آخر الأخبار

المغرب جزيرة

المغرب جزيرة

رصدالمغرب / بدر الجنيدي


في إحدى حوارات الدكتور عبد الله العروي قال: “المغرب جزيرة، وينبغي أن نتعامل على هذا النحو”، يقصد كما يتعامل سكان الجزيرة.

• احتجاجات جيل زد: مؤشرات الغضب الشعبي:

منذ بدايات احتجاجات جيل زد، والتي لم تأتِ على حين غِرّة، فكل المؤشرات واللقاءات والبودكاست التي تُعنى بتحليل الأوضاع في بلدنا المغرب، كانت تشير إلى احتقان شعبي وامتعاض من أداء الحكومة وطريقتها في تدبير الأمور، على الأقل في القطاعات موضوع الاحتجاج.

و من خلال متابعتي للتفاعل الإعلامي سواء الداخلي أو الخارجي، وكذا تدوينات الفاعلين من النخبة المثقفة، أثارني فعلا ما راج سواء على منصتي تويتر وفايسبوك، أو على قنوات اليوتيوب من طرف الناشطين العرب،والذي يكشف فعلا عن عدم استيعاب المشارقة إلا فيما نذر للحالة المغربية.

• قراءات خارجية مضللة للأحداث:

اليمنية توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، تحاول تصوير ما يقع من احتجاجات على أنه بداية الحرب الأهلية في المغرب ونهاية النظام الملكي، في حين نجد معتز مطر ينشر مقاطع بترجمة مضللة تفيد أن الشعب المغربي يطالب بإسقاط الملكية، بينما الحقيقة أن الشباب ينادون بإصلاح التعليم والصحة.

بعض القنوات العربية، مثل سكاي نيوز الإماراتية، حاولت تصوير المسألة كصراع بين الإخوان المسلمين والسلطة، من خلال أسئلتها المفخخة، والتي تعامل معها السيد عبد اللطيف وهبي بحنكة سياسية عالية حين سحب البساط من تحتها بقوله: “عندنا إسلاميون يشتغلون في إطار أحزاب وطنية محترمة” أو ما يقارب هذا المعنى.

• فرادة الحالة المغربية:

تعليقًا على ما سبق، فإن مقولة الدكتور العروي لا تزال تحتفظ براهنيتها، والتي تتجلى في فرادة المغرب ضمن الرقعة العربية الإسلامية، تاريخًا واجتماعًا وسياسةً وتدينًا.

إن التعاطي المشرقي مع الشأن الداخلي المغربي يبرز عدم الإدراك لطبيعة العلاقة التي تجمع الملك بالشعب كما سبقت الاشارة، أو بعبارة أخرى لتصور المغاربة للمؤسسة الملكية. وهذا، في نظري، يرجع لأبعاد متعددة:

1. البعد الشرعي:الملكية في المغرب لها ثقل ديني باعتبار أن الملك هو أمير المؤمنين، وله بيعة شرعية تطوق أعناق المغاربة.

وهذا يفسر طبيعة النقاشات والأزمات التي خاضها المشرق بعد سقوط الخلافة، لكنها ظلت غريبة عن النخبة المغربية، التي لم يُجرح وعيها الفكري، ولم تهتز بنيتها النفسية لغياب الإمارة، كما وقع للنخب المشرقية بسقوط الخلافة على يد أتاتورك سنة 1924.

2. البعد التاريخي:الملكية في المغرب تختلف عن باقي الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية بالتجذر التاريخي، فالأسرة العلوية الشريفة تحكم المغرب منذ ستة قرون، وراكمت مجموعة من الإصلاحات والتحولات، مما منحها شرعية تاريخية راسخة.

3. البعد السياسي:تتفق جميع الأطياف السياسية، بمختلف نزوعاتها الفكرية، على ثوابت: الملكية بعد المرجعية الإسلامية، ثم الوحدة الترابية، فالخيار الديمقراطي.

حتى من لديه ملاحظات حول طبيعة الملكية، كما في النقاشات التي أثيرت خلال حراك 20 فبراير أو في مواقف جماعة العدل والإحسان، فإن هذه النقاشات تُستوعب داخل البيت الوطني،

• تمغربيت ومسار التاريخ:

لقد مرّ هذا الوطن بتجارب جسام، سواء قبل الاستعمار أو بعد الاستقلال، صاغت ذهنية المواطن المغربي ورسمت آماله وأحلامه، ورسخت قناعاته السياسية وخياراته وتصوراته الخاصة الممزوجة بتراب هذه الأرض،كل ذلك أهّله للقيام بعملية قولبة للفلسفات والأيديولوجيات القادمة من الخارج، وهذا هو لبّ التمغربيت.

• الخاتمة:

ختامًا، نقول إن هذه الأبواق الخارجية لا تفهم المغرب، ولا تدرك طبيعة ومعدن المغاربة.

وربما كان قدرنا أن نحمل إرثنا الحضاري، ونخطّ مسارنا على ضوئه، بعيدًا عن الصخب الخارجي وصداه في الداخل.

 

إرسال التعليق