المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بين رهانات التنمية وإشكالية الاستقلالية

آخر الأخبار

المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بين رهانات التنمية وإشكالية الاستقلالية

رصدالمغرب / لبنى موبسيط


حين أُطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، قدمت باعتبارها المشروع الاجتماعي الأكبر في المغرب، وبوصفها ورشا ملكيا يهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة وإعادة الاعتبار للإنسان، حيث كان ينظر إليها آنذاك كتحول تاريخي في علاقة الدولة بالمجتمع، بل كثورة اجتماعية من شأنها أن تفتح آفاقا جديدة أمام الفئات الهشة والمناطق المهمشة.

ولكن بعد مرور ما يقارب عقدين، تحولت المبادرة في نظر الكثير من الباحثين والممارسين إلى أداة لإعادة هندسة الحقل الجمعوي أكثر من كونها رافعة لتعزيز استقلاليته، بحيث قبل إطلاقها، كان المجتمع المدني المغربي – خصوصا في القرى والجبال مثل إقليم الحوز – يتمتع بدينامية لافتة، وجمعيات محلية استطاعت أن تبدع في مشاريع تنموية واجتماعية بأدوات بسيطة وإمكانات محدودة، حتى أن بعض رواد هذه المبادرات حظوا باستقبال ملكي اعترافا بمجهوداتهم.

غير أن دخول المبادرة الوطنية على الخط غير موازين المشهد، بحيث انتقلت الجمعيات تدريجيا من فاعل مستقل يقدم بدائل واقتراحات، إلى “مقاولة اجتماعية” مرتبطة ماليا وإداريا بوزارة الداخلية، ومع الوقت، صار التمويل العمومي المحدد وفق معايير وضوابط صارمة هو شرط البقاء والاستمرار، فتراجعت القدرة النقدية للمجتمع المدني، وحلت منطقية “المانح – المستفيد” محل منطق الشراكة المبنية على الثقة.

بعض الباحثين من داخل المغرب وخارجه، ذهبوا أبعد من ذلك، إذ اعتبروا أن المبادرة لم تكن مجرد سياسة اجتماعية، بل استعملت أيضا كأداة ضبط ورقابة على الفاعلين الجمعويين، بما يشبه “عملية شبه بوليسية” للتحكم في مسارات المجتمع المدني، بل حتى تقارير البنك الدولي لم تخف هذه الملاحظة، مشيرة إلى أن المبادرة احتوت الجمعيات بدل أن تعزز استقلاليتها.

هذا التحول يعيد إلى الأذهان إشكالية مشابهة في المجال الإعلامي، وهو كيف يمكن لوسيلة إعلامية تعتمد على الإعلانات والدعم العمومي أن تمارس استقلاليتها؟، ليبقى السؤال نفسه يطرح بالنسبة للجمعيات التي أصبح مصيرها رهينا بالتمويل العمومي.

وزلزال الحوز الأخير كشف بوضوح هذا التناقض، حيث خلال الساعات الأولى من الكارثة، برزت قوة المبادرات المدنية الحرة القريبة من الناس، والقادرة على التدخل السريع دون انتظار المساطر الإدارية، و لكن سرعان ما عادت محاولات الضبط والتأطير لتطويق هذه الدينامية، وكأن الرسالة الموجهة للجمعيات هي: “تلقوا الدعم، لكن التزموا حدودا مرسومة سلفا”.

اليوم، وبعد عشرين سنة على إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، يظل السؤال الجوهري مطروحا، هو هل ساهمت الدولة فعلا في بناء مجتمع مدني قوي وشريك في القرار التنموي، أم أننا أمام نسيج جمعوي مدجن، وظيفته الأساسية تنفيذ مشاريع جاهزة مقابل الدعم المالي؟.

إن مستقبل التنمية في المغرب لن يقاس فقط بحجم المشاريع أو حجم الأموال المستثمرة، بل بمدى استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، وبقدرة الفاعلين المدنيين على ممارسة دورهم بحرية واستقلالية، باعتبارهم شركاء حقيقيين في صناعة القرار وليس مجرد منفذين له.

إرسال التعليق