الحرب الامبريالية على إيران.

آخر الأخبار

الحرب الامبريالية على إيران.

رصد المغرب /العلمي الحروني

في هذا المقال، سنتناول موضوع الحرب الامبريالية على إيران من خلال الإجابة على أسئلة من قبيل طبيعة هذه الحرب وسياقاتها وأبعادها العالمية والإقليمية، وموقف اليسار منها وأولوية ذلك، مع تحليل و تبيان البرنامج النووي الإيراني ضمن برامج الدول الأخرى وكيل أدوات الامبريالية المختلفة بمكيالين اتجاه ذلك ولاسيما منها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن والاتحادات الإقليمية. وذلك في ثلاث حلقات.

الحلقة الأولى: السياق العالمي والإقليمي للحرب على ايران

كان الصراع على أرض أوكرانيا، ولا يزال، المحور الرئيسي والأساسي للحرب الامبريالية العالمية الثالثة من نوعها وفق معطيات واعتبارات وتقنيات جديدة مختلفة عن الحربين العالميتين الأولى والثانية، حرب تشارك فيها عدة أطراف، إما مباشرة أو خلف الظل، عبر الدعم المتنوع التقني والاستخباراتي وما شابه، حرب واجهت فيها روسيا أكثر من 50 دولة من الغرب بكل قواتها الاقتصادية والتكنولوجية، حرب تدور بأساليب وطرق جديدة بدون زحف للجيوش. وكما سبق أن أكدنا عليه في مقالات سابقة، فإن هذه الحرب/الصراع لها ارتدادات في عدة مجالات وحقول وبكل مكان بالعالم، حيث انفجرت بشكل طفيف في افريقيا بالمستعمرات الفرنسية السابقة لحمل فرنسا على المغادرة، لتنتقل إلى حرب ضروس عنيفة وقاسية في فلسطين/غزة ولبنان وسوريا واليوم بإيران، وستنقل الحرب/الصراع بأشكال متنوعة إلى كل بلد في العالم. ما يميز الحرب اليوم هو البعد العالمي لكونها ليست بين بلدين مختلفين على حدود أو على مواضيع ثنائية بل هي حرب عالمية وصراع أقطاب حول الهيمنة على العالم.
ما يعيشه العالم العربي الآن، هو صدمة كبيرة حقيقية، لقد حصلت تغييرات مهمة سريعة في المنطقة، بحيث ترسم بها خرائط جديدة في ظل تحولات وحراك للقوى العالمية الفاعلة للبحث عن توازن عالمي جديد ترسمه موازين القوى العالمية.
في ظل المتغيرات الدولية، توجد بالمنطقة حاليا ثلاث دول إقليمية مهمة كلها دول غير عربية: تركيا وإيران وإسرائيل، أما دول العالم العربي فغير موجودة على الخريطة، موجودة جغرافيا واقتصاديا، لكن سياسيا غير حاضرة، بدليل أن التفاعلات القائمة لا نكاد نرى فيها دورا عربيا يذكر. وحتى مصطلح العالم العربي اختفى ولم يعد يذكر، تم تعويضه بـمفهوم الشرق الأوسط، لاقحام اسرائيل كقوة غربية غريبة على المنطقة.
المنطقة في حالة كارثية بدليل النتائج الواقعية على الأرض. فمن المنظور التاريخي السياسي الملموس، تم القضاء على محور المقاومة في الشرق الأوسط بالكامل تقريبا: تدمير شبه كامل لغزة، واغتيال إسماعيل هنية بطهران ومقتل الرئيس الإيراني في ظروف غامضة واغتيال قادة الصف الأول لحماس وحزب الله، وأيضا الإطاحة بنظام الأسد، وتعرض القوات الايرانية سابقا لضربات قاسية.
لم تكن الأوضاع الحالية وليدة اليوم، بل مهد لها على الأقل منذ الغزو الامبريالي الأمريكي للعراق خلال حرب الخليج الثالثة في مارس 2003 وما تلاها من أحداث سنة 2011 ومسلسل التطبيع مع العدو الصهيوني. كما أنه من الأخطاء الاستراتيجية عزل عملية طوفان الأقصى عن أي استراتيجية واضحة بتحالفات معلنة واتفاقات معينة، حيث غاب التنسيق مع المحيط الفلسطيني الداعم ولم نشاهد أي رد فعل عربي وإسلامي موحد مساند وداعم، ولقد ساهمت الماكينة الإعلامية الغربية والعربية وتصريحات قادة دول غربية ومثقفون عرب ومغاربيون وغربيون في محاولة إلصاق تهمة الإرهاب على عملية طوفان الأقصى، أما الجامعة العربية فقد أصبحت جمع أصفار. فعلى هذا المستوى كان الهجوم غير مدروس وبدون التوفر على رسم الخطوات الموالية.
تصعيد حماس، الإستباقي، استغلته إسرائيل والغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كمبرر للوصول إلى أهدافهم في قطاع غزة وفي عموم المنطقة، وما يطرح تساؤلات عريضة هو عدم مشاركته العالم العربي والاسلامي بأي شكل من الأشكال في الأحداث واكتفاءه ببيانات إدانة أو باحتجاجات شعبية وهو ما لم يكن متناسبا مع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني من طرف النظام الصهيوني المحتل.
ولقد أفقدت حرب الإبادة الجماعية الكيان الإسرائيلي تماما صورته كضحية في نظر المجتمع الدولي، إذ استنزف “الرصيد الأخلاقي” وفقد التعاطف الذي اكتسبه اليهود بسبب ما سمي بالمحرقة الفظيعة خلال حكم هتلر، لكنه ظهر كقوة طبعت معها عديد من الأنظمة ويخشاها الجميع ويجب التعامل معها بجدية، ما جعله يروج لخريطة جديدة للشرق الأوسط ولإسرائيل الكبرى كقوة تضع نفسها قوة إقليمية مهيمنة وقائدة للمنطقة خاصة مع إضعاف ما تبقى من محور المقاومة بعض القضاء، سابقا، على النظامين العراقي والليبي.
كما خلق تدمير غرة وإضعاف محور المقاومة وضعا دوليا جديدا بالمنطقة، ومع خلو الساحة من فاعلين أقوياء بدا أنه ليس هناك من خيار حقيقي لمعارضة هذا التوجه الإمبريالي الخطير، خاصة مع حالة الترقب والحذر بسبب المصالح والحسابات الجيوسياسية والاستراتيجية للقوى العالمية الأخرى كالصين وروسيا وحلفائهما وجبن وخيانة الأنظمة الرجعية بالمنطقة.
أمام هذا الواقع، وإن لم يحقق الكيان الصهيوني كامل أهدافه المعلنة بسبب الصمود البطولي للمقاومة، فقد ظهر منتصرا ومنتشيا وأصابه الغرور، مدعوما من الغرب الذي يكيل بمكيالين، في عالم اختفى فيه القانون الدولي أو يكاد، ليعوض بقانون الغاب، حيث السياسة سياسة الأقوى، قانون ” أقتلني أو أقتلك”.
دفع الغرور بالطفل المدلل والابن الولود الذي ترعاه الدول الغربية، الكيان الصهيوني، قادته الإرهابيين، المطلوبين للعدالة الجنائية الدولية، إلى التجرِأ على دولة إيران التي كانت، وما تزال، رغم تناقضاتها الداخلية، شوكة في خاصرة المشروع الصهيوني الأمريكي التوسعي، والدخول معها في حرب جبانة وتوجيه ضربات على إيران يوم الجمعة 13 يونيو 2025 شملت منشآت نووية ومصانع صواريخ باليستية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، عملية أُطلق عليها الاسم الرمزي «عَم كِلافي» وتعني حرفيا “شعب كلبؤة” ، هذا في الوقت الذي فتح الحوار معها حول مشروعها النووي الموجه، حسبها، للاستعمال السلمي.
هكذا دخلت المنطقة بكاملها في فصل صراع جديد ومرحلة جديدة عنوانها إلغاء الحوار ” الحضاري ” واستبداله بحوار البندقية المعزز بالإرهاب الامبريالي وترويع الشعوب والدول باغتيال السياسيين والنخب العلمية ونشر الاكاذيب بهدف زرع البلبلة. إنها حرب قانونها ” إما أنا أو أنت” في هذه المنطقة، إنها حرب وجود، لم تعد لفصائل المقاومة، بعد إضعافها وتحييدها، فيها من تأثير حقيقي، مع تراجع وحدة الساحات، تحولت إلى الصدام الحقيقي بين القوتين والأيديولوجيتين الأكثر تأثيرا: إيران التي يقودها نظام عقدي عقائدي أيديولوجي من جهة، والكيان الإسرائيلي الصهيوني الامبريالي الممتد على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي عبر دول التحالف الابراهيمي التطبيعي الغادر والجبان من جهة ثانية.
ولعل ما يميز هذا الفصل من الصراع المحموم هو أنه بلغ ذروته حيث تضرب قلب العواصم، ما يجعلها آخر الحروب الامبريالية بالمنطقة لفرز القيادة الإقليمية لشرق أوسط جديد فوق ألغام القهر والظلم.
في السابق كانت إسرائيل تحارب فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولأول مرة، منذ 1973، تدخل في حرب مع دولة قائمة الذات. فإيران دولة عظمى تحتل موقعا مهما في الخارطة السياسية والاستراتيجية إقليميا وعالميا، فهو بلد تأسس سنة 1501م ، متسع جغرافيا ومترامي الأطراف وغني بموارده، يقع في قلب القارة الآسيوية، يحدها من الشمال دول الاتحاد السوفيتي (سابقا)، ومن الشرق أفغانستان وباكستان، ومن الغرب العراق وتركيا، ومن الجنوب خليج عمان والخليج العربي. وتبلغ مساحة إيران 1,648 مليون كلم². ويبلغ طول حدودها البرية 5440 كلم. كما يبلغ طول شريطها الساحلي قرابة 2440كلم على طول الخليج العربي وخليج عمان، وقرابة 740 كلم بحر قزوين ( بحر الخزر) وقد بلغ عدد سكان إيران أزيد من 85,6 مليون نسمة سنة 2024 .
إيران، بلد تعايش الثقافات والأعراق، حيث الفارسي والأذري والجيلكي والمازندراني والعربي والكردي واللور والبلوش والترك وغيرها، وحيث تعايش الأديان والمذاهب من مختلف الأعراق من الشيعة 65% والسنة 25% والطوائف اليهودية والنصرانية والبهائية والزرادشتية 10%.
ولقد كانت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري، لكن أهل السنة في هذا البلد من الشعوب غير الفارسية يقطنون بالهوامش بعيدين عن المدن الكبرى والعاصمة حيث الشيعة الفرس، وفي ذلك يوضح المفكر فهمي هويدي أن المشاكل التي يتعرض لها أهل السنة في إيران مرجعها ليس بالمذهبي إذ تعتبر أن إيران ليست دولة سنية أو شيعية، بل دولة مركزية.
وبالفعل، فإيران دولة بكل المقومات الحضارية والسياسية والاقتصادية استطاعت بكل المقاييس بناء دولة صناعية، السلمية والعسكرية، ضمنت بفعل علمائها وقادتها السياسيين الاكتفاء الذاتي والسيادة الامنية للدفاع عن شعبها، باعتبار الصناعات العسكرية الخاصة بها تشغلها بحرية خارج التعاقدات المفروضة من القوى الامبريالية وشروط صفقات الأسلحة التي تلزم الدولة المشترية باحترام شروط اشغال الأسلحة بواسطة كودات لا تسلمها، عادة، القوى الامبريالية للدول المشترية. وهذا ما يخيف العدو الإسرائيلي الذي يرى أن إيران، بترسانتها العسكرية والنووية السلمية التي قد ترتقي الى مستوى سلاح نووي حقيقي، تشكل التهديد الحقيقي لوجود إسرائيل.

إرسال التعليق