آخر الأخبار

الدكتور عبدالحفيظ الريح: الاحتجاجات ليست سوى مرآة لأزمة قيم وحكامة في المغرب.

الدكتور عبدالحفيظ الريح: الاحتجاجات ليست سوى مرآة لأزمة قيم وحكامة في المغرب.

رصد المغرب/حوار انجزه نعيم بوسلهام 

يُعدّ الدكتور عبدالحفيظ الريح واحدًا من أبرز الوجوه الأكاديمية الشابة في المغرب، يشتغل أستاذًا للفلسفة والمنطق بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث يجمع بين التحليل الفلسفي الرصين والرؤية النقدية العميقة للواقع المغربي. تتنوع اهتماماته بين الفلسفة والمنطق والخطابة والبلاغة، إلى جانب انشغاله الدائم بقضايا الفكر الإسلامي والنقد الحضاري.

من خلال مساره الأكاديمي ومداخلاته الفكرية، استطاع الدكتور الريح أن يكوّن لنفسه منهجًا تحليليًا يمزج بين الفلسفة والسياسة والاجتماع، وهو ما يتجلى في مقاربته الأخيرة للاحتجاجات التي يشهدها المغرب، والتي يعتبرها حدثًا لحظيًا غير مؤثر في حد ذاته، لكنه يعكس عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة والمجتمع معًا.

يرى الدكتور الريح أن هذه الاحتجاجات، مهما بدت عفوية، تستند إلى مبررات اقتصادية واجتماعية وسياسية متراكمة، ناتجة عن التهميش، وارتفاع البطالة، وغياب الحكامة، واتساع رقعة الفساد الذي تحوّل بعضه إلى فساد “مقنّن” ينخر مؤسسات الدولة ويجعلها صورية تديرها شبكات نفوذ اقتصادي أكثر منها سياسية.

وفي تحليله الأعمق، يعتبر أن ما يعيشه المغرب لا يمكن فصله عن السياق الدولي وتشابك العلاقات مع القوى والمؤسسات العالمية، مما يجعل أي تدبير داخلي رهينًا بتوازن دقيق بين الحفاظ على السيادة والهوية الوطنية من جهة، والتفاعل الذكي مع الوسط الجيوسياسي والاقتصادي الدولي من جهة أخرى.

ويحذر الدكتور الريح من أن الخطر الحقيقي الذي يتهدد المغرب ليس غضب الشارع فحسب، بل “ورم القيم الخبيثة” الذي بدأ يفكك النسيج الاجتماعي ويغذي الأنانية والعزلة والتفرد، داعيًا إلى طفرة سياسية وأخلاقية موازية للطفرة الاقتصادية، تقوم على إيقاظ الضمير وإعادة بناء الإنسان كمواطن مسؤول قادر على احترام ذاته قبل احترام غيره.

وفي هذا الحوار، يقدّم الدكتور عبدالحفيظ الريح قراءته الفكرية والسوسيولوجية لاحتجاجات جيل Z من خلال الإجابة يخلص الأستاد الريح أن احتجاجات الشباب تخفي أزمة قيم وتفككًا اجتماعيًا قد يهدد تماسك الدولة في المستقبل.

إليكم قراءة الأستاذ عبدالحفيظ الريح حول احتجاجات شباب جيل زد كما توصل بها الموقع :

بالرغم من أن ما جرى ويجري من احتجاجات حدث لحظي غير منتظر وغير مؤثر، فإن أي احتجاج كيف ما كان سيكون له مبرراته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لبعض ما يعاش من تراكم حجم التهميش وارتفاع البطالة وغياب الحكامة واتساع رقعة الفساد الذي أضحى بعضه مقننا وينخر جسم مؤسسات الدولة ويفقدها روحها ليجعل منها مؤسسات صورية يدبرها أشخاص ذووا نفوذ اقتصادي وليس سياسي، وهو ما يزكي مقولة: أصول الريع توجد في التشريع.
لكن الواقعية السياسية تقتضي النظر للوقائع المنظور إليها لا كنتيجة لما يحدث داخليا ويشخص، لأن كل ما يعيشه المغرب من أحوال اجتماعية واقتصادية غير منفصل عن الخارج كسياق دولي مؤسس على علاقات متداخلة مع مؤسسات دولية ودول عظمى ذات أهداف استراتيجية، فناتجنا الإجمالي لا يتجاوز 135 مليار دولار بالرغم من الطفرة الاقتصادية التي يجمع الكثير على تحقيقها داخل بلدنا، وهو رقم كفيل بقراءة حجم التأثير السياسي الداخلي والخارجي، وبالتالي فأي حكومة تدبر يفترض فيها قراءة هذه الأوضاع الجيوسياسية والتعامل بحكامة مع تلك المؤثرات الخارجية بردود أفعال ذكية تستطيع من خلالها عدم التفريط في استقلالية الوطن وعناصر هويته التي أضحت نقطة مهمة عند المواطن المغربي، وفي الوقت نفسه ملاعبة هذا الوسط الجيوسياسي والاقتصادي المليء بالمتغيرات التي ينبغي إجادة قراءتها وفق ميزان الوسطية والاعتدال الذي يقتضي عدم الإضرار بالمصالح العليا للوطن والشعب سواء في هويته اللغوية أو الدينية أو الثقافية أو الأمنية، في مقابل تقديم إرضاءات كفيلة بتوسيع حجم الاستثمارات ورفع حجم الناتج الوطني الإجمالي والسير بشكل متدرج، كل ذلك لن يتأتى، في نظري، دون وجود إرادة سياسية حقيقية خالية من اللامبالاة أو المكر والخداع أوالانحناء للعاصفة،حيث تكون الغاية إحلال التحكم محل حكامة الحكم وما تقتضيه من توزيع للسلط وعدم التدخل فيها.
هنا نكون قد بسطنا بشكل عام ومركز المصادر الكبرى للخلل في التدبير بالمغرب، وهو ما ينعكس سلبا على معظم القطاعات الخدماتية والاجتماعية بالبلاد، ومن أبرزها قطاعي التعليم والصحة اللذان يطالب جيل Z بإصلاحات كبرى داخلهما، علما أنه لا يفقه قدرا كبيرا من مشاكلهما ولا عمق تلك المشاكل وتاريخها. فالاحتجاج على الصحة والتعليم بالضبط فيه نوع من منطقة الاحتجاج، لإخفاء الأسباب الحقيقية وراءه، لأنه في العمق تعبير عن قضايا مسكوت عنهاوذو تكلفة باهضة، فجعل التعليم والصحة يافطة للاحتجاج هو ذهاء سياسي، ما يعكس أن هذا الجيل غير المتحكم فيه وهذا النوع من الاحتجاجات غير المؤطرة هو تحصيل حاصل لسياسة إضعاف مؤسسات المعارضة الجادة، بل وغياب المسؤولية الحقة عن بعض أفراد ومؤسسات هذه المعارضة، وفي الوقت نفسه إنذار باحتجاجات مترامية ومتعاقبة في المستقبل من جيل يقرأ كثيرا عن الخوف ولا يخشاه، فهو جيل على وعي بكثير من الأمور التي تقع في العالم الافتراضي لكن ليس له تكوين متين فيما يخص الواقع الحقيقي، مما قد يجعله عرضة للاستغلال من أعداء الوطن في الداخل والخارج.
صحيح أنه يلزمنا طفرة سياسية كما هو الحال مع ما يقع في الاقتصاد، لكن ما هو مستعجل تحقيقه كطفرة هو إيقاظ الضمير وتحقيق انقلاب في القيم الحالية التي أضحت تباعد أفراد المجتمع وتوسع عزلتهمبتبني مبادئ التفرد والأنانية، ولذلك على الدولة أن تدرك أن ورم القيم الخبيثة هو ما قد يفككها في المستقبل، وأول مدخل للوقاية منه هو تحديد برنامج لبناء فرد قادر على احترام نفسه قبل احترام غيره من الأشخاص والأشياء والمبادئ والقواعد، وهو مما لا يتأتى دون دراسة اجتماعية جادة تقدم فهوما عميقة للظواهر القيمية المغربية، لإعادة بناء الفرد كمواطن، بعيدا عن الاستنساخات المعاقة التي يتم إسقاطها دون مراعاة البيئة والوسط واختلافات الطبع والوعي والجذور التاريخية والأوساط الجغرافية وغيرها…
هل يمكن أن نحقق إنجازا حقيقيا واستراتيجيا له أفق مستقبلي بالمرتبة 110 في التعليم من أصل 182؟ ألا تعد مؤسسات التربية والتعليم بهذا الترتيب معطوبة؟ ونتائجها ستكون وخيمة بعد عقد أو عقدين إذا ظلت الأمور على حالها أو زادت سوء؟

إرسال التعليق