الدلاح للمواطن والإتلاف للفلاح… والاستثناء للمسؤول؟
في خطوة أثارت الكثير من الجدل والاستفهام، قامت سلطات إقليم طاطا بإتلاف محاصيل “الدلاح” بعد صدور قرار رسمي يمنع زراعته بدعوى ندرة المياه. القرار في ظاهره يحمل نية حماية الفرشة المائية، لكن في باطنه، أخرج للسطح أسئلة حارقة عن انتقائية التطبيق، وعن من تستثنى حقوله من الحرق وتروى أراضيه بالصمت الإداري.
فرغم الاعتراف الصريح بأن “الدلاح” من أكثر الزراعات استهلاكا للماء، فإن المتتبعين لاحظوا أن المقص الذي قطع أرزاق الفلاحين البسطاء لم يقترب من ضيعات كبار المسؤولين، بل ظل بعيدا عن الحقول التي تعود لملاك نافذين، محصنة بأسوار من النفوذ لا تخترقها قرارات التقنين.
والغريب أن الأراضي الممتدة لزراعة “الأفوكادو”، الأكثر استنزافا للماء من الدلاح، ما تزال خضراء صامتة، وكأنها محمية ليس فقط بالري بالتنقيط، بل أيضا بالسكوت الرسمي. هذه المفارقة تطرح سؤالا مباشرا: هل حماية الموارد الطبيعية تمر عبر التمييز الطبقي؟ وهل تحولت قوانين الطوارئ البيئية إلى أداة انتقائية تسلط على من لا سند لهم؟
فاقتصاديا، كان الفلاح الصغير يبحث في “الدلاح” عن فرصة رزق موسمية تعوضه عن ضعف باقي المواسم، لكن القرار حول حلمه إلى رماد. في المقابل، لم تتأثر استثمارات “الكبار” لا بالأوامر ولا بالجفاف. هكذا، تتحول التدابير البيئية إلى سياسات إقصائية، تسوق للعدالة المناخية بينما تطبق ظلما طبقيا.
وسياسيا، ما وقع في طاطا ليس مجرد قرار تقني، بل تمرين على موازين القوة في المغرب القروي. تمرين يظهر أن اليد التي تملك القرار لا تطبقه على نفسها، وأن شعار “ترشيد المياه” قد يصبح ذريعة لضبط السوق والفلاح، وليس إنقاذ البيئة.
ختاما ، من حق سكان طاطا أن يسألوا: لماذا يمنع علينا الدلاح ويترك للآخرين لافوكا؟ ومن الذي قرر أن الماء للمسؤولين، واليابس للفلاحين؟
إرسال التعليق