
الحقل الديني بالمغرب في مفترق الطرق
رصد المغرب/عبد المولى المروري
أولا: التضييق على الخطباء والوعّاظ في المغرب:
واقع الوصاية الدينية وانتهاك الحريات الفردية
يشهد الفضاء الديني في المغرب منذ أعوام احتقانات متكررة بسبب التضييق على فضاءات خطباء الجمعة والوعاظ والمكلفين بالتوجيه الديني. وفي الوقت الذي ينص فيه الدستور والمواثيق الدولية على حرية الفكر والتعبير والمعتقد، فإنّ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تستمر في ممارسة أساليب الوصاية والرقابة والعزل بحق خطباء ووعّاظ وقيمين دينيين.
ورغم أن الفصل 25 من الدستور تحدث عن كفالة حرية الفكر والرأي والتعبير، والفصل 28 الذي ضمن حرية الصحافة والتعبير العلني.
ورغم أن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (المادتان 18، 19)، وكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب التي تدافع وتضمن حرية التعبير.
فإن المعطيات والوثائق تشير إلى أن مئات الخطباء والوعّاظ والقيمين الدينيين تم إعفاؤهم أو توقيفهم لأسباب متعلقة بخطب منبرية أو مواقف علنية أو آراء في قضايا عمومية كالرّبا، وغزة، ومهرجانات الغناء، والخطبة الموحدة. وغالبًا ما تتم هذه القرارات دون مسطرة واضحة أو تعليل قانوني، مما يجعلها خرقًا للضمانات الدستورية والحقوقية.
وأقدم للقارئ الكريم والمتابع المخلص أشهر خطباء الجمعة ورؤساء المجالس العلمية الذين أوقفتهم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والذين أستطعت الوصول إليهم عن طريق البحث، وحتما هناك العشرات لا يعرفهم أحد، تم إيقافهم في صمت وخفاء..
عبد القادر العوامي (طنجة) – تم توقيفه في سبتمبر 2021 بعد انتقاده التباعد داخل المساجد خلال جائحة كورونا، معتبرًا أن الاحتراز لم يعد معمولاً به في معظم القطاعات .
عبد الله تيجاني (أكادير) – خطيب مسجد الإمام مسلم، تم توقيفه في مارس 2018 بحجة “ممارسة الرياضة في أوقات فراغه”، ما اعتبرته الوزارة إخلالًا بالتزاماته .
رشيد بنكيران (القنيطرة) – خطب في ديسمبر 2021، وأوقف بسبب نشره أفكارًا سياسية عبر فيسبوك، منها مطالب بإعادة تأهيل المساجد .
فؤاد الدكداكي (تطوان/تطوان) – أُوقف في أبريل 2016، لما اعتُبرت مواقفه من العقيدة الأشعرية والتصوف وممارسة القراءة الجماعية مخالفة للثوابت الدينية .
عبد الحميد نجاري (بركان) – خطب في نوفمبر 2018، توقيفه وقع بعد انتقاده المملكة العربية السعودية في سياق حادثة تتعلق بالكعبة، رغم نفيه للنية .
نور الدين قراط (وجدة) – تم توقيفه في يونيو 2015، بسبب انتقاداته لمهرجان “موازين” وتناوله لعملية عاصفة الحزم وانتقاد وزير التربية .
عبد الله نهاري (وجدة) – أشهر خطباء وجدة، توقيفه جاء بسبب انتقاداته لمسؤولين محليين وشؤون اجتماعية، مطلع 2010-2013 .
محمد العمراوي (سيدي سليمان) – أُوقف في مايو 2022 بعد خطبة انتشرت في العيد، دعا فيها لمكافحة الفساد والربا والمنكرات .
أحمد أجندوظ (طنجة) – خطب في 28 يونيو 2024، مع نقده للخطبة الموحدة، واعتباره أنها تقلل من قيمة الخطيب والعلماء. أوقف رسميًا في 3 يونيو 2024 بعد هذه الخطبة .
الشيخ عبد الله المودن – مسجد مولينا بالرباط
تم توقيفه أواخر يناير 2016 بسبب ذكره حادثة تاريخية تتعلق بصفية – عمة النبي ﷺ – واعتبرتها الوزارة تجاوزًا في تناول النقاش الديني داخل الخطبة.
ذ. العلمي شطاط – مسجد الرحمة (الجيراري)، طنجة
في ديسمبر 2020، أوقف بعد انتقاده تطبيع المغرب مع إسرائيل أثناء الخطبة، ما اعتبرته وزارة الأوقاف تجاوزًا سياسيًا.
عبد الرحيم العبدلاوي (سلا) – توقف عن الخطابة بمسجد مولاي علي الشريف بعد أن تطرّق في خطبته إلى العدوان على غزة، رغم نفي الوزارة رسمياً توجيه منعه مسبقًا. الخطيب وصف توقيفه بأنه “شرف ووسام” .
الشيخ إبراهيم بقلال (مسجد بوعيطة – أيت ملول / إنزكان)
تم توقيفه في يونيو 2024 بعد خطبة عيد الفطر التي تطرّق فيها لقضايا اجتماعية وسياسية مثل “تعديلات مدونة الأسرة” والانفتاح. أدّى إغلاق مسجد بوعيطة بعد ذلك مباشرة قبل عيد الأضحى، مثيرًا احتجاجات محلية واسعة .
الخطيب أحمد أجندوز (مسجد المنبر الكبير – طنجة)
أوقفه الوزير أحمد التوفيق في 3 يوليو 2024، بسبب رفضه التزام “الخطبة الموحدة” التجريبية الأولى يوم 28 يونيو 2024، إذ اعتبر أن هذا يحد من دوره كخطيب مستقل .
الشيخ مصطفى لقصير (الدار البيضاء)
تم توقيفه ضمن مجموعة من الخطباء المسؤولين عن صوت إصلاح واستقلالية الخطاب الديني .
د. رضوان بنشقرون (رئيس المجلس العلمي لمدينة الدار البيضاء ولاحقًا عين الشق)
أقيل بسبب تصريحاته وانتقاداته للتعاقد مع فنان مثلي الجنس في مهرجان “موازين” سنة 2010، رغم مكانته العلمية .
الشيخ محمد أبياض كان خطيب جمعة في مسجد يوسف بن تاشفين بمدينة فاس. يعمل أستاذًا جامعيًا أيضًا، وله حضور ملحوظ في الساحة الدينية والثقافية .
في ديسمبر 2016، أُعلن رسمياً عن توقيفه من مهام الخطابة والإمامة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية .
القرار جاء بعد إلقائه خطبة أثارت جدلاً، وارتأى بعض المصلين أنها تتضمن مواقف “جريئة” أو ربما “انتقادية” تجاه بعض القضايا الدينية أو الاجتماعية.
بعد توقيفه، امتنع المصلون المنتظمون في المسجد عن أداء صلاة الجمعة، تضامنًا مع الشيخ، مما أدى إلى احتجاجات محلية اعتُبرت غير مسبوقة في المدينة . .
وحالات أخرى بارزة نذكر منها:
الشيخ رشيد نافع (الرباط)، الشيخ مصطفى الهلالي (أكادير)، الحسن الكتاني (سلا)، د. طارق الحمودي ومحمد بن الأمين بوخبزة (تطوان)، والأستاذ ياسين العمري (الدار البيضاء)، جميعهم تم توقيفهم لأسباب فكرية أو سياسية ضمن إطار ضبط الوزارة لخروج الخطاب عن الخط الرسمي .
وأخيرا محمد بنعلي (فكيك) – رئيس المجلس العلمي المحلي تم إعفاؤه بتاريخ 31 يوليوز 2025. القرار صدر بعد أيام من نشره منشورًا عن الوضع في غزة وانتقاد العلماء لسكوتهم؛ وعلّلته الوزارة بـ”عدم انتظام الحضور” بالرغم من أن العديدين أكدوا أن التدوينة هي السبب الرئيسي .
وبطبيعة الحال لا يجب أن ننسى سعيد أبو علين (قيم ديني)، الذي كان يعمل بالتعليم الديني والإمامة، ويعرف بكتاباته مثل “مساجد المغرب: رؤية من الداخل”، وبتصريحاته المنتقدة لوضع القيمين الدينيين في المغرب . وعبر بوضوح عن رفضه لواقع “شرط الجماعة” (الصدقات والعطايا) بوصفه نظامًا لا يُحفظ كرامتهم، واعتراضه على أن أجورهم لا تكفي لتغطية نفقاتهم. وأفاد أن أجور الخطيب (الإمامة والخطابة) تتراوح شهريًا بين 800 و2500 درهم فقط، بينما قد يحصل البعض على أقل من 1000 درهم في الحالات النائية . وشارك في احتجاج أمام مقر وزارة الأوقاف، وطالب بتحسين أوضاع القيمين الدينيين ووقف التعامل مع وضعهم “من منطق الأمن فقط” . نتيجة ذلك، صدر حكم بـ سنتين حبسا نافذاً بحقه في نهاية غشت 2021، بعد أن قضى في السجن احتجازًا بسبب هذه الخطوات الاحتجاجية .
وفي ديسمبر 2021، أشار بيان إلى أن وزارة الأوقاف قررت إبعاد نحو 200 من القيمين الدينيين (خطباء، مؤذنين، أئمة وواعظون) الذين يستغلون المساجد لأجندات غير دينية أو يقومون بخطاب سياسي من المنبر الديني .
الملاحظ أن كل أولئك الذين انتقدوا الدكتور أحمد الريسوني لم تحرك فيهم كل هذه التعسفات ساكنا، ولم تطلق لهم لسانا إلا في حق المجاهد أحمد الريسوني الذي امتلك الشجاعة العلمية والحس الإنساني لينتقد تعسفات وزارة لا تشوه الإسلام فحسب، بل تحاربه.. ولي عودة قريبة إلى ذلك إن شاء الله..
إن ما يجري في المغرب من توقيفات متكررة وغير معللة لخطباء ووعاظ هو مؤشر على تنامي رقابة الدولة على الدين، وضرب لاستقلالية الخطاب الديني، وتراجع عن روح الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية التي تضمن حرية الرأي والتعبير، الأمر الذي يفرض ظهور حركة إصلاحية دينية من داخل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مدعومة من العلماء والمثقفين وكل أحرار الوطن من أجل:
1. احترام المساطر القانونية عند توقيف الخطباء.
2. إلغاء العمل الإجباري بالخطبة الموحدة.
3. تمكين الموقوفين من الطعن الإداري والقضائي.
4. ضمان استقلالية المجالس العلمية عن وزارة الأوقاف.
5. فتح نقاش عمومي حول الحريات داخل الفضاء الديني.
إرسال التعليق