البوليساريو : قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي .الحلقة الثانية

البوليساريو : قراءة في التأسيس ودواعي النزاع الصحراوي .الحلقة الثانية
رصد المغرب/عبد اللطيف راكز
محمد عبد العزيز” المراكشي” : في أصله، وخصائصه، ومغربيته:
آخر فترات حياة مصطفى الوالي كانت المخابرات الجزائرية تراقبه عن كثب لأن الشكوك كانت تدور حول مدى إخلاص الوالي للقيادة الجزائرية في أهدافها وتصوراتها بالمنطقة الصحراوية . فالوالي لم يخف يوما إعجابه بالعقيد معمر القذافي لدرجة اقتبس معها طريقة إطلاق شعره وخطبه النارية التي تدوم طويلا مثله مثل فيديل كاسترو ، حتى لا يترك لمنافسيه مجالا للخطابة. ومنذ أن أخذه الدبلوماسي الليبي شهيد النشاط إلى خيمة القذافي وهو كذلك وفي له ، وكان محور وفائه له الدعم الذي كان يقدمه له كثوري ومناضل لدرجة أن الإعلام الليبي كان يصور الغقيد للراي العام ” كرسول للصحراء” وقد ثار الجزائريون واغتاظو كثيرا لدرجة العمى في العلاقة الليبية بالبوليساريو أنذاك والتي توجت بدعوة معمر القذافي الوالي لقيام فيدرالية بين البوليساريو وموريتانيا . وهذا الاقتراح زاد من شكوك المخابرات الجزائرية إتجاه الوالي بأنه غير مخلص لهم ، وفي هذه اللحظة التاريخية كان المبعوث الفرنسي كلود شيسون يقوم بوساطة بين المغرب والجزائر لحل المشاكل العالقة بين الرباط والجزائر، ليتم إعلامه لاحقا بعدم جدوى وساطته ، وهو أمر لم تفهم دواعيه إلا بعد أن تحد ث الإعلام عن انتفاضة شيوخ وقبائل في وادي الذهب ضد الإستعمار وسعيهم بهرولة نحو المغرب ليقدموا فروع الطاعة والبيعة والولاء ، ورد عليهم أنذاك الحسن الثاني بالترحيب وتحيات الود. وفي لحظة انتشاء المغرب والصحراويين بهذه التظاهرة الدستورية، حركت الجزائر قلاقل البوليساريو لتدور في هذه اللحظات معارك طاحنة في الصحراء . وفي لحظة توقف الوساطة الفرنسية لحل الإشكالات العالقة التي كان يقوم بها كلود شيسون . تم الإشارة من قبل ألأجهزة الفرنسية الأمنية إلى الغموض في مقتل مصطفى الوالي سابقا .إذ تساءلت حول مبرر ذهابه إلى موريتانيا ضمن قوات مدججة بالسلاح وهو لم يكن قائدا عسكريا .ولم يسبق لهأن أدار أية معركة ، عكس أيوب الحبيب الذي يعتبر من مؤسسي الجبهة لكنه كان عسكريا . مصطفى الوالي تلقى تعليمه في مدارس محمد الخامس بالرباط ونظم إلى جانب صحراويين آخرين حلقات فكرية لشرح الموقف الذي كان يتفاعل في الساقية الحمراء ووادي الذهب ، على خلفية ما كان يخطط له الجنرال الإسباني فرانكو . قالو لي كان مخلصا للصحراويين في قضيتهم وكان يدرك أن اليد التي تمدتهم بالسلاح تستفيد من ملفهم السياسي وتستغل البوليساريو لتحقيق مآربها الذاتية ضمن صراع النفوذ مع المغرب في منطقة شمال افريقيا ، وأن لها أهدافا جزائرية خبيثة تفوق أحلام الثوار الصحراويين وقد التمس ذلك من خلال بعض جولات المفاوضات السرية بين المغرب وموريتانيا. والمغرب والجزائر أحيانا في الخفاء دون
حضور ممثلي أو أطراف الجبهة ، لذلك كان ناقما على الجزائر بداخله ، وفي هذه اللحظات التاريخية الحساسة بالذات وصلت رسالة للملك الحسن الثاني سلمها له مبعوث من البوليساريو تفيد بإمكانية معاودة تصحيح الأخطاء التي همت تدبير الملف ، وذاك حسب رواية الصحافي محمد الأشهب في خانته “حكايات بلا حدود” ، بمقال : حماتو ولد خليلي .. زعيم البوليساريو ولم يجد الجزائريون بدا من إطلاع قادة الجبهة على نصف الحقيقة حول مفاوضات كانت تجري بين المغرب والجزائر ، وكان الهدف من إشعار الجبهة البوليساريو بهذا الواقع هو ليس وضعهم في صورة التطورات ، وإنما البحث عن هفوات لاكتشاف الحدود التي وصل إليها حوار آخر بين المغرب وأبنائه الصحراويين . لكن المغرب فاجأ الجميع بان دعا إلى مفاوضات بين الرباط وبوليساريو عن طريق المستشار رضى أﯕــــديرة وكان الرد وجود اصوات متعالية ترفض هذا التوجه وزعامات حزبية تتهم بالخيانة الراغبين في التفاوض غير مدركين أن باب الحوار إذا أغلق فسيفتح باب آخر للكفاح المسلح سيكلف الجميع خسارات كثيرة ويصعب إغلاقه إذا فتح . إذن قتل مصطفى الوالي في ظروف غامضة جدا وانكسرت أحلام الجزائر في خططها لتقسيم الاقاليم الصحراوية ، وكان أنذاك وزير الخارجية هو عبد العزيز بوتفليقة الذي أصبح رئيسا وإلى الآن لا يدخر جهدا في مساعيه لإتمام مشروع التقسيم للصحراء وفق منظور الإنفصال او الإستفتاء ولم ينسى يوما ان المغرب تجاوزه كوزير خارجية ودولته ولم يفاوضه بتاتا في ملفه الصحراوي ، بل فالمعنيين بالامر ” الصحراويين” وهو ما ترجمه حين قال لوزير خارجية مغربي يوما : ” تفاوضون الضعيف وتتركون القوي ” بعد ذلك فكرت الجزائر وإثر وفاة الوالي باختيار قيادة عميلة لها ، يغيب فيها الحس الوطني لزعامة البوليساريو ، فاختارت قيادة موالية لها تماما تطيع أوامرها دون هوادة ، إنه الرجل ” حماتو ولد خليلي ” الرجل الطيع ، وهو ابن لضابط جيش مغربي متقاعد الشيخ خليلي ، والذي منحته الجزائر اسما حركيا حتى تخفي مغربيته ، ويستطيع هو التنصل من انتسابه للمغرب ، والحق أن والده يقيم إلى الآن في قصبة تادلة بالمغرب وأخواته لازالوا موجودين بالمغرب ، وهو درس ابتدائيا وثانويا بين الدار البيضاء والرباط ، والتحق بشعبة الطب التي توقف في سنتها الأولى لعدم قدرته على متابعة التحصيل العلمي ، فقد انجذب كثيرا للإستخبارات الجزائرية التي دبر له خطة تزويجه من بنت والي تنذوف لربطه بالجزائر دما وانفعالا ، والرجل تنكر لوالده ووطنه وعاد مخلصا للجزائر بشكل كلي ، وقد كونته الجزائر تكوينا قويا حتى يكون النموذج الأول لانفصالها وأعداء الوحدة الترابية المغربية . وتميز محمد عبد العزيز المراكشي زعيم البوليساريو بكونه دكتاتوريا ، يقر مناضلوا اليسار المعارض في جبهة البوليساريو ان محمد عبد العزيز حاد عن الخيارات الثورية لهذه الجبهة الإنفصالية حيث يمارس انتهاكات صارخة في حكمه لحقوق الإنسان في حق أهالي مخيمات تنذوف الصحراويين ، فقد بنى في هذه المخيمات قبورا يعتبرها سجونا للمختلفين معه ومع قيادة الجزائر في الرأي ، حيث يقضي فيها معتقلي الرأي ومعارضيه سنوات فيه مناخ تنعدم فيه القراءة او التعليم أو
التعايش مع الناس . كما يقوم بالمتاجرة باسم نساء وكهول ورجال في هذه المخيمات منذ عام 1972 و1973 تحت يافطة الحرية والكرامة والعزة لهؤلاء ، وهي لا تتحقق داخل فضاءاتها البوليسية الحد الأدنى من شروط العدالة والديمقراطية . كما إن محمد عبد العزيز وأنصاره يعيشون على حساب هؤلاء وهم يصطادون في الماء العكر ، ويتسللون باسمهم لدى المنتظم الدولي ، وهم يمثلون لقيادة فاشلة تعيش على أساليب ستالين في الحكم ، القمع والنفي والتعذيب والإعتقال المهين ، ولا مجال للتسامح ولا للحريات ولا حقوق الإنسان ولا المعارضة ولا جبر الضرر للمقهورين ، فقط السلطة الوحيدة هي همهم والزعيم الأوحد نموذجهم والخطاب المنفرد نهجهم وسياستهم اتجاه الآخرين ، فلا فرصة بتندوف ومع محمد عبد العزيز للحديث عن الإصلاح أو التغيير في النهج والسياسة أو الأوضاع ، ولا للتبادل على السلطة كمنهج حضاري للتسيير ، فقط القيادة الفاشية التي يمثلها محمد عبد العزيز المراكشي الفاسدة والمرتشية المتاجرة بمعاناة النساء والأطفال تحت الخيام هي التي من حقها العيش في النعيم والباقي قدره أن يحيى في الجحيم ، إنها قيادة عاجزة عن تحقيق أماني الشعب الصحراوي في العيش السليم والإنتماء للوطن . قيادة تعتبر من بيادق النظام الجزائري وهو الذي رسخها بتندوف لمدة عقود تخدم ولازالت مصلحة السلطات الجزائرية في إطار الصراع الموجود تاريخيا بين المغرب والجزائر من أجل الهيمنة على المغرب العربي ، وأنه في المؤتمر الأخير للبوليساريو الذي يسمى “مؤتمر قيادة البوليساريو” وهو في القانون الداخلي للبوليساريو السلطة العليا للجبهة ، وقال ممثل الدولة الجزائر في المؤتمر بصريح العبارة : “الجزائر مع محمد بن عبد العزيز وضد من هو ضد محمد بن عبد العزيز “. إذن هذا أكبر دليل على تدخل الجزائر في الشؤون الداخلية للجبهة الصحراوية ، فهي تزكي محمد بن عبد العزيز لأنه يخدم مصالحها. وهي لا تخدم مصالح الشعب الصحراوي حيث انها تدعي بانها مع الصحراويين في تقرير المصير وهي لا تسمح لهم بتقرير مصيرهم بنفسهم وتحديد ما يريدونه من عدمه . فالقيادة تفرضها عليهم تفرض عليهم المعاناة لعقود شيوخا وأطفالا وشبابا . لقد تاجر محمد بن عبد العزيز بمعاناة الصحراويين واصبح له نفوذ قوية داخل البوليساريو ، يجني من خلاله الملايير من الأموال ، هو وعصابة مافيا إقتصادية عينية تستفيد من هدايا وهبات الجزائر والمنتظم الدولي باسم الشعب الصحراوي طيلة فترة حكمه ، الذي استغله وعمل على اطالته أمده إلى أن مات ، ولا زالت قيادة البوليساريو تتمتع باتجاه الحلرب لأنها مغتنية بسبب الحرب وتعيش على الإتجار بمعاناة شعبها التي حولتها إلى بيع وشراء من اجل الإستغناء بناءا على الصراع الذي يريدونه أن يستمر إلى ما لا نهاية ، ولا مجال داخل مكوناتها للحديث عن احترام حرمة الإنسان ، لأن محمد بن عبد العزيز مثل قيادة قمة الإنتهاك لحقوق الإنسان ، فهو يؤسس بممارستها الفردية نهج السلطة المطلقة والخطاب الوحيد والرئيس الوحيد ، وكل معرض له أو مخالف له في الرأي فهو عنصر معادي ، فالقيادة الممثلة فيه لا ترغب ولا ترحب إلا بمن يركع لهيبتها ويأتمر بفعلها ،
في السبعينات والثمانينات مارس محمد عبد العزيز انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بتندوف وخيماتها ورهيبة وحتى قبل وفاته ظل في ظل تطور القوى المناوئة لخياره السياسي داخل الجبهة ووجود قوى معارضة له داخل المخيمات وخارجها الوضع الإنتهاكي لهذه الحقوق أفظع وأخطر بكثير .
إرسال التعليق