الجزائر والمغرب: صراع عبثي يعطل اندماج المنطقة

الجزائر والمغرب: صراع عبثي يعطل اندماج المنطقة

رصد المغرب / عبد الكبير بلغساحي

في مشهد إقليمي يطبعه الجمود والتناحر ، تواصل الجزائر مساعيها الحثيثة لفرض نفسها كقوة مهيمنة في شمال إفريقيا والساحل ، مدفوعة بهوس جيوسياسي لا يخفي نواياه تجاه المملكة المغربية ، هذه الطموحات المتضخمة تتجلى في تحركات عدائية مستمرة، تتراوح بين دعم صريح لانفصاليي البوليساريو، ومحاولات متكررة لإقامة تكتلات إقليمية وهمية، لا هدف لها سوى عزل المغرب وإفشال أي مبادرة وحدوية مغاربية.

ورغم أن المغرب اختار منذ سنوات نهج التعاون والانفتاح، سواء عبر شراكاته الاقتصادية المتعددة أو مساهماته في استقرار القارة الإفريقية، تصر الجزائر على جر المنطقة إلى منطق الاصطفاف والتصعيد، في تجاهل تام لمصالح شعوب المنطقة وتحدياتها المشتركة.

هذا السلوك العدائي لا يهدد فقط الاستقرار المغاربي، بل يفضح عجز النظام الجزائري عن بناء رؤية استراتيجية تنموية حقيقية، تخرج البلاد من دائرة الصراعات العقيمة وتوجه طاقاتها نحو الداخل بدل تصدير الأزمات.

وفي المقابل، اكتفى المغرب، في أغلب الأحيان، بالرد بشكل مدروس ودبلوماسي، مفضلا التوجه نحو شركائه الأفارقة والدوليين لتعزيز موقعه، دون الانجرار إلى استفزازات مباشرة. وقد لقي هذا النهج المغربي تفهما ودعما متزايدا من قبل قوى وازنة على الساحة الدولية. فالولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، أكدت في أكثر من مناسبة دعمها لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، معتبرة إياه “جديا وواقعيا وذو مصداقية”. كما عبرت فرنسا عن مواقف مماثلة، بينما اختارت دول إفريقية عديدة فتح قنصلياتها في الأقاليم الجنوبية للمملكة، في تعبير عملي عن دعمها للوحدة الترابية للمغرب.

من الناحية الاقتصادية، يدفع سكان المنطقة ثمنا باهظا لهذا التناحر. فغياب التعاون بين المغرب والجزائر يحرم المنطقة من سوق مغاربية موحدة كان من شأنها أن تتحول إلى قطب اقتصادي قوي يربط المتوسط بعمق القارة الإفريقية. وتجمع تقارير اقتصادية دولية، من بينها تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، على أن الاندماج المغاربي غير المحقق يكلف اقتصاد المنطقة ما لا يقل عن 2 إلى 3 نقاط من النمو سنويًا.

فالمغرب من جهته عمل على ترسيخ حضوره الاقتصادي في غرب ووسط إفريقيا، عبر استثمارات ضخمة في البنوك، والاتصالات، والبنية التحتية، ما جعل الرباط ينظر إليها كفاعل تنموي موثوق. في المقابل، تكتفي الجزائر بتوزيع الريع الداخلي، وعلاقات اقتصادية تقليدية، دون أن تقدم أي رؤية اقتصادية تكاملية مع جيرانها.

فالاتحاد الإفريقي هو ساحة أخرى للتجاذب ، فلقد امتد هذا الصراع إلى داخل أروقة الاتحاد الإفريقي، حيث تسعى الجزائر إلى التأثير في مواقف المنظمة من قضية الصحراء المغربية، عبر دعم البوليساريو داخل أجهزتها. غير أن التحركات المغربية المكثفة أسفرت عن تراجع ملحوظ في وزن هذه الكيان الانفصالي داخل الاتحاد، لا سيما بعد أن فتحت أغلب الدول الإفريقية قنصليات لها في العيون والداخلة، في خطوة تفند الدعاية الجزائرية وتظهر عزلة الطرح الانفصالي.

وفي وقت تبدي فيه معظم دول القارة رغبتها في شراكات اقتصادية وتنموية عابرة للحدود، لا تزال الجزائر متمسكة بخيارات تضعها في مواجهة مباشرة مع التحولات الكبرى التي تعرفها القارة.

ختاما فصراع خاسر في زمن التحولات الكبرى في عالم يتجه نحو التكتلات الكبرى والشراكات العابرة للحدود، يبدو أن الجزائر تصر على البقاء رهينة لعقيدة سياسية تجاوزها الزمن، قائمة على العداء الموروث والمناورات العقيمة. في المقابل، يواصل المغرب تثبيت أقدامه كفاعل مسؤول، يراهن على التنمية والتكامل والشرعية الدولية. وبين هذا وذاك، يظل الحلم المغاربي معلقا رهينة حسابات نظام لم يعد يملك ما يقدمه سوى عرقلة التقدم وافتعال الأزمات.

فلقد بات واضحا أن رهان الجزائر على افتعال الصراعات، بدل بناء الجسور، لن يقود إلا إلى مزيد من العزلة، بينما تمضي المملكة بثقة نحو المستقبل، مدعومة بشرعية مشاريعها، وقوة تحالفاتها، وثقة شركائها.

إرسال التعليق