الدار البيضاء تبتلع في صمت: سجل الأملاك يتبخر والمسؤولون يتراشقون التهم

الدار البيضاء تبتلع في صمت: سجل الأملاك يتبخر والمسؤولون يتراشقون التهم

رصد المغرب / الدارالبيضاء

في قلب العاصمة الاقتصادية للمغرب، وبين دهاليز الجماعة الترابية الأضخم في المملكة، تتكشف فصول ما يبدو أنه أكبر فضيحة تدبيرية عرفها المشهد المحلي خلال العقدين الأخيرين.

إن “اختفاء سجل ممتلكات الدار البيضاء” لم يعد مجرد عنوان صحفي عابر، بل مؤشرا خطيرا على ثقافة التواطؤ والصمت المؤسسي، وربما التستر المتعمد على ملفات تمس صلب المال العام.

فالوثيقة المفقودة ليست ملفا إداريا عاديا، بل سجل استراتيجي يضم الحصر الكامل لعقارات المدينة، وقد أنجز بصفقة كلفت دافعي الضرائب ملايين الدراهم، بإشراف شركة الدار البيضاء للتراث ومكتب دراسات خاص.

والمفارقة هنا ، هو أن لا أحد يعرف أين ذهب السجل، ولا كيف تم التسليم بين مجالس منتخبة دون الإشارة إليه، في مشهد أقرب إلى سيناريوهات “طمس الأدلة” في الأنظمة المغلقة.

فصمت العمدة الحالية، نبيلة الرميلي، وعدم خروج الجماعة بأي توضيح رسمي حتى الآن، يضع علامات استفهام كثيرة حول نوايا سياسية محتملة وراء هذا الإخفاء.

هل نحن أمام مجرد إهمال جسيم؟ أم هناك من يخشى أن يكشف حجم التلاعب بالممتلكات العمومية؟ وهناك أسئلة خطيرة لم تعد تحتمل التأجيل.

فالمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان ومحاربة الفساد، وهي هيئة غير حكومية ، لم تتوان في قرع ناقوس الخطر، مؤكدة أن الأمر يرقى إلى “أزمة ثقة بنيوية في تدبير الشأن المحلي”، وأن غياب الوثيقة يعكس إما ضعفا مؤسساتيا مريعا ، أو وجود شبكة من المصالح لا تريد لهذا السجل أن يرى النور.

وإن صحت المخاوف حول إقبار هذا الملف، فإننا أمام واقع يهدد روح الدستور نفسه، الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة ، بل إن مصير مئات العقارات العمومية يصبح في مهب الريح، مفتوحا على كل سيناريوهات التفويت أو الاستغلال غير المشروع.

ومن العبث الحديث عن حكامة محلية أو مشاريع تنموية، في ظل عجز مجلس منتخب عن الحفاظ على سجل ممتلكاته. فكيف نثق في من لا يحفظ وثائقه؟ بل كيف نمنح أصواتنا لمن لا يملك الجرأة ليقول: “نعم، هناك خطأ جسيم، وسنحاسب المسؤول عنه”؟

إن الدار البيضاء، اليوم، ليست بحاجة إلى “بلاغات تهدئة”، بل إلى مساءلة سياسية حقيقية، ومسار قضائي نزيه، وتدخل عاجل من مؤسسات الرقابة العليا في المملكة. فالمعركة لم تعد إدارية فقط، بل أخلاقية ودستورية في عمقها.

ومهما طال الشرح والتفسير ، ففي الختام لم نعد نتحدث عن سجل ضائع، بل عن عدالة معلقة، وشفافية غائبة، وشعب يسأل: من يملك المدينة؟ ومن يبيعها في الخفاء؟

إرسال التعليق