التجربة المغربية للحركة الإسلامية: جدلية الأصالة والاقتباس

آخر الأخبار

التجربة المغربية للحركة الإسلامية: جدلية الأصالة والاقتباس

رصد المغرب/الحيداوي عبد الفتاح 

المقدمة

تُعد الحركة الإسلامية المغربية إحدى الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي والديني المعاصر بالمغرب. على الرغم من تشاركها مع العديد من المرجعيات الكبرى للحركات الإسلامية في المشرق العربي، إلا أن السياق المغربي، بما يحمله من خصوصيات سياسية وثقافية ودينية، فرض عليها مسارات خاصة. هذه المسارات جعلتها تخوض معركة مزدوجة: استلهام بعض الأفكار والتنظيمات من المشرق من جهة، وبناء نموذج أصيل متجذر في البيئة المغربية من جهة أخرى. هذه الجدلية بين الاقتباس والأصالة هي ما يمنح التجربة المغربية تفرّدها، وتطرح تساؤلات حول حدود التأثر وملامح الاستقلالية.

اولا. التأثيرات المشرقية على الحركة الإسلامية المغربية

  1. الشبيبة الإسلامية: نشأة محلية لمواجهة اليسار
  • تأسيس مستقل:تأسست حركة الشبيبة الإسلامية في بداية السبعينيات على يد الشيخ عبد الكريم مطيع، وتعتبر أول تنظيم إسلامي منظم يبرز في المغرب بعد الاستقلال. جاء تأسيسها في سياق محلي بحت، تمثل في الرد على تصاعد نفوذ الحركات اليسارية الراديكالية في الجامعات والشوارع المغربية.
  • لم تكن فرعاً تنظيمياً:على الرغم من أن مؤسسيها تأثروا بأدبيات الإخوان المسلمين، خصوصاً كتابات سيد قطب، إلا أن الشبيبة لم تنشأ كفرع رسمي أو بتوجيه من التنظيم الدولي للإخوان. لقد كانت استجابة لظروف مغربية داخلية.
  • الانشقاقات وتكوين حركات جديدة:بعد اتهامها في قضية اغتيال الزعيم اليساري عمر بنجلون عام 1975، تفككت الشبيبة الإسلامية، ومن رحمها خرجت معظم التنظيمات الإسلامية المغربية اللاحقة، مثل “الجماعة الإسلامية” التي تحولت لاحقاً إلى “حركة الإصلاح والتجديد” (نواة حركة التوحيد والإصلاح). هذه الحركات ورثت استقلاليتها التنظيمية عن الشبيبة.
  1. جماعة العدل والإحسان: خصوصية صوفية ومشروع مغربي
  • نشأة خاصة:تتميز جماعة العدل والإحسان، التي أسسها الشيخ عبد السلام ياسين عام 1981، بمسار تأسيسي فريد ومستقل تماماً.
  • مرجعية صوفية:على عكس الحركات الإخوانية التي تركز على الجانب السياسي والتنظيمي، بنت جماعة العدل والإحسان مشروعها على أساس تربوي وروحي ذي منطلق صوفي، وهو ما يميزها بشكل جذري عن فكر الإخوان المسلمين.
  • صراع إيديولوجي مع “الإخوان“:توجد خلافات فكرية ومنهجية عميقة بين جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح (الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، والذي يعتبر الأقرب لخط الإخوان). فبينما تؤمن “العدل والإحسان” بنظرية “القومة” (الثورة) للتغيير، يتبنى الآخرون منهج الإصلاح من داخل المؤسسات.
  1. حركات أخرى: استقلالية رغم التأثر الفكري
  • حركة من أجل الأمة والبديل الحضاري:هذه الحركات أيضاً، التي نشأت في سياقات مختلفة، لم تكن لها أي ارتباطات تنظيمية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
  • حركة التوحيد والإصلاح:على الرغم من أنها تعتبر أقرب التيارات المغربية للفكر الإخواني، إلا أنها حافظت على استقلاليتها التنظيمية والقرار. لم تعلن نفسها كفرع رسمي للإخوان، وتفاعلت مع الواقع المغربي ببراغماتية، وقبلت بإطار “إمارة المؤمنين” كأحد ثوابت الدولة، وهو ما يمثل اختلافاً جوهرياً عن بعض أدبيات الإخوان في المشرق.

لماذا بقيت الحركة الإسلامية المغربية مستقلة تنظيمياً؟

  1. مركزية “إمارة المؤمنين“:وجود مؤسسة دينية وسياسية قوية وموحدة في المغرب، متمثلة في الملك بصفته أمير المؤمنين، شكل مرجعية دينية حالت دون استيراد نماذج تنظيمية خارجية تسعى لمنازعة هذه الشرعية.
  2. الخصوصية الدينية المغربية:التجذر القوي للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتراث الصوفي في المجتمع المغربي، شكّل حاجزاً ثقافياً أمام الأفكار السلفية أو الإخوانية التي قد لا تتوافق مع هذا النسيج.
  3. تأخر وصول التأثير: تأخر وصول الفكر الإسلامي المنظم إلى المغرب مقارنة بالمشرق، حيث كانت “الحركة الوطنية” هي التي تشغل الساحة السياسية والفكرية في مواجهة الاستعمار. وعندما ظهرت الحركات الإسلامية، كانت الظروف المحلية هي المحرك الأساسي لنشأتها.

باختصار، يمكن القول إن الحركات الإسلامية المغربية استلهمت فكرياً ولكنها لم تنخرط تنظيمياً في التيارات المشرقية. لقد قرأت أدبيات الإخوان والسلفيين، وتأثرت بها، لكنها صاغت مشاريعها الخاصة التي تتناسب مع التربة السياسية والدينية والثقافية للمغرب.

 

ثانيا. الأصالة والخصوصية المغربية

سرعان ما أدركت الحركة الإسلامية المغربية، على الرغم من تأثرها بالتأثيرات المشرقية، ضرورة التأصيل المحلي لأفكارها وممارساتها. يمكن رصد ذلك من خلال:

1 المرجعية الدينية الوطنية

اعتمدت الحركة تدريجياً على المرجعية الدينية الوطنية، متمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والروح الصوفية، كأسس لخطابها الديني. هذا الاعتماد منحها شرعية في المجتمع المغربي، الذي يتسم بتجذّر هذه المرجعيات في نسيجه الديني والثقافي. فالمذهب المالكي هو المذهب الفقهي الرسمي في المغرب، والعقيدة الأشعرية هي العقيدة السائدة، بينما يلعب التصوف دوراً مهماً في الحياة الروحية للمغاربة. هذا التبني للمرجعية الوطنية ساعد الحركة على الاندماج في المجتمع وتجنب الصدام مع المؤسسات الدينية الرسمية.

.2. التكيف مع النظام السياسي

اضطرت الحركة إلى التعامل مع الملكية كمرجعية دينية وسياسية عليا، وهو ما أوجد نموذجاً للتعايش والتفاوض بدلاً من الصدام. ففي المغرب، تتمتع الملكية بوضع خاص كـ ‘إمارة المؤمنين’، مما يمنحها سلطة دينية وسياسية واسعة. هذا الواقع فرض على الحركة الإسلامية تبني مقاربة براغماتية في تعاملها مع الدولة، بعيداً عن النوجهات الثورية أو الصدامية التي ميزت بعض الحركات في دول أخرى. هذا التكيف مكن الحركة من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية، وإن كان ذلك ضمن حدود معينة.

.3. البعد الثقافي والاجتماعي

اتجهت بعض الحركات الإسلامية المغربية إلى التركيز على العمل الخيري والاجتماعي والثقافي، بدلاً من الاقتصار على السياسة أو الدعوة. هذا التوجه ساهم في توسيع قاعدتها الشعبية، حيث قدمت خدمات اجتماعية وثقافية للمواطنين، مما أكسبها قبولاً واسعاً في أوساط المجتمع. هذا البعد الاجتماعي والثقافي للحركة يعكس فهمها لخصوصية المجتمع المغربي، الذي يولي أهمية كبيرة للتكافل الاجتماعي والعمل الخيري، ويختلف عن بعض المجتمعات المشرقية التي قد تركز بشكل أكبر على الجانب السياسي أو الدعوي الصرف.

ثالثا. جدلية الاقتباس والتجاوز في تجربة الحركة الإسلامية المغربية

لم تقتصر تجربة الحركة الإسلامية المغربية على مجرد استيراد الأفكار والنماذج من التجارب الإسلامية الأخرى، بل تجاوزت ذلك إلى عمليات عميقة من التكييف والنقد والتأصيل، مما أضفى عليها خصوصية فريدة تميزها عن غيرها، لا سيما في سياق تفاعلها مع النظام السياسي المغربي (المخزن) وفي مقاربتها المغايرة لتجربة الإخوان المسلمين في مصر. هذه الخصوصية تتجلى في عدة جوانب محورية تعكس نضجاً فكرياً وسياسياً، وقدرة على التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية، مع التمسك بخيار اللاعنف والتركيز على البناء الفكري والاجتهاد الذاتي.

1.1. تطوير الخطاب السياسي وتجاوز السرية إلى المشاركة العلنية

شكل التحول من السرية والتنظيم المغلق إلى المشاركة الحزبية العلنية نقطة تحول جوهرية في مسار الحركة الإسلامية المغربية. فحزب العدالة والتنمية، الذي يمثل أحد أبرز تجليات هذا التحول، لم يكن مجرد واجهة سياسية، بل كان تجسيداً لوعي مبكر حيث ادرك أهمية الانخراط في المؤسسات الرسمية للدولة. هذا النضج في الخطاب السياسي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لتراكمات فكرية وتجارب عملية، أفضت إلى قناعة راسخة بأن التأثير في صناعة القرار وتحقيق الأهداف الإصلاحية يمر عبر القنوات الشرعية والمشاركة السياسية السلمية. على عكس بعض التجارب الإقليمية التي جنحت نحو المواجهة أو العنف، اختارت الحركة الإسلامية المغربية مساراً تصالحياً مع الدولة، مبنياً على مبدأ “التعاون على البر والتقوى”، مع الحفاظ على استقلاليتها الفكرية والتنظيمية. هذا النهج سمح لها بتجنب الصدامات العنيفة التي شهدتها حركات إسلامية أخرى في المنطقة، وساهم في استقرار المشهد السياسي المغربي، مع تمكين الحركة من تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية تدريجية، وتوسيع قاعدتها الشعبية من خلال العمل الدعوي والاجتماعي والسياسي العلني.

2.2. تعدد المرجعيات الداخلية وتجاوز النموذج المشرقي

يعكس ظهور تيارات مختلفة داخل الحركة الإسلامية المغربية، مثل السلفية الإصلاحية، وجماعة العدل والإحسان، وحركة التوحيد والإصلاح، غنى وتنوعاً في التوجه والرؤية، وابتعاداً تدريجياً عن النموذج المشرقي الأحادي. هذا التعدد يشير إلى حيوية الحركة وقدرتها على إنتاج أفكار ونماذج خاصة بها، تتناسب مع السياق المغربي وتحدياته. فكل تيار من هذه التيارات يمثل مقاربة مختلفة للعمل الإسلامي، مما يثري التجربة المغربية ويجعلها أكثر تعقيداً وتنوعاً. هذا التمايز عن النموذج المشرقي، خاصة تجربة الإخوان المسلمين في مصر، يبرز خصوصية التجربة المغربية. فبينما واجهت جماعة الإخوان المسلمين في مصر صراعات عنيفة مع النظام، انتهجت الحركة الإسلامية المغربية، بمختلف تياراتها، مساراً يقوم على اللاعنف والتكيف مع خصوصية النظام المخزني. لم تلجأ الحركة المغربية إلى المواجهة المسلحة أو الثورية، بل ركزت على العمل الدعوي والتربوي والسياسي السلمي، مستفيدة من دروس التجارب الأخرى وتجنب أخطائها. إن رموز الإخوان المصريين، الذين استلهمت منهم بعض الحركات الإسلامية في بداياتها، كانوا في معظمهم قد توفوا، مما أتاح للحركة المغربية فرصة لتطوير خزانة فكرية وتأصيلية خاصة بها، بعيداً عن التأثير المباشر لتلك التجارب. هذا الاستقلال الفكري والتأصيلي مكن الحركة من بناء مرجعيتها الذاتية، التي تتوافق مع الواقع المغربي وتحدياته، وتراعي خصوصية العلاقة بين الدين والدولة في المغرب، مما أدى إلى مسار مختلف تماماً عن المسار المصري، قائم على التدرج والحوار والبحث عن نقاط الالتقاء بدلاً من الصدام.

3.3خصوصية التجربة المغربية في التعامل مع النظام المخزني

تتجلى خصوصية الحركة الإسلامية المغربية بشكل واضح في تعاملها مع النظام المخزني. فبينما شهدت العديد من الدول العربية مواجهات عنيفة بين الأنظمة الحاكمة والحركات الإسلامية، اختارت الحركة المغربية مساراً مختلفاً تماماً، مبنياً على التكيف والتدرج والحوار، بدلاً من الصدام والمواجهة. هذا النهج لم يكن ضعفاً، بل كان استراتيجية واعية نابعة من فهم عميق لخصوصية السياق المغربي، الذي يتميز بوجود مؤسسة ملكية ذات شرعية دينية وتاريخية عميقة. لقد أدركت الحركة أن اللجوء إلى العنف أو المواجهة المباشرة مع النظام لن يؤدي إلا إلى نتائج كارثية، كما حدث في تجارب أخرى. لذلك، فضلت الحركة العمل من داخل المؤسسات، والمشاركة في الحياة السياسية، والتركيز على الإصلاح من خلال القنوات الشرعية. هذا التجاوز لتجربة الإخوان المسلمين المصرية، التي اتسمت بالصدام والعنف في مراحل معينة، يعكس نضجاً سياسياً وفكرياً للحركة المغربية. فبينما كانت رموز الإخوان المصريين، الذين استلهمت منهم بعض الحركات الإسلامية في بداياتها، قد توفوا أو غيبوا، مما أثر على استمرارية الفكر والتأصيل، تمكنت الحركة الإسلامية المغربية من بناء خزانة فكرية وتأصيلية خاصة بها. هذه الخزانة الفكرية المستقلة، التي تراعي خصوصية المجتمع المغربي وتحدياته، مكنت الحركة من تطوير رؤيتها الخاصة، والابتعاد عن التقليد الأعمى للتجارب الأخرى. إن التركيز على التجربة الفكرية والتأصيل الذاتي، بدلاً من الاقتباس الحرفي، هو ما منح الحركة الإسلامية المغربية مرونة وقدرة على التكيف، وجعلها قادرة على الحفاظ على وجودها وتأثيرها في المشهد السياسي المغربي دون اللجوء إلى العنف، مما يؤكد على تفرد مسارها ونجاحها في تجاوز العديد من التحديات التي واجهت حركات إسلامية أخرى في المنطقة.

 

ماذا اقتبست الحركة الاسلامية المغربية من حركة الاخوان العالمية

نقاط التأثر والتشابه:

  • المرجعية الفكرية الأولى:في بداياتها، اعتمدت الحركات الإسلامية المغربية بشكل كبيرعلى أدبيات وكتابات رموز جماعة الإخوان المسلمين في مصر. ويرجع ذلك إلىالسبق التاريخي للإخوان في التنظير للحركة الإسلامية.
  • الهدف العام مع اختلاف):تتفق الحركتان في الهدف العام المتمثل في “إقامة الدين”. ومع ذلك، هناك اختلاف في الأولويات، حيث ركز الإخوان في المشرق على “إقامة دولة الخلافة”، بينما ركزت حركة التوحيد والإصلاح على “إقامة الدين” بدءًا من الفرد والمجتمع.
  • الاهتمام بالتربية والتكوين:كلا الحركتين توليان أهمية كبرى للجانب التربوي والتكويني لأعضائهما كقاعدة أساسية للعمل الإسلامي.
  • الهيكل التنظيمي:هناك تشابه في بعض جوانب الهيكلة التنظيمية مثل وجود هيئات كالجمع العام ومجلس الشورى والمكتب التنفيذي.

نقاط الاختلاف والخصوصية المغربية

  • الاستقلالية التنظيمية:أكدت حركة التوحيد والإصلاح مرارًا على استقلاليتها التنظيمية والمالية عن أي تنظيم دولي، بما في ذلك التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
  • التركيز على “القطرية“:طورت الحركة المغربية نموذجًا محليًا “قطريًا” ينطلق من واقع المغرب ويجيب على أسئلته الخاصة، بدلاً من الارتباط بتنظيم عالمي.
  • العلاقة مع الدولة:بنت الحركة الإسلامية في المشرق شرعيتها على أساس الاستقلال عن الدولة، وأحيانًا في مواجهتها. أما في المغرب، فقد تبنت حركة التوحيد والإصلاح نهجًا يقر بالخصوصية المغربية، بما في ذلك “إمارة المؤمنين” كأساس لشرعية الحكم.
  • الفصل بين الدعوي والسياسي:تعتبر تجربة الفصل بين العمل الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) والعمل السياسي (حزب العدالة والتنمية) من أبرز سمات التجربة المغربية، وهي تجربة غير مسبوقة بنفس الوضوح في تجارب الإخوان بالمشرق.
  • الانفتاح على المجتمع:تحولت الحركة في المغرب من مفهوم “الجماعة” المغلق إلى مفهوم”الحركة” المنفتحة على كفاءات المجتمع ومؤسساته المختلفة.

رابعا حركة الشبيبة الإسلامية المغربية وحركة العدل والإحسان

تعتبر الحركات الإسلامية في المغرب جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي والاجتماعي للبلاد، وقد شهدت تطورات وتحولات عديدة عبر تاريخها. من بين هذه الحركات، تبرز

حركة الشبيبة الإسلامية المغربية وحركة العدل والإحسان كنموذجين لحركات إسلامية ذات خصوصية مغربية. يهدف هذا البحث إلى التعمق في دراسة هاتين الحركتين، مع التركيز على نشأة الشبيبة الإسلامية، وموقف زعيمها عبد الكريم مطيع من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، ومقارنتها بحركة العدل والإحسان لإبراز الطابع المغربي الخالص لكلتيهما.

حركة الشبيبة الإسلامية المغربية: النشأة والخصوصية

تأسست حركة الشبيبة الإسلامية في المغرب عام 1969 على يد الشيخ عبد الكريم مطيع. لم تكن هذه الحركة مجرد امتداد لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي، بل نشأت في سياق مغربي خالص، متأثرة بالظروف السياسية والاجتماعية المحلية. تميزت الشبيبة الإسلامية بكونها أول حركة إسلامية منظمة تظهر في المغرب، وقد لعبت دورًا محوريًا في المشهد السياسي خلال فترة السبعينيات

واجهت الشبيبة الإسلامية في بداياتها تحديات كبيرة، خاصة من التيارين العلماني واليساري في المغرب. وقد شهدت الجامعات المغربية في تلك الفترة صراعًا أيديولوجيًا حادًا بين الشبيبة الإسلامية وهذه التيارات. يُذكر أن الحركة شهدت نموًا ملحوظًا في الجامعات بين عامي 1972 و1975.

هذا الجانب يعزز فكرة أن الحركة كانت متجذرة في الواقع المغربي وتفاعلت مع دينامياته الداخلية، بدلاً من أن تكون مجرد فرع لتنظيم خارجي.

عبد الكريم مطيع والتنظيم العالمي للإخوان المسلمين

يُعد الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي شخصية محورية في تاريخ حركة الشبيبة الإسلامية. ورغم أن بعض المصادر تشير إلى أن الشبيبة الإسلامية تأسست على غرار جماعة الإخوان المسلمين المصرية، إلا أن العلاقة بين مطيع والتنظيم العالمي للإخوان كانت معقدة وشهدت توترات.

تفيد بعض الروايات بأن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين حاول استقطاب الشيخ عبد الكريم مطيع بعد خروجه من المغرب إثر اتهامه في قضية اغتيال عمر بنجلون عام 1975، لكنه رفض ذلك. بل إن  الشيخ مطيع نفسه وجه اتهامات للإخوان المسلمين بالخيانة في بعض المناسبات، مما يدل على استقلالية موقفه وعدم تبعيته الكاملة للتنظيم العالمي.

هذا الرفض من جانب الشيخ مطيع للانضواء الكلي تحت لواء التنظيم العالمي للإخوان يعزز الطابع المغربي الخالص لحركة الشبيبة الإسلامية. فالحركة، بقيادة الشيخ مطيع، سعت إلى تحقيق أهدافها ضمن السياق المغربي، معتمدة على رؤيتها الخاصة التي قد تتقاطع أو تختلف مع رؤى التنظيمات الإسلامية الأخرى.

حركة العدل والإحسان: تجربة مغربية خالصة أخرى

تعتبر حركة العدل والإحسان، التي أسسها الإمام عبد السلام ياسين عام 1983، نموذجًا آخر لحركة إسلامية ذات خصوصية مغربية واضحة. على الرغم من أنها حركة إسلامية، إلا أنها تختلف عن جماعة الإخوان المسلمين في منهجها وأيديولوجيتها، وتركز على الجمع بين التصوف والتربية والاشتغال بالشأن العام والسياسة.

تتميز العدل والإحسان بموقفها النقدي من النظام السياسي في المغرب، وهي من أكبر التنظيمات الإسلامية غير المرخص لها قانونيًا، لكنها تحظى بتسامح من السلطات. هذا الموقف المستقل من السلطة، بالإضافة إلى تركيزها على الجانب التربوي والتصوفي، يميزها عن الحركات الإسلامية الأخرى التي قد تكون أكثر انخراطًا في العمل السياسي الحزبي أو مرتبطة بتنظيمات إقليمية.

كما أن تحالفات العدل والإحسان في الحراك الاحتجاجي المغربي، والتي قد تشمل قوى ذات خلفية يسارية، تؤكد على مرونتها وقدرتها على التفاعل مع القضايا المحلية بناءً على الموقف السياسي المشترك، وليس بالضرورة على الخلفية الأيديولوجية . هذا يؤكد مرة أخرى على طابعها المغربي الخالص واستقلاليتها في اتخاذ القرارات.

تُظهر دراسة حركة الشبيبة الإسلامية المغربية وحركة العدل والإحسان أن كلتيهما تمثلان تجربتين إسلاميتين مغربيتين خالصتين، نشأتا وتطورتا في سياق محلي، وتفاعلتا مع الظروف السياسية والاجتماعية الخاصة بالمغرب. ورغم وجود بعض التقاطعات أو التأثر ببعض الأفكار الإسلامية العامة، إلا أن استقلالية قياداتهما، مثل عبد الكريم مطيع والإمام عبد السلام ياسين، ومواقفهما من التنظيمات العالمية، تؤكد على خصوصية هاتين الحركتين وكونهما نتاجًا للبيئة المغربية.

 

 

  1. الخاتمة

يمكن القول إن الحركة الإسلامية المغربية قد عاشت تجربة فريدة تتأرجح بين الاستفادة من التجارب المشرقية وضرورة إنتاج نموذج محلي يتماشى مع السياق المغربي. فجدلية الاقتباس والأصالة شكلت هوية وسطية حاولت التوفيق بين الخصوصية الوطنية والمرجعية الإسلامية العالمية. على الرغم من استمرار التأثيرات المشرقية، فإن تراكم الخبرة ومتطلبات الواقع المغربي منح هذه الحركة القدرة على التجدد والتميز. لقد أثبتت التجربة المغربية أن الحركات الإسلامية يمكن أن تتطور وتتأقلم مع بيئتها المحلية، وأن تبني نموذجاً خاصاً بها يراعي خصوصياتها الثقافية والسياسية والدينية، مع الاستفادة من التجارب الأخرى دون ذوبان في هويتها.

 

 

 

 

إرسال التعليق