، فغالبًا ما يُعيّن الكرادلة الأفارقة كنوع من التوازن الشكلي لا كقوة فاعلة.
-
العوامل الذهنية والثقافية داخل دوائر القرار الكنسي، والتي لا تزال تنظر للكنيسة من منظور “مركزي أبيض”.
وعليه، فإن غياب البابا الأفريقي لا يرجع إلى مانع قانوني، بل إلى اختلالات بنيوية تعكس توازناً غير عادل في تمثيل الكنيسة العالمية.
إن دراسة آليات انتخاب البابا وشروط الوصول إلى هذا المنصب، تُبرز تناقضًا بين الكونية المعلنة للكنيسة الكاثوليكية والطابع المركزي الأوروبي في ممارساتها المؤسسية. كما أن إقصاء الأفارقة من رأس الهرم الكنسي، وإن لم يكن منصوصًا عليه، إلا أنه يعكس بنية رمزية تقليدية تحتاج إلى مراجعة. وقد يكون الاعتراف المتزايد بالثقل الكاثوليكي الإفريقي مدخلاً لإعادة تشكيل الوعي الكنسي باتجاه أكثر عدالة في التمثيل.
إرسال التعليق