
المرأة خلال “الجهاد الأفغاني” مقتطف من كتاب عاشق الشهادات.
رصد المغرب/محمد ابو رمان حسن هنية
خلال حقبة الجهاد الأفغانية التي بدأت عام 1979 ضد النظام الأفغاني الموالي للاتحاد السوفييتي، ازدهر الجهاد التضامني للدفاع عن البلدان الإسلامية التي تتعرض لعدوان خارجي باعتباره فريضة شرعية واجبة.فقد عملت القضية الأفغانية على استقطاب الجهاديين الذين اصطحبوا عائلاتهم من كل أنحاء العالم العربي والإسلامي،فشكلت أفغانستان بيئة خصبة لولادة رموز الجهادية العالمية، أمثال عبد الله عزام، وأيمن الظواهري، وأسامة بن لادن، وأبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وأبو مصعب الزرقاوي، وأبو مصعب السوري، وعبد القادر عبد العزيز، وغيرهم[1].
استقطب الجهاد الأفغاني رموز ومنظري السلفية الجهادية، وفي مقدمتهم د.عبد الله عزام[2]، وأسامة بن لادن. وكان أيمن الظواهري، وبقية شيوخ السلفية الجهادية قد تقاطروا من كافة البلدان العربية إلى أفغانستان مع عائلاتهم، وباشروا تأسيس معسكرات خاصة بهم، لتتشكّلبذلك ظاهرة “الأفغان العرب”، التي تمثل أحد أهمّ العوامل التي ساهمت في تنامي الجهاديّة العالمية. فقد استقطب الجهاد الأفغانيّ آلاف الشباب العرب في مجالات الإغاثة والقتال، الذين عادوا لاحقاً إلى بلدانهم الأصلية مشبعين بفكر سلفيّ جهاديّ.
أسس عبد الله عزام “مكتب الخدمات” (في تشرين أول/ أكتوبر 1984)، وكان المكتب يقوم بمهمات إغاثيّة وإصلاحية و دعوية[3]،وقد تمّ ذلك بالتعاون مع أسامة بن لادن، الذي أنشأ في الوقت نفسه “بيت الأنصار” في مدينة بيشاور الباكستانيّة. وقد تعاون الرجلان في بداية الأمر على توزيع الأدوار بينهما، ولم يستدخلا النساء في أنشطتهم.
لكن على الرغم من كثرة المتطوعين العرب في أفغانستان -بحسب المنظر والمؤرخ الجهادي أبو مصعب السوري- إذ “بلغ عدد المتطوعين في الجهاد الأفغاني من العرب والمسلمين حتى سقوط كابل 1991م حوالي 40 ألفًا”[4]، إلا أن معظمهم كانوا يؤدّون مهام إغاثية غير قتالية. ويؤكد أبو مصعب السوري على أنه”لم يزيد عدد من دخلها [أي أفغانستان] للهجرة والجهاد على ١٥٠٠ مجاهد، منهم نحو ٣٠٠ مجاهد بأسرهم”[5].
وعلى الرغم – أيضاً- من الدور الجهادي المحوريلعبد الله عزام – على صعيد التنظير والممارسة (حيث صنف أكثر من عشرين كتابًا ورسالةً في فضائل الجهاد وأحكامه منذ أن بدأ عام 1982 بنشر مقالاته حول الجهاد الأفغاني في مجلة المجتمع الكويتية الإخوانية، والتي جمعت لاحقاً في كتاب بعنوان “آيات الرحمن في جهاد الأفغان”، ثم تأليفه لكتابه الهام “الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان” عام 1984)؛إلا أن منظوره الأساسي للجهاد الهجومي كان ذكورياً، وينحصرفي إطار الجهاد التضامني الذي يستند إلى مسألة “الجهاد الدفاعي”.على أنّ عزامكان أكثر تساهلاً في مشاركة المرأة في الأعمال غير القتالية.
فتح عزام الباب لمن بعده للنظر والتوسعفي دور المرأة في الجهاد، فعلىالرغم من تحفظه على الأدوار القتالية في حال الجهاد الهجومي فقد كان حاسماً في حالة الجهاد الدفاعي،إذ أفتى بخروج المرأة للجهاد دون إذن زوجها أو وليها في حالة الاعتداء على الأمة، أو احتلال أراضي المسلمين فهو يقول: “تكلّمنا طويلاً عن حكم الجهاد اليوم في أفغانستان وفلسطين، وفي كل ما شابهها من أراضي المسلمين المغتصبة، وأكدّنا ما قرّره السّلف والخلف من محدّثين ومفسرين وفقهاء وأصوليّين، أنه إذا اعتُدي على شبرٍ من أراضي المسلمين أصبح الجهاد فرض عين على أهل تلك البقعة، تخرج المرأة دون إذن زوجها“[6].
لكنعبدالله عزامكان يقيّد مشاركة المرأة والسفر بوجود مرافق من الذكور (محرم)، ويحصر دورها في مجال الأعمال اللوجستية غير القتالية. وقد كان عزّام يستند في رأيه بعدم مشاركة المرأة في الأعمال القتالية إلى العرف السائد، فهو لا يؤيد مشاركة العربيات في القتال لأن الأفغانيات لا يقاتلن،إذ يقول”النساء العربيّات لا يجوز لهنّ أن يأتين بدون محرم، وعملهن مختصٌ بالتّعليم أو التّمريض أو إغاثة المهاجرين، وأما القتال فلا تستطيع العربيّات القتال، لأنّ المرأة الأفغانيّة حتى الآن لم تقاتل“[7].
وفي وصيته الأخيرة شدد عبدالله عزام على الأدوار التقليدية للمرأة في الجهاد كمربية للجهاديين وصابرة على صعوبة العيش وضرورة الزهد، فهو يقول “يا معشر النساء:إياكن والترف، لأن الترف عدو الجهاد، والترف تلف للنفوس البشرية، واحذرن الكماليات واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكن على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد، لتكن بيوتكن عريناً للأسود. وليس مزرعة للدجاج الذي يسمن ليذبحه الطغاة، اغرسن في أبنائكن حب الجهاد وميادين الفروسية وساحات الوغى، وعشن مشاكل المسلمين وحاولن أن تكن يوماً في الأسبوع على الأقل في حياة تشبه حياة المهاجرين والمجاهدين، حيث لا يتعدّى الإدام الخبز الجاف وجرعات من الشاي“[8].
ركز عزام جهوده –بداية- على دعم الفصائل الجهادية الأفغانية بالتعاون مع مؤسسات إغاثية ودعوية عربية وإسلامية؛ كرابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وجمعية الهلال الأحمر السعودي، وذلك من خلال جمع الأموال وتجنيد المتطوعين والقيام بالأعمال الإغاثية الإنسانية كالرعاية الصحية وكفالة الأيتام، والتعبئة الإعلامية الجهادية،فأصدر مكتب الخدمات مجلة “الجهاد”[9]. وقد خلت المجلة من باب خاص بالمرأة على خلاف ما سنراهفي مجلات جهادية لاحقة. وتحت ضغط الجهاديين الراغبين بتأسيس معسكرات خاصة لا ترتبط بالفصائل الجهادية الأفغانية، وخصوصاً بن لادن، أسّس عبد الله عزام معسكر “صدى” للمقاتلين العرب في منطقة القبائل الباكستانيّة قرب الحدود الأفغانيّة وهي معسكرات خاصة بالرجال.
في سياق الاحتفاء بدور المرأة المساند في الجهاد التضامني برزت نماذج نسائية محدودة سوف تصيح مثالاً وقدوة في المشاركة والتضحية. فبحسب يوسف العييري تعتبر أم عمر المكية” من نماذج السعي لنصرة الدين والتقديم له في عصرنا؛ تلك العجوز التي عاهدت الله على أن تنصر الجهاد الأفغاني بكل ما تملك فأرسلت ولدها، وعملت هي في مكة على تحريض النساء على الجهاد ودعمه، حتى أنها كانت ترسل الأطعمة التي تصنعها في بيتها للجبهات في أفغانستان. وذات يوم عزمت على زيارة أفغانستان للقاء نساء المجاهدين ومؤازرتهن، وبعد أن حضرت أصرت على الدخول إلى الجبهة وحاول المجاهدون ثنيها لخطورة الوضع ولكن دون جدوى، فقد أقسمت أن ترمي العدو بسلاحها، فاستجاب لها الأخوة وركبت السيارة مع ابنها ودخلت إلى الجبهة كل ذلك لتشهد العدو بنفسها وتحقق أمنيتها وتبر بقسمها وتطلق على العدو في سبيل الله. وتحققت أمنيتها ووقفت خلف راجمة الصواريخ وقصفت العدو بعدة قذائف، وأما أم سراقة فقد دفعت ابنها إلى الجهاد في أفغانستان، وكذلك أم غضنفر التي دفعت ابنها الوحيد الأكبر إلى الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان لكي يرزقه الله الشهادة ليشفع لها”[10].
تؤكد أم محمد، سميرة عواطلة، زوجة عبدالله عزام،التي باتت تعرف بــ“أم المجاهدات في بيشاور” على الأدوار التقليدية للمرأة في حقبة أفغانستان باعتبارهن زوجات للمجاهدين يقمن بدور المساندة والتربية والرعاية،حيث قامت الزوجة برعاية “زوجات المجاهدين” وتعريفهنّ بحقيقة الجهاد وما يدور في الساحة. كما كانت تقوم بالاطلاع على مشاكل “المهاجرات الأفغانيات”بسبب الحرب؛ لأن طبيعة المخيمات كانت لا تسمح بالاختلاط بين الرجال والنساء. كما قامت مع “بعض الأخوات” بأعمال إغاثية، مثل توزيع المساعدات على مستشفيات النساء ببيشاور، وكفالة الأيتام، وإنشاء معامل الخياطة، وتنظيم بعض الدروس والحلقات للأخوات العربيات والأفغانيات.تقول أم محمد “كل من ذهب للجهاد الأفغاني كانت زوجته معه، وكانوا يتركون العوائل في بيشاور، وكنا جميعاً كعائلة واحدة. وكانوا ينظرون لي كأم لهنّ. وكان هناك تنسيق مباشر مع زوجات المجاهدين“[11].
تتضافر الدلائل والشواهد على دور المرأة الثانوي في المجتمع الأفغاني المحافظ وحصر دورها في تدبير المنزل والتضامن، ولا تتوافر الادعاءات القائلة بمشاركة المرأة في الأعمال القتالية بمصداقية كافية.على أنّ ثمة إشارات على وجود أدوار لوجستية فردية غير منظمة للمرأة، فقد ادّعت إحدى النساء، التي أطلقت على نفسها قائدة مجاهدات القاعدة وتكنى بـ”أم سلمة”،أن المرأة في الجهاد الأفغاني شاركت في عمليات قتالية وقامتبأدوار أخرى تتضمن نقل الرسائل والتحذيرات بين القادة، وتهيئة الأماكن لتخبئة المجاهدين أثناء العمليات، إلا أنّ الحقائق والوقائع لا تسند هذا الادّعاء[12].ففي سياق الاحتفاء بدور المرأة في الجهاد كتبت الناشطة الجهادية “أريج الجهاد”سلسلة من القصص لنماذج جهادية نسائية، خلال هذه الحقبة، ولم تتجاوز في حديثها عن تلك النماذج الحديث عن مساندة المرأة للجهاديين وصبرها على صعوبة العيش ومعاناة الهجرة، والزهد[13].
على الرغم من بروز جيل جديد من المنظرين الجهاديين خلال هذه الحقبة، أمثال أبو محمد المقدسي وأبو مصعب السوري وعبد القادر عبد العزيز وأبو قتادة الفلسطيني وغيرهم، وتطوير خطابجهادي يستند إلى تراث الوهابية والقطبية بتركيزه عن إحياء التوحيدوعودة الخلافة وركن الجهاد، وتوسعه في مصطلحات ومفاهيم مفتاحيّة تؤسس لهُوُيتها وأيديولوجيتها وخطابها؛ كالحاكميَّة، والجاهليَّة، والإيمان والإرجاء، والطَّاغوت، والولاء والبراء، والجماعة والطائفة، والنكاية والتمكين، إلا أن الخطاب المتعلق بدور المرأة ومشاركتها بقي ضمن الخطوط الأساسية التقليدية المتعلّقة بدور المساندة.
يؤكد المنظر الجهادي عبد القادر بن عبد العزيز[14]في كتابه “العمدة في إعداد العدة” (1988)- الذي ألفه في أفغانستان بتكليف من جماعة الجهاد المصرية عندما كان مسؤولاًشرعياً للجماعة- على أدوار المرأة غير القتالية في الجهاد الهجومي ويجيز جهادها للضرورة، بإذن الأمير،في حالة الدفاع، ويقول “الجهاد لايجب على المرأة في كل مواضع الجهاد العيني، وقد يجب في حالة واحدة وهي إذا ما دهم العدو بلداً وخلص إلى البيوت وإلى النساء، فللمرأة أن تقاتله دفاعاً عن نفسها وعمن معها. ويجوز لها أن تخرج متطوعة في الغزو بإذن الأمير”[15].وهو الأمر الذي دفع عبد العزيز إلى الوصول إلى خلاصة مفادُها وجوب الاستعداد للجهاد بالتدرب على استعمال السلاحالمستخدم في حماية النفس، “ويدربها زوجها أو محارمها أو امرأة مدربة”[16].
لا يخرج المنظر الجهادي البارز أبو محمد المقدسي[17]، في الحديث عن المرأة والجهاد عن الأطر التقليدية القائلةبأن مكان المرأة الأساسي هو البيت.ويحاجج بأن مكانة المرأة في الإسلام تتفوق على المنظورات الحداثية، ويؤكد على أدوارها في حمل راية الإسلام والدفاع عن أمّتها، فيقول “والمتأمّل بتاريخ المسلمين يرى دور المرأة الفاعل في نصرة الدّين ورفع رايته، حيث اشتركت منذ فجر النُّبوة فكان أوّل من آمن بالنّبي صلى الله عليه وسلم وصدَّقه امرأة. وفي بيعة العقبة كانتالمرأة مشاركةً، وفي قصة الهجرة كانت عونًا ودرءاً، وفي كثير من غزوات المسلمين وأيامهم كان للمرأة تواجدٌ ومشاركةٌ واضحة على مستوى المشورة وإعانة المقاتلين بصورٍ شتَّى، بل وبالقتال“[18].
يهاجم المقدسي القائلين بأن المرأة في الإسلام مضطهدة، ويعتبر بأن الدعوة لتحرير المرأةمرتبطة بأجندة تغريبية لنشر الرذيلة وتدمير الهوية، فبحسب المقدسي “حقوق المرأة وترٌ آخر يعزف عليه أعداء الإسلام، فيدّعون أن المرأة مضطهدة، لا في بلاد المسلمين التي تخلّت عن شريعة الله، بل هي عندهم مضطهدة في الإسلام نفسه، مغلوبة على أمرها، مقهورة بالحجاب، محاصرة بقيود الطهارة وآصار العفاف، مظلومة بتعدّد الزوجات، ميراثها نصف ميراث الرجل، وليس لها حرية الزواج ممن يخالفها في الدين. ويطالبون بتحرّرها، أو قل: تحلّلها من الشّرائع التي يصفونها بالعادات والتّقاليد البالية“[19].
ويؤكِّد المقدسي على أن الغرب يسعى إلى إفساد الهوية الإسلاميّة عقب الصّحوة التي ظهرت وتحدّت الغرب فيقول “معلومٌ أنهم لم ولن يرضوا إلا عن إسلام “مودرن” إسلام غربي متأمرك، ومن ثم فإنّ حربهم على هذه القطعة من القماش “الحجاب”؛ إضافةً إلى كونها حربًا على العفّة والطّهارة والفضيلة، هي في حقيقتها حربٌ على هذا الدّين الذي يأمر بهذه المحاسن، ويوجب الحجاب. . .وحقيقة الحجاب كما يقرؤه أعداؤنا إعلانٌ صريحٌ على رفض الانبطاح والخضوع لثقافةِ الغرب الفاجرة، وعولمته الكافرة السّاقطة. وهو يمثل بالنّسبة للمرأة المسلمة هويّتها الإسلاميّة التي تعتزُّ بها، وهو مؤشرٌ على العزّة والكرامة والكبرياء الإسلاميّ، والتَّحرر من رقِّ طاغوت الحضارة الغربيّة النَّجسة. . .إنّ الحجاب مؤشرٌ على صحوة الأمّة ونهضتها من سباتها وإعلانها رفض الانبطاح لحضارة الغرب الفاسدة أو السَّير في ركابها“[20].
لا يختلف أبو قتادة الفلسطيني[21]عن المقدسي في رؤيته المتعلقة بأدوار المرأة، ويحاجج بأن مكانتها في الإسلام تتفوق على مكانتها في الغرب، فبحسب أبي قتادةفإنّ “الله عز وجل فطر المرأة أن تجلس في البيت وأن تخدم الأولاد وأن ترعى الزوج”[22]، ويتحدث عن الدور الذي لعبه أعداء الدين في إبعاد المرأة عن دينها, وعن حقيقة دورها, وتضييع حجابها وحيائها، وعن المخالفات التي تقع فيها كثير من النساء حتى من المتدينات.ثم يعرض نماذج نساء مؤمنات رضين بأن يربين أبناءهن على دين الله. حاكيًا قصصًا لنساء نبيلات من عصرنا, ونساء عظيمات من التاريخ.ويتحدث بعدها عن دور المرأة المهم في التربية؛ عن صناعة النساء للرجال، وتربية أبنائها على حب الجهاد والتضحية والشهادة في سبيل[23]، ولذلك فقد أفتى أبو قتادة بعدم جواز هجرة المرأة للمشاركة في الجهاد دون إذن وليها وأجاز لها السفر للالتحاق بزوجها إذا كان ذلك مأموناً”[24].
على الرغم من تشديد أبي قتادة على أدوار المرأة التقليدية وعدم استدخالها في الأعمال القتالية المباشرة فقد أصدر إبان “العشرية الدموية” في الجزائر فتوى أباح فيها قتل أطفال ونساء قوات الأمن الجزائريّ بعنوان: “فتوى عظيمة الشّأن في مسألة قتل الذُّرية والنِّسوان، درءاً لخطر هتك الأعراض وقتل الإخوان”[25].
يمكن القول إذاً بأن دور المرأة في الجماعات الجهادية قبل بروز تنظيم القاعدة وأحداث 11 سبتمبر 2001 كان هامشياً.حيث كان الخطاب الجهادي المتعلق بالنساء مرتكزاً على مسائل الهوية والأخلاق، يُصوّر دور المرأةكمُنجبة ومربيّة للجهاديين وكمشاركة لوجستية، بشكل فردي وبصورة ضعيفة؛ الأمر الذي يبدو جلياً من خلال تتبع تاريخ الحركات الجهادية.لذلك لم يتطرق المنظر والمؤرخ الجهادي البارز أبو مصعب السوري[26] لأي دور للمرأة في الحركة الجهادية سواء في كتابه الضخم “دعوة المقاومة الإسلامية العالمية” بجزأيه،الذي أصدره عام 2004، ولا في كتبه ورسائله الأخرى؛إلا أنّ هذا الدور سيتغير لاحقاً.إنّ الملحوظة التي نريد تسجيلها هنا، من خلال المراجعة التاريخية السابقة،تتمثّل في أنّاستبعاد المرأة من الأعمال القتالية كانت سمة بارزة خلال حقبة الجهاد الأفغاني؛ سواء لدى الجماعات الأفغانية أو لدى كافة الجماعات المتضامنة العربية والإسلامية.فعلى الرغم من زيادة انخراط المتطوعين العرب بالقتال فقد بقيت المرأة مستبعدة.
[1] اندلعت الحرب الأهلية الأفغانية في ظل أجواء الحرب الباردة بين قطبي الصراع العالمي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، وشكلت جبهة أفغانستان أحد أهم جبهات الصراع، الأمر الذي ساهم في تأسيس شبكات إسناد جهادي مدعومة من الولايات المتحدة وحلفائها من الأنظمة العربية والإسلامية. ولم تكن الجهادية العالمية تتوافر آنذاك على رؤية معادية للولايات المتحدة، بل كانت تربطها علاقات ودية وتعاون وثيق مع الولايات المتحدة، وخصوصاً عبدالله عزام وأسامة بن لادن.
انظر: ستيف كول، آل بن لادن: وعالم النفط والمال والإرهاب، ترجمة إيمان عبد الغني نجم، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2014، ص 400.
[2] عبد الله عزام (1914 ــ 1989)، ولد في فلسطين في قرية سيلة الحارثيّة، من أعمال مدينة جنين، سنة 1914، وتلقَّى علومه الابتدائيّة والإعداديّة في مدرسة القرية، وقد تابع دراسته الجامعية في جامعة دمشق- كلية الشريعة، وحصل على شهادة الليسانس في الشريعة. وعقب حرب سنة 1967 جاء إلى الأردن، ثم عمل في السعودية مدرسًا لمدة عام، وساهم في إنشاء “قواعد(معسكرات) الشيوخ” بين أعوام 1968-1970م، وهي قواعد عسكريّة أسسها الأخوان المسلمين، وشاركت في عِدَّة عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد انتسب عزّام في هذه الأثناء إلى جامعة الأزهر، ونال شهادة الماجستير في أصول الفقه عام 1968، حيث عمل بعد ذلك محاضرًاً في كلية الشّريعة في عمان بين عامي 1970- 1975، ثم أوفد إلى القاهرة للحصول على شهادة الدكتوراه في أصول الفقه، وقد حصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى عام 1973.
عمل مدرسًا في الجامعة الأردنية – كلية الشريعة – من سنة 1973 إلى سنة 1980، ثمّ فُصل منها سنة 1980، وغادر إلى السعودية للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة عام 1981، انتقل للعمل في الجامعة الإسلامية الدولية في إسلام أباد في الباكستان، وفي بيشاور انضم إلى العمل الجهادي، وقام بتأسيس “مكتب الخدمات” عام 1984م، والذي كانت مهمَّته تكمن في توجيه الرَّاغبين من العرب لخدمة الجهاد الأفغانيّ، وأصبح خلال هذه الفترة أحد أهم المنظرين للحركة الجهاديّة، وعمل على إصدار مجلة «الجهاد»، ونشرة «لهيب المعركة». اغتيل بتاريخ 24/11/1989 في ظروفٍ غامضة.
[3] باسل محمد، صفحات من سجل الأنصار العرب في أفغانستان، شركة دار العلم للطباعة والنشر، الرياض، 1991، ص 99.
[4] انظر: أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، منبر التوحيد والجهاد، الجزء الأول، ص896.
[5] المرجع السابق، ص 40.
[6]عبد الله عزام، إلحق بالقافلة، مركز الشهيد عبد الله عزام الإعلامي، بيشاور، ص45. وعبد الله عزام، الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان،ص19.
[7]عبد الله عزام، الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان، مرجع سابق، ص48.
[8] عبدالله عزام، وصية الشهيد عبد الله عزام، منبر التوحيد والجهاد، على الرابط:http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_9082.html.
[9] صدر العدد الأول من مجلة “الجهاد” في كانون أول/ ديسمبر 1984، ووصلت إصداراتها إلى ستين عدداً.
[10] انظر: يوسف بن صالح العييري، دور النســـــــــاء في جهاد الأعداء، منبر التوحيد والجهاد، ص 16، على الرابط: http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_9160.html.
[11] انظر: مريم السيد هنداوي، سميرة عواطلة: أم المجاهدات في بيشاور، حوار، مجلة المجتمع، 18 أكتوبر 2007، على الرابط:http://www.fin3go.com/newFin/main/topicpreview.php?ditopicid=1607&action=3.
[12] انظر: محمود خليل، قائدة مجاهدات “القاعدة”: نبني تنظيما نسائياً سيقوم بعمليات تفجيرية تنسي أميركا اسمها، حوار، الشرق الأوسط، 12/ مارس/ 2003، على الرابط:http://archive.aawsat.com/details.asp?article=157364&issueno=8870#.WHOuf1N97IU.
[13] انظر: أريج الجهاد، سلسلة حفيدات صفية: أروع ست قصص للمجاهدات في هذا الزمان، 23 سبتمبر 2009، على الرابط: https://forums.graaam.com/241143.html.
[14] عبد القادر بن عبد العزيز (1950 ــ )، سيد إمام عبد العزيز الشريف، وله عدة أسماء حركية منها (الدكتور فضل)، ولد في 8 آب/ أغسطس عام 1950 في مدينة بني سويف شمال الصعيد، حفظ القرآن الكريم في طفولته. التحق بكلية الطب بجامعة القاهرة وتخصّص بالجراحة العامة، وتخرّج منها عام 1974 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى. وقد تولى إمارة تنظيم الجهاد قبل عام 1993م. واعتمد منهج السريّة بشكل كبير في كل أدواره وتحركاته لدرجة أنه كان أميراً لتنظيم الجهاد دون أن يعرف أغلب أعضاء التنظيم ذلك، ثم قدّم استقالته من إمارة الجماعة ومن تنظيم الجهاد عام 1993م. وكان ضمن المجموعات الأولى، التي سافرت للمشاركة في الجهاد الأفغاني، أوائل الثمانينيات، على أنّه لم يخض حروبًا عملية؛ حيث كان دأبه يتركّز على التأليف والإرشاد الفكري للمجاهدين.
غادر سيد إمام باكستان عقب اعتقالات العرب الشهيرة في مدينة بيشاور عام 1993م، متوجهًا إلى السودان حيث مكث بها قليلاً، وكان في هذه الفترة أميراً لتنظيم الجهاد ولكنه تركه بعد خلافٍ مع الظواهري. وسافر إلى اليمن أواخر حرب الانفصال عام 1994، وقد ألقي القبض عليه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، بتاريخ 28 تشرين أول/أكتوبر 2001م، ومكث في سجن الأمن السياسي بصنعاء لمدة عامين وخمسة أشهر، ثمّ تم تسليمه إلى مصر في 28 شباط/فبراير 2004م، وتم الإفراج عنه بعد صدور مراجعاته الفكرية التي نشرت أولى حلقاتها في تشرين ثاني/ نوفمبر 2007، حيث جمعت لاحقاً في كتاب”وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم”. وتولى الرد عيها أيمن الظواهري في كتاب بعنوان “رسالة في تبرئة أمة القلم والسيف من منقصة تهمة الخور والضعف. ومن أشهر مؤلفات عبد القادر عبد العزيز: العمدة في إعداد العدّة، و الجامع في طلب العلم الشريف.
[15]انظر: عبد القادر عبد العزيز، العمدة في إعداد العدة، دار البيارق، عمان، الطبعة الأولى، 1999، ص 33.
[16] المرجع السابق، ص 33.
[17] أبو محمد المقدسي (1959 ـــ )، عصام بن محمد بن طاهر البرقاوي، وكنيته أبو محمد، ويشتهر بالمقدسيّ، ويعود نسبه إلى عتيبة، من مواليد قرية برقة من أعمال نابلس في فلسطين. ولد في 3 تموز/ يوليو 1959، ثم انتقل وهو ابن ثلاث أو أربع سنين مع عائلته إلى الكويت حيث أكمل بها دراسته الثانوية، ثم درس العلوم في جامعة الموصل شمال العراق، وسافر إلى باكستان وأفغانستان عدَّة مرات، حيث برز توجهه السلفي الجهادي. وكتب في هذه المرحلة أول كتبه وأشهرها بعنوان: “ملّة إبراهيم”، واستقر في الأردن مع عائلته عام 1992، بعد حرب الخليج الثانية. واعتقل أول مرة في الأردن عام 1993 على خلفية الانتماء إلى تنظيم “بيعة الإمام”، وكان معه في التنظيم أبو مصعب الزرقاوي، وحكم عليه 15 سنة، إلا أنه خرج بعفوٍ ملكيٍّ في عام 1999. وتعرض بعد ذلك لعدّة اعتقالات، واتهم بالانتساب إلى عدَّة تنظيمات، وقد أفرج عنه مؤخراً. وتعتبر كتاباته مرجعًا للسَّلفية الجهادية العالمية.
[18]أبو محمد المقدسي، مشروع الشرق الأوسط الكبير، منبر التوحيد والجهاد، ص 51. على الرابط: http://www.ilmway.com/site/maqdis/MS_700.html.
[19] المرجع السابق، ص 48.
[20] المرجع السابق، ص 60.
[21] أبو قتادة الفلسطيني (1960 ــ )، عمر محمود عثمان أبو عمر، ولد في 13 ديسمبر/كانون الأول 1960، أردني من أصل فلسطيني، تعود جذوره إلى قرية دير الشيخ قضاء القدس، درس في الجامعة الأردنية – كلية الشريعة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة عام 1983. بدأ حياته الدعوية في جماعة التّبليغ والدعوة، ثم انتقل إلى صفوف السلفية التقليدية، وعقب حرب الخليج الثانية 1991 غادر إلى ماليزيا، ومن ثم ذهب إلى باكستان حيث تبلور انتماؤه للسلفية الجهادية، وفي عام 1993 استقر في بريطانيا كلاجئٍ سياسي. وفي لندن برز كمنظرٍ للسّلفية الجهادية، وأصدر نشرة «الأنصار» ، وهي نشرةٌ مخصّصةٌ لمساندة “الجماعة الإسلامية المسلحة” في الجزائر، وساهم في إصدار نشرة «الفجر» والتي ساندت “الجماعة الإسلاميّة المقاتلة” في ليبيا، ثم أصدر مجلة «المنهاج» المختصة في نشر تراث السّلفية الجهاديّة العالمي. ثم سلمته بريطانيا للأردن وأطلق سراحه في سبتمبر/أيلول 2014.
[22] أبو قتادة الفلسطيني، التربية الجهادية والفداء، مؤسسة الشامخة الإعلامية الالكترونية، 2015، ص 8.
[23] المرجع السابق، ص 3.
[24] أبو قتادة الفلسطيني، لقاء غرفة الفجر الإسلامية في برنامج البالتوك، مؤسسة التحايا، 1 يونيو 2015، على الرابط:
http://dorarmouba3tara.blogspot.com/2015/06/3.html.
[25] أبو قتادة، فتوى هامة عظيمة الشأن، نشرة الأنصار، العدد 88 ، 16 آذار/ مارس 1995.
[26] أبو مصعب السوري (1958 ـــ )، مصطفى بن عبد القادر بن مصطفى، ويعرف أيضا يعمر عبد الجكيم، ولد في مدينة حلب عام 1958، درس في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة حلب خلال (1976 ــــ 1980)، ثم التحق عام 1980 بتنظيم الطليعة المقاتلة الذي أسسه مروان حديد في سورية، وعقب الصدام مع النظام وتشتت الطليعة، هاجر إلى الأردن .ثم تنقل في مهاجر عديدة، واستقر في فرنسا. وتعرّف في يبشاور ــــ باكستان على الشيخ عبد الله عزام ثم ما لبث أن هاجر إلىبريطانيا، ثم إلى أفغانستان، وقد اعتُقل في عاصمة بلوشستان الباكستانيه عام 2005 وسُلِّم إلى سوريا، ولايزال قيد الاعتقال.
إرسال التعليق