الكركرية… زهدٌ ملون أم مكر مقنع؟ حين يتحول التصوف إلى سيرك روحي

آخر الأخبار

الكركرية… زهدٌ ملون أم مكر مقنع؟ حين يتحول التصوف إلى سيرك روحي

رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي

في زمان بات فيه التدين تجارة، والروحية سلعة، ظهرت جماعة “الكركرية” كضجيج بصري لا يشبه شيئً مما عرفته الأمة من طرق التصوف النقي ، فهم يزعمون الزهد، ويتوشحون ثياب ألوانها تسر الناظرين، لكن ما خلف الطلاء البراق؟ هل الكركرية طريق صوفي فعلي؟ أم مشهد مسرحي يخاطب الغرائز الروحية ويقودها نحو غيبوبة فكرية؟

إن التصوف الذي عرفناه كان طريقا للتخلية قبل التحلية، للزهد في الدنيا لا التلون بأصباغها، لطهارة القلب لا عبادة الأشخاص ، لكن الكركرية تنتمي لمشهد مختلف تماما ، شيخ يقدّس، و أتباع يسلمون له عقولهم طواعية، وأزياء فاقعة تخطف البصر أكثر من أي جوهر داخلي.

فلا توجد طائفة حقيقية في تاريخ التصوف الإسلامي المعتبر جعلت من “اللباس المسرحي” طقسا ثابتا ومقدسا، بل إن زهاد الصوفية اشتهروا بلباس بسيط مهتر، لا يعرف ألوانا ولا بهرجة ، فكيف نقنع أنفسنا أن هذه الطريقة المتلونة التي تقترب من طقوس الهنود السيخ أو البوذيين، تنتمي إلى مدرسة الحارث المحاسبي أو عبد القادر الجيلاني؟

ففي هذه الطريقة هناك الشيخ الكركري ، يتموقع بين النور المزعوم والواقع المشؤوم ، فالشيخ عندهم هو كل شيء، هو النور، هو الطريق، هو من يرى لك، ويشعر عنك، ويقرر لك ، فإن صح التعريف يمكن القول ، أليس هذا نوعا من الوثنية الروحية المقنعة؟ هل نسينا أن “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”؟ ما الفرق إذا بين التبعية الكركرية، والولاء الأعمي الذي ينتقده المسلمون في طوائف ومذاهب أخرى؟

إن التصوف السليم يرفض هذا التقديس، ويقوم على الصحبة لا العبودية، على التزكية لا التجمهر، على السلوك لا العرض المسرحي ، فما نراه عند الكركرية هو تضخيم لذات الشيخ حتى يصبح ظلا بينك وبين ربك، وهذا انحراف خطير عن أصل التوحيد.

ولنكن واقعيين ، فهذا الانبهار البصري ليس عبثيا، بل مدروس ، لأن هناك فئات كثيرة من الشباب التائه، الباحث عن هوية وانتماء، يجد في هذه الطقوس الملونة ما يشبع وجدانه ويغيب عقله ، وهنا مكمن الخطر.

إن الكركرية لا تخاطب العقل، بل تخدره تحت عباءة الذكر، وتسلمه لشيخ يرى نفسه حاملا لـ”نور الله” ، وهنا نتساءل ، هل هذه الجماعة مجرد طريقة روحية؟ أم مشروع اختراق ناعم؟ هل تستقل بذاتها؟ أم تستثمر من قوى تسعى لتفكيك ما تبقى من المرجعيات الإسلامية المعتبرة؟ حين يغيب المنهج ، وتحل المشاعر بدل الوح ، يصبح كل شيء ممكنا.

فنحن لسنا ضد التصوف، بل نحن من أحوج الناس إليه، حين يكون سلوكا قلبيا يهذب النفس ويقوم الأخلاق ، لكننا ضد كل انحراف يتسلل باسم الدين ، وضد كل عباءة روحية تستخدم لطمس العقل وإذلال الإنسان.

فالكركرية ليست مجرد طريقة صوفية جديدة، بل حالة تستحق الدراسة، والمراجعة، والتحذير ، فنحن نحتاج إلى تجديد التصوف لا تلوينه ، إلى تحرير الروح لا تسويقها ، إلى شيخ يربينا لا يربينا على تقديسه ، وإلا  سنستيقظ يوما على أمة تصلي ولكنها لا تفكر، تذكر الله ولكنها تتبع بشرا، تبحث عن النور في ثيابٍ زاهية، وتنسى أن النور الحقيقي لا يلبس… بل يدرك.

إرسال التعليق