
العقوبات البديلة. رؤية جديدة للعدالة الجنائية في المغرب
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في زمن تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإصلاح شامل للعدالة، يبرز موضوع العقوبات البديلة كأحد المفاتيح الأساسية لمقاربة جنائية أكثر عدالة وإنسانية ، فقد أصبح واضحا أن السجون، بواقعها المأزوم واكتظاظها المزمن، لم تعد وحدها قادرة على تأمين الردع أو الإدماج، بل أضحت عبئا اجتماعيا واقتصاديا، وأرضا خصبة للعودة إلى الجريمة بدل محاربتها.
فالمغرب، وبتوجيهات ملكية سامية، خطا خطوة جريئة بإصدار القانون رقم 22-43 سنة 2024، القاضي باعتماد العقوبات البديلة ، هذا التحول التشريعي لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة تراكم عدد هائل من التوصيات الدولية، والتجارب المقارنة، والضغوط المجتمعية، والوعي المتنامي بأن العدالة لا تعني بالضرورة السجن.
فقد تتنوع العقوبات البديلة بين العمل لفائدة المجتمع، والمراقبة الإلكترونية، والغرامات اليومية، والعلاج الإجباري من الإدمان، ومنع الاقتراب من الضحية، والخضوع للتكوين أو التأهيل ، والهدف هو واحد: عقوبة فعالة دون المس بحرية الفرد إلا للضرورة القصوى.
لكن السؤال المطروح: هل نحن مستعدون كمجتمع لتقبل مجرم “لا يدخل السجن”؟
الإجابة ليست سهلة، خاصة أمام تمثلات ثقافية ترى في العقوبة الحبسية العقاب الحقيقي الوحيد ، وهنا يكمن التحدي الأكبر ، تغيير العقليات قبل تغيير القوانين.
ويؤكد خبراء القانون أن تنفيذ العقوبات البديلة يتطلب مؤسسات قوية، قضاة مؤهلين، موارد مالية، وتعاونا بين القضاء، والمجتمع المدني، والسلطات المحلية ، كما أن النجاح مرهون بتوافر برامج تأهيل حقيقية للمحكوم عليهم، تدمجهم في سوق الشغل وتعيد لهم الشعور بالكرامة.
فدوليا، لقيت هذه التوجهات صدى واسعا، بدءا من إعلان واكادوكو إلى قواعد طوكيو، ومرورا بمواقف اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، التي تدعو كلها إلى تقليص اللجوء للسجن وتعزيز العدالة التصالحية.
فالعقوبات البديلة ليست ترفا تشريعيا، بل ضرورة واقعية تفرضها التحولات الاجتماعية، وتطور أساليب الجريمة، والضغط على المنظومة السجنية، والأهم من ذلك، هي جزء من رؤية أوسع لبناء عدالة أكثر عدلا وفعالية وإنسانية.
فهل نحن على موعد مع قضاء جديد يعاقب بدون أن يسجن؟
إرسال التعليق