الطريقة البوتشيشية بين الموروث الصوفي والوصايا الغامضة

آخر الأخبار

الطريقة البوتشيشية بين الموروث الصوفي والوصايا الغامضة

رصدالمغرب / مصطفى شكري


تُقدَّم الطريقة البوتشيشية في المغرب على أنها امتداد لسلسلة من الطرق الصوفية ذات الجذور المغاربية، ترفع شعار التربية الروحية وتهذيب النفس. غير أنّ الوقوف عند وصايا شيوخها، وخاصة ما نُقل عن جمال الدين البوتشيشي في وصيته إلى منير البوتشيشي, يفتح باب التساؤل حول طبيعة المرجعية التي تحكم هذا الكيان الصوفي.

في تلك الوصية، يتردد السؤال البلاغي اللافت: «ماذا عندكم؟ أتقسمون رحمة الله؟» وهو سؤال يفضح، في عمقه، وجود نزعة احتكارية للبركة و”سر الله” داخل دائرة مغلقة، وكأنّ الفضل الإلهي يُورَّث كما تُورَّث العقارات والأموال. يضيف الوصي ما يشبه التبرير العقائدي: «هل سر الله يُورَّث من الأب إلى الابن؟»، وهو طرح يعيدنا إلى فكرة النسب الروحي المزعوم الذي تتوارثه بعض البيوتات الصوفية، حتى ولو افتقر إلى أي سند شرعي واضح.

إنّ هذا النمط من الخطاب يختلط فيه الديني بالموروث الشعبي والعرفي، حيث يتم التعامل مع الرسالة المحمدية – التي هي في أصلها رحمة عامة للعالمين – وكأنها ملكية خاصة لطائفة أو بيت أو شيخ. فيتحول الدين إلى إرث عائلي، وتتحول البركة إلى “علامة تجارية” روحية، تُمنح لمن يُرضي الشيخ أو يحافظ على الولاء للطريقة.

وإذا نظرنا إلى واقع هذه الطريقة اليوم، نجد أنها مثل كثير من الفرق الصوفية الأخرى، تعيش في عزلة شبه تامة عن قضايا المجتمع المغربي الحقيقية. ينغمس أتباعها في حلقات الأذكار المغلقة، وفي حياة تتمحور حول الترف المادي والولائم والجلوس في التروشة، حتى غدت رسالتهم الفعلية هي الأكل والشرب والتمتع، وكأن هذا هو الدين الذي جاء به محمد ﷺ! بينما الحقيقة أن الرسول ﷺ لم يأتِ بدين انعزال ولا بدين رفاهية منفصلة عن هموم الأمة، بل جاء برسالة جهادٍ وعملٍ وإصلاحٍ في الأرض، ودعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمع.

ثم نسأل البوتشيشيين مباشرة:

وماذا تقولون أيها البوتشيشيون في الجهاد؟

وما موقفكم من أحداث غزة حيث يُقتل الأطفال وتُدك البيوت على رؤوس ساكنيها؟

وماذا تقولون في الصهاينة واليهود الغاصبين لأرض فلسطين؟

لماذا لم نسمع صوتكم ولم نقرأ لكم موقفًا واضحًا؟

هل تخافون أن يُفتح عليكم باب الجحيم في الدنيا إن تكلمتم؟ أم أنكم ترون أن الدم الفلسطيني لا يدخل في حساباتكم الروحية المغلقة؟

إنّ إشكالية الطريقة البوتشيشية لا تكمن فقط في الممارسات، بل في البنية الفكرية التي تؤسس لفكرة الوساطة المطلقة بين المريد وربه، وتربط الفيوضات الإلهية ببيعة شخصية لأحد الأشخاص، بدل أن تكون علاقة مباشرة بين العبد وخالقه كما جاء في نصوص الكتاب والسنة.

وهنا يحق لنا أن نسأل:

هل الدين الحنيف جاء ليُختزل في تقاليد وعرافات؟

هل البركة تُباع وتُشترى أو تُورَّث بالدم والنسب؟

وأي مسوغ شرعي يسمح بأن تتحول رسالة محمد ﷺ من رحمة شاملة إلى ميراث مغلق على بيت أو طريقة؟

بيان مفتوح إلى أتباع الطريقة البوتشيشية

أيها البوتشيشيون،

إن كنتم تزعمون أنكم على طريق محمد ﷺ، فاعلموا أن هذا الطريق لم يكن يومًا طريق الصمت عن الحق، ولا طريق الانزواء في الزوايا بينما الأمة تُذبح من الوريد إلى الوريد. لقد جاء الرسول ﷺ بالحق ليُعلنه في وجه الطغاة، وليقف مع المظلوم، وليدفع الظلم عن المستضعفين، وليقول كلمة الحق ولو كره الكافرون.

ألا تعلمون أن صمتكم عن مأساة غزة جريمة صريحة في ميزان الشرع والأخلاق؟ ألا تدركون أن التواطؤ بالصمت لا يقل خطورة عن التواطؤ بالفعل؟ وأنّ الأمة لا تحتاج إلى مزيد من المسبّحين في زوايا العزلة، بل إلى رجال ونساء يتحركون في الميدان، يرفعون الصوت، ويدافعون عن الحق، ويقفون صفًا واحدًا في وجه العدوان الصهيوني الغاشم؟

إن سرّ الله – إن كان هناك سر – لا يُختزن في أسماء ولا يُورَّث في أنساب، بل يظهر في نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف والوقوف على ثغور الأمة. وما لم تعلنوا موقفًا واضحًا وصريحًا من احتلال فلسطين وجرائم الصهاينة، فأنتم تشاركون – بصمتكم – في قتل الضمير الإسلامي، وفي دفن رسالة محمد ﷺ تحت ركام الزوايا والطقوس الفارغة.

أمامكم خياران لا ثالث لهما:

إما أن تخرجوا إلى النور، وتكونوا صوت الحق في وجه الباطل، أو تظلوا في الظل، حيث التاريخ لا يرحم، وحيث ستُسجَّل أسماؤكم في صفحات الصمت والخنوع.

إرسال التعليق