“الداعشيات الأميركيات”.. إرهاب (السوشيال ميديا من كتاب عاشقات الشهادة حسن هنية وابو رمان

آخر الأخبار

“الداعشيات الأميركيات”.. إرهاب (السوشيال ميديا من كتاب عاشقات الشهادة حسن هنية وابو رمان

رصد المغرب 

 

مقدمة

 

تبدو أعداد الأميركيين والأميركيات المنخرطين في تأييد تنظيم الدولة الإسلامية متواضعة ومحدودة،  سواء من ذهبوا إلى سوريا، أو حاولوا، أو من اعتقلوا بتهمة تأييده في الولايات المتحدة. إذ تشير السلطات إلى أنّ نحو 250 شخصاً التحقوا أو حاولوا الالتحاق بالتنظيم، نجح منهم بالسفر ما يزيد على المائة، وقتل نحو 20 منهم[1].

بمقارنة هذه الأرقام بالأرقام الأوربية نجد بأنّ الظاهرة الجهادية- الداعشية في أوروبا أكبر حجماً، من حيث النسبة والتناسب، والانتشار والتأثير، فوفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنّ هنالك نحو 5000 أوروبي، أو مقيم في أوروبا، ذهبوا إلى أماكن القتال في سوريا والعراق.

لكن، بالرغم من الحجم المتواضع، رقمياً، للظاهرة في الولايات المتحدة، مقارنة بدول أخرى، فإنّ هنالك مؤشرات مقلقة ترتبط بارتفاع حجم النشاط والتأثير لأنصار التنظيم، وازدياد دور النساء الأميركيات، أو المقيمات في أميركا، في هذا التيار الجهادي. وتتعدد أدوارهنّ من التجنيد الإلكتروني إلى الدعاية والدعم اللوجستي، والهجرة والمغادرة إلى المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلاميّة”.

أخذ تزايدُ دور النساء أبعاداً مهمة لدى مراكز الأبحاث والإعلام الأميركية، وبيّنت دراسة صادرة عن برنامج التطرف في جامعة جورج واشنطن (في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015) أنّ من بين 71 شخصاً تمّ اعتقالهم في الولايات المتحدة بين العامين 2014-2015 على خلفيّة ارتباطهم بالتنظيم، فإنّ هنالك 10 نساء؛ بالإضافة إلى وجود 900 حساب نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، تعود لأميركيين أو مقيمين في أميركا.  وكشفت الدراسة بأنّ معدل أعمار المتأثرين بالتنظيم هو 26 عاماً، وأنّ المتأثّرين بالتنظيم ينحدرون من خلفيات اجتماعية وثقافية متنوعة ومختلفة، و يتوزّعون في العديد من الولايات الأميركية[2].

ومع أنّ ظاهرة التطرف والإرهاب ليست جديدة تماماً في الولايات المتحدة، إلاّ أنّ الدراسة المذكورة ترصد مؤشرات جديدة مقلقة مرتبطة بخصائص وسمات المتأثرين بتنظيم الدولة الإسلامية، وتتمثل في أنّهم غالباً تأثروا بالدور الحيوي للإنترنت، نتيجة للنشاط الدعائي للتنظيم، ومن ثم فإنّهم قد اتجهوا إلى التطرّف بشكل شخصيSelf- Radicalized، وأنّهم نشؤوا وعاشوا – غالباً- في الولايات المتحدة الأميركية Home Grown. ويمكن أن نضيف إلى تلك الدراسة ظاهرة المتحولين والمتحولات من الأميركيين المسيحيين إلى الإسلام بنسخته الداعشية[3].

في هذا الفصل سنقترب من ظاهرة الجهاديات- الداعشيات الأميركيات، تحديداً، لأنّ أغلب الجيل الجديد هو من المؤيدين والمناصرين لتنظيم الدولة الإسلامية؛ وليس للقاعدة. وسنحاول الإجابة على سؤال أساسي، وهو ما إذا كان الإنترنت هو العامل الرئيسي والوحيد، بالفعل،في تجنيد الأميركيات، أم أنّ ثمّة شروطاً وظروفاً هي التي تمنحه هذه السلطة الرمزيّة في التجنيد والدعاية والإقناع؟

اخترنا خمسة نماذج، في هذا الفصل،للأميركيات الداعشيات، بأدوار متعددة ومتنوعة، منهنّ من نجحت في الوصول إلى أراضي التنظيم، ومنهنّ من حاولت لكنّها فشلت، ومنهن من اعتقلت لنيتها الذهاب، ومنهنّ من تنحدر من أصول عربية وإسلامية، ومنهنّ  متحوّلات أميركيات من المسيحية إلى الإسلام.

هنالك نماذج أخرى تشير إليها مراكز مكافحة التطرف ووسائل الإعلام الأميركية، مثل كيونا ثوماس  Keonna Thomas، التي اعتقلت لدورها في التجنيد، ونيتها الذهاب إلى أراضي داعش[4].بالإضافة إلى رضوى عبد السلام، أم وقّاص، التي كانت تدرس الإعلام في سياتل، في الولايات المتحدة الأميركية، وشكّلت “عضواً فاعلاً” عبر حسابها على التويتر في الدعاية للتنظيم وإقناع الأميركيين والأميركيات بالهجرة إليه[5]. وكذلك الأمر في حالة أليكس التي كانت تحت عملية التجنيد من قبل أنصار التنظيم، وحالة الصوماليات المراهقات اللواتي تم اعتقالهن في ألمانيا، بعد أن غادروا الولايات المتحدة الأميركية في محاولة للوصول إلى الأراضي التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة في الرقة والموصل.

 

 

 

 

 

-1-

تاشفين مالك.. المرأة الغامضة!

 

صُدم سكان مدينة سان برناردينو San Bernardino، في ولاية كاليفورنيا، بأخبار المذبحة التي وقعت في مدينتهم، يوم الأربعاء، 2 ديسمبر/كانون الأول 2015، والتي أدت إلى مقتل 14 شخصاً وجرح 21 آخرين، خلال احتفال لإحدى المؤسسات الحكومية المعنيّة بالبيئة. لكن الصدمة الكبرى كانت بعد إعلان الشرطة قتل منفّذي الهجوم؛ وهما رجل وزوجته، خلال تبادل إطلاق نار، بعد ساعات قليلة من “المجزرة” التي نفّذاها.وتبين أنّ لديهما طفلة صغيرة لا يتجاوز عمرها الـ6 أشهر؛ تركاها في المنزل، مع والدة منفذ الهجوم، قبل تنفيذ العملية[6].

حظي الهجوم، الذي وصف بأنّه الأعنف في العقود الأخيرة، بعد أحداث 11 سبتمبر (قبل وقوع مجزرة أخرى خلال الأشهر الستة التالية لهذا الحادث في ملهى ليلي للمثليين في أورلاندو)[7]، باهتمام كبير من قبل الإدارة الأميركية ومكتب التحقيقات الفيدراليةـFBI،والإعلام والمراقبين، نظراً لحجم الخسائر البشرية. وبالرغم من قدرة الأجهزة الأمنية على تحليل خيوط العملية الرئيسة، ومعرفة الزوجين، سيد فاروق (أميركي الجنسية)، وزوجته تاشفين مالك (باكستانية الجنسية- تحمل الإقامة الأميركية المشروطة)، إلاّ أنّ هنالك أسئلة بقيت محيّرة للجميع، حتى تاريخ إنجاز هذا الكتاب، حول الدوافع التي أدت إلى قيامهما بهذه العملية، والطريقة التي تمّ تجنيدهما بها، ومن جنّد الآخر؛ الزوج أم الزوجة؟ ومتى تمّ ذلك؟ وكيف؟

ما يُثير الاستغراب هو الطريقة التي تمّ بها تنفيذ العمليّة. إذ قام الزوجان المنفّذان، بإطلاق النار على جمع من المحتفلين بنهاية العام، ثم لاذا بالفرار قبل أن يتبادلا إطلاق النار مع الشرطة؛ وكانا يرتديان السترات الواقية من الرصاص. وتشير التحقيقات إلى أنّهما كانا يُخططان للقيام بعمليات أكبر حجماً من تلك العملية.

وجه الغرابة – التي يشرحها خبير في ملفات الجرائم والإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية- يتمثل في وجود زوجين في العملية معاً، يتفقان ويعدّان معاً لارتكاب المذبحة، أولاً، ووجود امرأة في مثل هذا النوع من العملياتثانياً، وهي حالة نادرة في الولايات المتحدة الأميركية، ثم محاولة إظهار حياتهما بصورة طبيعية، بإنجاب طفلة صغيرة، تبعد الشبهات عنهما، بالرغم من وجود مؤشرات لدى الأمن بأنّ نواياهما بتنفيذ العملية كانت مبكّرة، منذ زواجهما، وربما منذ ارتباطهما بالخطبة[8].

وبالرغم من أنّ تاشفين مالك ليست أميركية، ولم تعش طويلاً هناك (وصلت الولايات المتحدة قبل قرابة عام وبضعة أشهر)، إلاّ أنّنا نصنّف هذه العملية ضمن الحالة الأميركية، لأنّ مسرح العملية هو الولايات المتحدة الأميركية، أولاً، ولأنّها كانت تقيم هناك، ثانياً، ولأنّه لا توجد دلائل مغايرة على “تجنيدها” في أماكن أخرى، ثالثاً، ما يجعل اختيار الولايات المتحدة لاعتبارات المكان، وكذلك لأنّ زوجها وشريكها في العملية هو أميركي الولادة، والتنشئة والحياة.

 

لغز تاشفين!

بالعودة إلى تاشفين مالك، فلا توجد تفاصيل دقيقة عن شخصيتها، ولا عن حياتها الاجتماعية، ولا عن أسرتها الصغيرة، التي رفضت التحدث عموماً إلى الإعلام. وكل ما هو متاح من معلومات هو أنّها باكستانية، وابنة لأسرة ثرية، من ملاّكي الأراضي، وُلدت في مدينة كارور لال ايسان، والتي تقع على بعد 480 كم، في الجنوب الغربي للعاصمة إسلام آباد[9].

وُلدت تاشفين في باكستان في 14يوليو/ تموز 1986، لكن والدها غادر مع أسرته للعمل في السعودية، في الأعوام الأخيرة من مدرستها. ثم انقطعت علاقتهم بعائلة والدته الكبيرة (نتيجة خلاف في الميراث)، وعادت تاشفين إلى مدينة مولتان Multan، في وسط باكستان في العام 2007، لتدرس الصيدلة في جامعة بهاء الدين زكريا هناك، وبقيت إلى أن تخرّجت في العام 2012[10].

لم تُعرف تاشفين، خلال تلك الفترة بآراء متطرفة، بل تذكر إحدى زميلاتها، بأنّها كانت تمضي وقتاً طويلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، والدردشة، ولا تصلي الصلوات الخمس. فيما يذكر أحد أساتذتها بأنّها كانت ترتدي الحجاب، ولا تبدو عليها آثار التطرف، وهي خجولة، ومشغولة في الدراسة في أغلب الأوقات. بينما يصفها آخرون بأنّها كانت انطوائية خلال تلك الفترة.

في العام 2013 سجّلت تاشفين في معهد الهدى الدولي، وهو معهد معروف في مولتان، يدرس العلوم الدينية للطالبات، ويتّسم بالفكر المحافظ، وإن كان مسؤولوه يؤكدون بأنّه لا يحث على العنف ولا يشجّع عليه. واستمرت تاشفين بارتياد المعهد في الفترة ما بين أبريل/نيسان 2013 إلى مايو/ أيار 2014، لكنها لم تتابع حضورها، لأنّها سافرت إلى السعودية للزواج بالسيد فاروق خلال تلك الفترة[11].

بدأ بعض أصدقائها يلاحظون علامات التشدد الديني عليها في السنة الأخيرة لها في باكستان، إذ ارتدت الخمار، غطاء الوجه، بعد أن كانت تكتفي بالحجاب، وأصبحت أكثر حدّة في آرائها الدينية، وكانت تمضي أوقاتاً طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفق هذا التقدير الزمني فإنّ هذه العلامات ظهرت بعد تعرّفها على سيد فاروق على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعزز فرضية أنّ الاثنين تبادلاً تعزّيزهذه الأفكار الجهادية بشكل مشترك، بنوع من التأثير المتبادل[12].

فوفقاً للتحقيقات الأميركية فإنّ تاشفين تعرّفت على رضوان السيد فاروق (مواليد 13/7/1987) في أوائل العام 2013، من خلال موقع تواصل اجتماعي للراغبين في الزواج (iMilap.com)، وأنّهما التقيا شخصياً في السعودية، خلال رحلة الحجّ، التي قام فاروق بها أواخر ذلك العام. ثم إنّه عاد إلى السعودية في بداية العام 2014، وقام بالزواج من تاشفين، في حفل إسلامي في السعودية. ثم عندما أتم إجراءات تأشيرة الزيارة (الفيزا) لها، انتقلت معه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وأقاما حفلاً  صغيراً (في شهر آب/ أغسطس 2014) لإشهار الزواج، في المركز الإسلامي River Side Islamic Center، المجاور للأحياء التي عاش فيها فاروق، منذ طفولته إلى عمله؛ وحتى لحظة تنفيذ العملية، التي تمّت أيضاً في الجوار[13].

لم تختلط تاشفين بالمجتمع المحلي كثيراً. ولاحظ مدير المركز الإسلامي، الذي شهد زواجهما، أنّ زوجها فاروق، كان يداوم على الصلاة يومياً في مسجد River Side، في حين وُصفت تاشفين بأنّها كانت ربّة منزل خجولة، محافظة، وعاشت في منزل مع والدة فاروق، التي كانت تسكن في جزء مستقل من المنزل. وأنجب الزوجان طفلتهما في منتصف العام 2015، أي قبل قرابة 5 أشهر من تنفيذ العملية[14].

 

من جنّد من؟!

ما يزال السؤال المتداول في محاولة استكشاف الفجوات المفقودة في قصة تاشفين وفاروق وعمليتهما الإرهابية هو: من جنّد الآخر منهما؟

هنالك من يتحدث عنها بوصفها هي من قام بتجنيد زوجها، والتأثير عليه، والمشاركة في التخطيط للعملية، نظراً لاشتراكها في العملية، والتزامها الديني، والمدة القصيرة التي أمضتها في أميركا مع زوجها.

وفي المقابل، فإنّ من يعيد قراءة الظروف المحيطة بحياة فاروق، سيجد بأنّه من مواليد الولايات المتحدة الأميركية، ولد في شيكاغو، وأنهى البكالوريوس في البيئة من جامعة كاليفورنيا، في العام 2007، ثم عمل مباشرة بقسم الصحة العامة، مفتشاً للغذاء، وتمّ تثبيته بوظيفته في مرحلة لاحقة، فحياته بأكملها كانت في الولايات المتحدة.

حاول فاروق إكمال دراسة الهندسة البيئة، لكنه سجل لمدة محدودة ولم يكملها، وكان محافظاً على الصلاة، ومن هواياته الرماية. لكنه عاش طفولة مضطربة، بسبب العنف المنزلي الذي كان والده يمارسه تجاه والدته، وتشير بعض التقارير الصحافية (استناداً إلى أوراق قضائية) إلى أنّ والده كان مدمناً على الكحول، مما أدى إلى مشكلات عائلية عديدة، وإلى علاقة غير مستقرة بين فاروق ووالده. وقد هربت أمّه مع أبنائهاالثلاثة من المنزل، ما يفسّر لنا لماذا والدته كانت تعيش معه ومع زوجته في منزل مستأجر من طابقين، فهي لم تحصل على الطلاق، لكنّها كانت منفصلة قانونياً عن أبيه، منذ العام 2009[15].

وكان فاروق، بالرغم من التزامه في المسجد، بعيداً عن أي علاقة وثيقة بالجالية المسلمة هناك، وفق بعض الشهود، وكان والده قد تنصّل من تصريحات لصحيفة إيطالية (بعد الحادثة) ذكر فيها أنّ ابنه يشارك تنظيم الدولة الإسلامية أيديولوجيته[16].

ومع أنّ تنظيم الدولة الإسلامية أعلن مسؤوليته عن العملية، وذكر في بيان له بأنّ منفذيها فاروق وتاشفين هما من أنصار الدولة الإسلامية[17]، إلا أنّ وصفه لهما بـ”الأنصار” يتضمّن بأنّهلم يعتبرهما أعضاء رسميين، وفيه إشارة إلى “استلهامهما” أفكار التنظيم، خاصّة وأنّ المحققين لم يجدوا روابط أو أدلة قوية تؤكد بأنّهما تلقيا تعليمات خارجية، أو نسّقا العملية مع تنظيم الدولة أو طرف آخر.

الملاحظ أنّه بعد مرور أكثر من عام (حتى تاريخ كتابة هذا الفصل) على تلك العملية، فإنّ التنظيم لم ينتج أفلاماً خاصة عن منفّذيها، كما حدث في عمليات أخرى، وقعت في أوروبا مثلاً. ولا يوجد ما يثبت علاقتهما الرسمية بتنظيم الدولة، سوى إعلان تاشفين قبل مقتلها، عبر حساب آخر على موقع الفيس بوك، مبايعتها لزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، ما يؤكّد فرضية أنّهما قاما بالعمليّة بصورة اختيارية، أو على طريقة “الذئاب المنفردة”[18].

إلاّ أنّ مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية الـFBI، جيمس كومي، ذكر لاحقاً في تصريحات مهمة، وهي الأكثر قرباً من التحليل المنطقي لحالة تاشفين مالك، أنّ النتائج التي توصل إليها المحققون، تميل إلى أنّ تاشفين مالك والسيد فاروق،قد تبنّيا، كلّ على حدة،الأفكار الراديكالية عبر شبكة الإنترنت، بصورة ذاتية Self-Radicalized، وأنّهما تعارفا على بعضهما في بدايات العام 2013، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي للراغبين في الزواج، واكتشفا أنّهما يحملان الأفكار الجهادية نفسها، وذلك قبل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وإعلانه الخلافة لاحقاً[19].

تبدو هذه الفرضية متسّقة مع ما هو متاح من المعلومات عن شخصيتهما، فكلاهما متديّن، محافظ، ومن الواضح أنّ التفاهم على الأفكار الجهادية بينهما، بدأ منذ تواصلهما عبر الإنترنت في العام 2013.

مع ذلك، فإنّ هذه الفرضية لا تجيب على أسئلة رئيسة عن تاشفين مالك وحالتها، ما الذي نقلها إلى الفكر المتشدد، هل هي المواقع الجهادية؟ أم هي ظروف موجودة في الباكستان أو السعودية، وكلاهما دولتان معروفتان بانتشار الجهاديين ونشاطهم الملحوظ؟!

 

الاقتراب من النموذج

بالعودة مرّة أخرى إلى تاشفين ونشأتها وحياتها وتعليمها؛ فلا يزال الغموض يُحيط بمفاصل كثيرة من حياتها يحول بيننا وبين رسم صورة قريبة عن هذا النموذج وفهمه، فنحن نتحدث عن فتاة باكستانية، من عائلة ثرية، درست الصيدلة، انتقلت أسرتها من باكستان إلى السعودية، ثم عادت وهي في الـ21 من عمرها إلى باكستان للدراسة في الجامعة. وهناك، لم تظهر أي أنشطة متطرفة، لكنّها كانت انطوائية، وفق بعض الأوصاف.

لا توجد سجلات أو وثائق تدينها بالتشدد أو الإرهاب في السعودية، أو باكستان. وحتى عندما قدمت لتأشيرة الدخول للولايات المتحدة، وللحصول على الإقامة الدائمة لاحقاً (وكانت قد حصلت عليها قبل شهور من تنفيذ العملية) لم يظهر في سجلاتها الأمنية أي إشارات أو علامات تطرّف تجعل الموظفين يترددون في منحها الإقامة؛ فكل شيء كان يبدو طبيعياً أو كما لخص والدها محاولاً تفسير ما حدث لها بـ”العلم عند الله”![20]

من الواضح، إذاً، أنّ التغيّر بدأ عملياً في العام 2013، وتعزّز مع تعرّفها على فاروق على شبكة التواصل الاجتماعي، وكان الاثنان قد بدءا الطريق نحو الراديكالية؛ ولو كان هنالك اختلاف بينهما، لما جرى التوافق السريع، حتى وصلا – كما توصلت تحقيقات المباحث الفدرالية- إلى الحديث عن الجهاد، قبل أن يخطبا رسمياً، ويتزوجا![21]

لا تزال ثمّة “حلقة مفقودة” مرتبطة بشخصية تاشفين؛ فيما إذا كانت هي الطرف الأقوى، الذي أثّر على فاروق، وأقنعه بالقيام بالعملية، وفرضت شخصيتها عليه، أم أنّه كان الطرف الأقوى في المعادلة، وأقنعها بتنفيذ العملية، ورتّب لها، وأقحم زوجته فيها؟!

 

 

[1]Ilana Freedman. Jihad: Understanding the Threat of the Islamic State to America. The Center for Security Policy, Pennsylvania, 2016, p93-95.

[2]Lorenzo Vidino and Seamus Hughes, Isis in America: From Retweet to Raqqa, Program on Extremism, the George Washington University, December 2015, p ix (the executive summary). And p7.

[3]Ibid p 2-5.

[4]http://www.counterextremism.com/extremists/keonna-thomas

[5]Rawdah Abdisalaam identified as Seattle college student recruiting for ISIS, the global dispatch, 15 May 2015. At:

http://www.theglobaldispatch.com/rawdah-abdisalaam-identified-as-seattle-college-student-recruiting-for-isis-11447/

and: Erica Wenig, Fun-Loving, American Girl Is Probably A Prolific Undercover Agent For ISIS, Daly Caller, 29 April 2015. At:

http://dailycaller.com/2015/04/29/fun-loving-american-girl-is-probably-a-prolific-undercover-agent-for-isis-investigation/

and: Senior female ISIS agent unmasked and traced to Seattle, counter jihad report, 30 April 2015. At:

https://counterjihadreport.com/tag/rawdah-abdisalaam/

 

 

 

[6] انظر: عام على هجوم سان برناردينو.. واشنطن تكافح لمنع هجمات “الذئاب المنفردة”، الشرق الأوسط اللندنية، 2 ديسمبر 2016.

[7]مقتل 50 شخصا في مجزرة فلوريدا والمنفذ أفغاني، رويترز، 12يونيو2016.

[8]  Tashfeen Malik: who was the ‘shy housewife’ turned San Bernardino killer?, The Gurdian, 6 December 2015. At:

https://www.theguardian.com/us-news/2015/dec/06/tashfeen-malik-who-was-the-shy-housewife-turned-san-bernardino-killer

[9] Pat St. Claire, Greg Botelho and Ralph Ellis,San Bernardino shooter Tashfeen Malik: Who was she?, CNN, 8 December 2016. At:

http://edition.cnn.com/2015/12/06/us/san-bernardino-shooter-tashfeen-malik/

[10]Turkewitz, Julie; Mueller, Benjamin“Couple Kept Tight Lid on Plans for San Bernardino Shooting”. The New York Times. Retrieved December 3, 2015.

[11] Pat St. Claire, Greg Botelho and Ralph Ellis,San Bernardino shooter Tashfeen Malik: Who was she?, op. cit

[12]Shashank Bengali and Aoun Sahi, Where San Bernardino shooter Tashfeen Malik went to school to learn about Islam, Los Angeles Times, 7 December 2015. And From ‘housewife’ to mass shooter: Friends say Tashfeen Malik’s life took a devout turn, The Associated Press, 6 December 2015.

[13] Masood, Salman; Walsh, Declan, “Tashfeen Malik Attended Conservative Religious School in Pakistan”. The New York Times, 7 December 2015.

[14] Thomas, Dexter, “San Bernardino shooting suspect stopped attending mosque two years ago”. Los Angeles Times.13 December 2015. And:

From ‘housewife’ to mass shooter: Friends say Tashfeen Malik’s life .took a devout turn, op.ci. at:

http://mashable.com/2015/12/06/tashfeen-malik-san-bernardino-shooter-religious/#HN.JfIOGH8qw

[15] Glum, Julia “San Bernardino Suspect Syed Farook’s Troubled Childhood: Father Was Alcoholic, Mother Alleged Domestic Abuse In Court Papers”. International Business Times, 3 December  2015.

[16] Hamilton, Mattm, “San Bernardino shooting suspect endured turbulent home life, according to court documents“. Los Angeles Times. Retrieved, 2 December 2015.

[17] ثم عادت إذاعة البيان الناطقة باسم التنظيم لوصفهما بأنّهما من جنود الدولة، مما تسبببغموض لدى المحقيين الأميركيين حول العلاقة الدقيقة بينهما وبين التنظيم.

[18] Doug Stanglin and Kevin Johnson, FBI: No evidence San Bernardino killers were part of a cell, USA TODAY,5 December 2015.

[19] Baker, Al; Santora, Marc, “San Bernardino Attackers Discussed Jihad in Private Messages, F.B.I. Says”.The New York Times,15 December 2015.

[20] Richard A. Serrano, Brian Bennett and Corina Knoll, Father of San Bernardino shooter Tashfeen Malik condemns daughter’s actions, Los Angeles Times, 10 December 2015. At:

http://www.latimes.com/local/lanow/la-me-father-san-bernardino-shooter-tashfeen-malik-condemns-daughters-actions-20151210-story.html

[21] Adam Goldman, Mark Berman and Missy Ryan, San Bernardino shooter’s former neighbor who  bought rifles is cooperating with authorities, The Washington Post, 10 December 2015.

إرسال التعليق