الرد على شبهة “وَاضْرِبُوهُنّ”

آخر الأخبار

الرد على شبهة “وَاضْرِبُوهُنّ”

رصد المغرب/محمد الحسن وادي الرحمة  

يتوهم بعض العلمانيين و الملاحدة و النصارى أن الإسلام وقف ضد المرأة حينما سمح لزوجها بضربها بصريح القرآن الكريم:{وَاضْرِبُوهُنَّ} واعتبروا ذلك تحيزا واضحا وتحريضا ضد المرأة و أنه ظلم لها !
لا شك أن مقولة كهذه لا تصدر إلا من جاهل بواقع الفقه و أحكامه، لأن دين الإسلام أكد وجوبا على معاشرة الزوجة بالمعروف{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وحرم الاساءة إليها و الإضرار بها تحريما قاطعا، بل حتى في حالة الخيانة الزوجية لا يجيز له إمساكها و الإضرار بها حتى تفتدي منه، و يخيره بين اللعان و الطلاق و الإمساك بالمعروف على مشهور مذهب مالك، استنادا إلى عمومات من كتاب الله.
وفي حالة الاساءة إليها و الإضرار بها، يعطيها الفقه الحق الكامل في طلاق نفسها إذا كان الإضرار بها بغير وجه شرعي ولو مرة واحدة…
لقد جاء الإسلام ثورة على ما تعانيه المرأة من خسف وظلم فقال عليه السلام: “رفقا بالقوارير” (1) وقال:”استوصوا بالنساء خيرا” (2) والنبي بنفسه لم يضرب بيده امرأة ولا خادما طوال حياته كما جاء في الحديث الصحيح (3) ، بل ونهى إحدى الصحابيات عن الزواج برجل لأنه كثيـــــر الضـــــــرب: “لا يضع عصاه عن عاتقه” (4) ، فكيف يتصور أن هذا الدين الذي نهى عن تعذيب الطير وحرق النمل وسب الديك، أن يكون هو نفسه الذي يأمر الرجل بضرب زوجته بما شاء وكيف شاء؟؟ !!
في حالة نشوز أحدهما على الآخر و تمرده عليه و اهمال واجباته نحوه، و التقصير في حقوقه أو الامتناع من أدائها إليه، يوصي الفقه بوعظ الناشز منهما: (الرجل و المرأة) ثم هجرانه، إذا لم ينفع ذلك، ينتقل إلى الضرب الخفيف غير المبرح وهذا أخر ما يحتكم إليه حرصا على حفظ كيان الاسرة و شئونها، وهذا في حالة إذا كان يرجى منه النفع و إلا منع، أخذاً في هذا الترتيب بقوله تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} و تطبيقا للقاعدة الأصولية أن كل فعل لا يحقق الهدف من مشروعيته لا يجوز شرعه، ولابد من بيان معنى الضرب هنا، فقد بينت لنا السنة المطهرة حالة من الحالات النادرة التي يلجأ فيها الزوج إلى إجراء الضرب الخفيف مع بيان كيفيته فقال عليه الصلاة والسلام:” وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ” (5) وهذا بغض النظر عن الجدال الفقهي الدائر حول آلة وأداة هذا الضرب الخفيف بين قائل هي: السواك، وقائل بأنه طرف الثوب، والضرب بإحدى هاتين الأداتين لا يخدش جلدا ولا يترك أثرا، مع ضرورة اجتناب الوجه والأماكن الحساسة لورود النهي عن ذلك:” وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ” (6)
لقد وقعت أعين هؤلاء على ظاهر الآية فاتهموا الفقه بالذكورية و صرح بعضهم بالفراغ التشريعي في هذا الموضوع، وهذه سطحية بالغة في الفهم، لقد خفي عنهم أن الرجل الناشز كالمرأة الناشزة أيضا، باعتبار النشوز في حد ذاته معصية تستحق التأديب عليها، و عمل من شأنه تهديد استقرار الزوجية بقطع النظر عن الناشز من هو، لذلك يجب وضع حد له وكبح جماح الناشز بالطرق المنصوص عليها مع فارق بسيط و هو أن الزوج الناشز على زوجته المتعدي عليها يقوم الحاكم مقام الزوجة في تأديبه، يعظه أولا، فإن لم ينفع أمرها بهجره في المضاجع، فإن لم يفد عاقبه الحاكم بالضرب باجتهاده أمام الناس ليكون أردع له و أزجر لغيره، جاء في مختصر خليل “ويتعديه زجره الحاكم” (7)
و نذكر هنا أن خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها لما شكت زوجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت سورة من القرآن باسمها ومن أجلها (سورة المجادلة) تنصرها وتؤيدها وتأمر زوجها بالكفارة (بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) فقط لأنه قال لها كلمة آذتها، وهي: “أنت علي كظهر أمي”.
ومع ذلك كله بينت الشريعة أن الأفضل والأمثل هو ترك الضرب، لقوله صلى الله عليه وسلم: “وَلَــنْ يَضْــرِبَ خِيَارُكُمْ” (8) ولذلك ذكرت الآية حلا آخر هو استدعاء حكمين من كلا الطرفين:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فكما ترون: ليس في الأمر تحيز وتحريض ضد المرأة أو ظلم لها، وقد نهى الله عن ذلك في نفس آية الضرب:{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} أي:” لا تطلبواْ لهن الأذى” (9)، ولا شك إذن أن مقولة كهذه تثير السخرية و تدل بوضوح ما تخبط به خصوم الإسلام من افلاس و ارتباك، و ما يتصفون به من جهالات متراكمة بعضها فوق بعض، و الله المستعان و عليه الاتكال.

إرسال التعليق