آخر الأخبار

التضليل السياسي” عندما يصبح باسم الدين (الحلقة الأولى) التهجم على المناضلين خارج الوطن

التضليل السياسي” عندما يصبح باسم الدين (الحلقة الأولى) التهجم على المناضلين خارج الوطن

رصدالمغرب / عبد المولى المروري


أقسم بالله العظيم، لم تكن عندي أي رغبة أو نية في التعقيب على كلمة الأستاذ عبد الإله ابن كيران في الندوة الصحفية التي نظمها الحزب بتاريخ 29 غشت 2025 لتقديم مقترحات حزب العدالة والتنمية بخصوص المنظومة العامة المؤطرة لانتخابات مجلس النواب 2026، غير أن ما تضمنته كلمته من مغالطات خطيرة وخطيرة جدًا، وصلت حد التضليل السياسي، فرض عليّ الرد مكرهًا، من باب الواجب الشرعي والسياسي والأخلاقي، ومعذرة إلى الله، وشهادة للتاريخ.

وأكثر ما شدّ انتباهي هو تهجمه على من اضطرتهم الظروف إلى مغادرة وطنهم تحت وابل من المضايقات والملاحقات والتشهير والتلفيق… فقد قدّم هؤلاء بصورة مغرقة في الإهانة، ومبالغ فيها في التحقير والاستخفاف، مطالبًا إياهم – في لهجةٍ لا تخلو من التحدي والسخرية – بالعودة إلى الوطن لمواصلة النضال والكلام، معتبرًا أن مغادرة الوطن إنما هي جبن وهروب، ونضال خالٍ من الرجولة. والأسوأ أنه اختزل انتقاد السلطة في مجرد حرمان المنتقدين من “نصيب” منها!

وهنا، وجوابًا على ما قاله ابن كيران، أستحضر من التاريخ القريب والبعيد نماذج عظيمة، اضطرت إلى الهجرة القسرية أو الفرار الاضطراري، لا خوفًا على حياتها وحريتها فحسب – وهو حق مشروع – بل أيضًا من أجل مواصلة النضال والرسالة حين سُدت الأبواب وضاقت السبل، وتعرضوا لأبشع صنوف الخيانة والخذلان من الأقربين ورفاق النضال.

فأول من نسوقه مثالًا: سيد الخلق أجمعين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ألم يخرج مكرهًا متخفيًا، وقد أحاط المشركون بداره وقرّروا قتله على يد عشرة فتيان، ليتفرق دمه بين القبائل؟ ألم يختبئ في غار ثور مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة أيام؟

ألم يهاجر إبراهيم عليه السلام متخفيًا من العراق إلى الشام ثم إلى مصر والحجاز؟

ألم يخرج موسى عليه السلام خائفًا يترقب من مصر إلى مدين بعد أن هدده فرعون بالقتل (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين).. ؟

ألم يكن عيسى عليه السلام مطاردًا من اليهود والرومان، حتى رفعه الله إليه من مكرهم وكيدهم؟

ألم يهاجر جعفر بن أبي طالب وعثمان بن عفان وزوجته رقية، ومعهم عشرات الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، إلى الحبشة فرارًا من بطش قريش؟

ألم يضطر الإمام الشافعي للاختفاء طويلًا بين اليمن والحجاز بعد اتهامه بمناصرة العلويين؟

ألم يختفِ الحسن البصري زمن الحجاج بن يوسف خوفًا من بطش السلطة والحكام الأمويين؟

ألم يُطارد أحمد بن نصر الخزاعي بسبب فتنة خلق القرآن حتى أمر المعتصم بقتله؟

ألم يتنقّل ابن تيمية بين دمشق والقاهرة هاربًا من الملاحقات قبل أن يُسجن نهائيًا في سجن القلعة ويموت هناك؟

هذه الأمثلة، وغيرها كثير، تؤكد أن الهجرة القسرية والاختفاء القهري لم يكونا يومًا جبنًا ولا خيانة، بل كانا في حالات كثيرة شجاعة استثنائية وجرأة نادرة. فليس من السهل على المرء أن يترك وطنه وأهله وتاريخه وأحلامه خلفه. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العظيمة، وهو يقول عند مغادرته مكة: «والله إنكِ لأحب البلاد إلى الله، وأحب البلاد إليّ، ولولا أن قومكِ أخرجوني ما خرجتُ».

على الأستاذ ابن كيران – غفر الله له – أن يكف لسانه عن الإساءة إلى المناضلين المهاجرين قسرًا، ويكفي ما يلاقونه من معاناة ومرارة الاغتراب وتشويه السمعة. إنهم لم يتخلوا عن رسالتهم في فضح الفساد والاستبداد ونشر الوعي بين الناس عبر ما تيسّر لهم من وسائل، بل إنهم حملوا الوطن في قلوبهم وهم بعيدون أو مبعدون عنه.

فليتذكر الأستاذ ابن كيران أن التاريخ لا يرحم، وأن من يهاجم المناضلين في المنفى إنما يطعن في سيرة الأنبياء والصالحين والعلماء الذين اضطرتهم الأوضاع إلى الهجرة أو التخفي.

إن التضليل السياسي حين يتزين بلبوس الدين يصبح أخطر أنواع التضليل، لأنه يلبس الباطل ثوب الحق، ويشوّه الحقائق باسم الشرع. ومن المؤسف أن يقع فيه من يُفترض أنه رمز للوعي والحكمة. والتاريخ لا ينسى، وسيظل شاهدًا على المواقف، يسجلها حجةً لأصحابها أو عليهم، ولا أحد يدري ماذا سيقضي الله غدا !!

إرسال التعليق