المفارقة السياسية في المغرب، أو البارادوكس المغربي.عندما ترتدي السلطوية قناع الديمقراطية!

آخر الأخبار

المفارقة السياسية في المغرب، أو البارادوكس المغربي.عندما ترتدي السلطوية قناع الديمقراطية!

رصد المغرب / عبد المولى المروري

في سياق تحليل ظاهرة الاستبداد السياسي المقنّع، يبرز في المغرب نموذج خاص من التناقضات السياسية، يمكن تسميته بـ**“البارادوكس السياسي المغربي”**: مفارقات صارخة بين الشعارات والخطابات من جهة، والممارسات والتحالفات من جهة أخرى، تُفرغ العمل السياسي من معناه، وتدفع المواطن إلى الاغتراب عن مؤسساته.

فرغم الشعارات الرسمية التي تؤكد على الخيار الديمقراطي كاختيار دستوري لا رجعة فيه، يعيش المغرب هذه المفارقة السياسية العميقة (بارادوكس سياسي) التي تتجلى في التناقض بين الشكل الديمقراطي للمؤسسات والعمليات السياسية، وبين المضمون السلطوي الذي يُفرغ هذه المؤسسات من فعاليتها واستقلاليتها. فبينما تُجرى انتخابات تُوصف بالتعددية ويُسمح للأحزاب بالمشاركة، تُمارس السلطة التنفيذية – أو بالأحرى، الدولة العميقة – تدخلات مباشرة وغير مباشرة تُملي نتائج هذه الانتخابات مسبقًا، سواء عبر التحكم في الخريطة الحزبية، أو عبر استخدام المال والنفوذ والإعلام. هذا التناقض البنيوي يُنتج نظامًا سياسيًا مزدوجًا: ديمقراطيًا في المظهر، سلطويًا في الجوهر، وهو ما يجعل الثقة في المسار الانتخابي والسياسي مهزوزة لدى جزء كبير من الشعب والنخبة معًا.

أولا: الديمقراطية الشكلية والتدخل السلطوي،

من أبرز تجليات هذا البارادوكس في المغرب: وجود انتخابات تُنظم بانتظام، ودستور ينص على فصل السلطات، وأحزاب تتنافس بحرية ظاهريًا، بينما الواقع يؤكد أن السلطة الحقيقية تظل مركزة في يد غير خاضعة للمحاسبة ولا للمساءلة، تُدير العملية السياسية بمنطق التوجيه والتأطير لا بمنطق التعدد والتداول.

فالانتخابات تُفرغ من مضمونها عبر التدخل في تشكيل الخرائط الحزبية، وصناعة “أحزاب إدارية”، وتمييع المشهد السياسي بتحالفات هجينة، وتوظيف المال والسلطة والولاء، وهذا واضح من خلال الممارسة السياسية في شكلها الحزبي، الشكل الذي يتجلى في البارادوكس السياسي بكل تجلياته ..

1. العدالة والتنمية: المشاركة من داخل المفارقة، أم حزب يقاوم نفسه:

حزب العدالة والتنمية شكّل نموذجًا صارخًا لبارادوكس سياسي داخل حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية حاول التكيف مع اللعبة السياسية الرسمية دون امتلاك شروط التأثير الحقيقي. ففي الوقت الذي تصدر فيه نتائج الانتخابات وتولى رئاسة الحكومة لولايتين، بقي محكومًا بهوامش ضيقة رسمتها السلطة العميقة، ووجد نفسه يبرر اختيارات اقتصادية واجتماعية لا تتماشى مع قاعدته الجماهيرية ولا مع مرجعيته المعلنة. وهذا ما أدى إلى نوع من الشلل في الموقف السياسي، حيث شارك في تسيير الحكومة دون أن يملك القدرة على الحكم الفعلي. مفارقة الحزب أنه كان في قلب الدولة، لكنه لم يكن من صناع القرار السيادي، وكان يتحدث بلغة الإصلاح بينما يمرر سياسات الدولة العميقة. هذه المفارقة هي التي فجّرت التناقضات داخله وأفقدته جزءًا كبيرًا من مصداقيته وجماهيريته، وأدخلته في أزمة هوية تنظيمية وسياسية مستمرة إلى اليوم.

فمن حزب إصلاحي ذي مرجعية إسلامية، حمل آمال التغيير بعد “الربيع المغربي”، إلى حزب خضع تدريجيًا لمنطق السلطة، وتنازل عن أدواته الإصلاحية تباعًا.

ويتمثل البارادوكس المركزي أو المفارقة المركزية عنده في مشاركته في السلطة التي أفقدته استقلالية قراره السياسي، وتحول من حزب مقاوم إلى مدافع عن قرارات فوقية، حتى في قضايا تمس جوهر هويته المرجعية، مثل التطبيع، وقانون القنب الهندي، وقانون الإطار، وإلغاء صندوق المقاصة، وتحرير المحروقات، وأنظمة التقاعد، وأخطرها الموقف من الاعتقال السياسي.

2. حزب الاتحاد الاشتراكي: حزب المعارضة المزمنة،

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان رمزًا لمعارضة راديكالية واجهت الاستبداد بقوة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وجد نفسه مع مطلع الألفية الثانية في مفارقة مشابهة ولكن مختلفة في السياق. فبعد أن قاد أول حكومة ما بعد التوافق في 1998، دخل تدريجيا في عملية “ترويض سياسي” فقد معها كثيرًا من روحه النضالية. ففي الوقت الذي استمر في رفع شعارات التقدمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، أصبح شريكًا في حكومات تقود سياسات نيوليبرالية مجحفة، دون أن تكون له سلطة حقيقية لتغيير المسار أو التأثير في القرارات السيادية. البارادوكس في تجربة الاتحاد يكمن في الجمع بين خطاب المعارضة وهوية الدولة، وبين شرعية تاريخية نضالية وواقع عملي يكرس الخضوع للمؤسسة المخزنية. وهكذا، تحول من حزب طليعي إلى رقم وظيفي في معادلة سياسية تتحكم فيها موازين قوى غير ديمقراطية.

حزب يُفترض أنه حامل لقيم اليسار الديمقراطي، والمطالب الاجتماعية والعدالة، لكنه بعد سنوات في المعارضة و”المشاركة المراقبة”، أصبح جزءًا من المشهد الذي ينتقده.

ويتمثل البارادوكس عنده في كونه يُمارس خطابًا نقديًا، لكنه يتحالف مع السلطة في لحظات حاسمة، ويصوّت على قوانين تتناقض مع قيمه التأسيسية، في مفارقة صارخة بين “الخطاب” و”الموقف”.

3. حزب الاستقلال: بين المرجعية التقليدية وواقعية السلطة،

يُعد حزب الاستقلال أعرق الأحزاب السياسية المغربية وأكثرها رمزية في التاريخ السياسي الوطني، إذ قاد معركة المطالبة بالاستقلال السياسي إلى جانب الحركة الوطنية، واحتضن نخبًا فكرية وسياسية بارزة ساهمت في صياغة الوعي السياسي المغربي المعاصر. غير أن الحزب وقع بدوره في بارادوكس سياسي واضح: فمن حامل لمشروع وطني تحرري، إلى فاعل وظيفي داخل منظومة سياسية تفتقر إلى شروط الديمقراطية الحقيقية.

هذه المفارقة تتجلى في استمرار الحزب في تبني خطاب الوطنية، والمرجعية الإسلامية المعتدلة، والدفاع عن العدالة الاجتماعية، لكنه لم يعد قادرًا على تفعيل ذلك على مستوى الممارسة السياسية الفعلية. فرغم موقعه كقوة انتخابية وتاريخية، أصبح جزءًا من توازنات سلطوية لا تتيح له سوى هامش ضئيل من الفعل، ويشارك في حكومات بدون تأثير حقيقي في السياسات العامة، خصوصًا في القضايا الاستراتيجية الكبرى التي تحددها دوائر مغلقة من السلطة.

كما أن قياداته الجديدة، في مراحل متتالية، دخلت في تحالفات متناقضة مع مرجعياته، ما أفرغ خطابه من مضمونه، وأدى إلى تراجع شعبيته وفقدان بوصلته السياسية. وهكذا تحول من حزب قائد إلى حزب مكمل، ومن طليعة الحركة الوطنية إلى مجرد رقم في معادلة الحكم، دون قدرة على التأثير أو الجرأة على المواجهة.

فبعد أن تأسس على القيم الوطنية ومحاربة الاستعمار، نجده قد انخرط تدريجيًا في لعبة السلطة دون رؤية سياسية واضحة.

ويتمثل البارادوكس عنده في محاولته الحفاظ على شرعية تاريخية، لكنه فقد جزءًا كبيرًا من مصداقيته بسبب اصطفافه المستمر إلى جانب الحكومات دون أثر ملموس على السياسات العمومية، حتى في قطاعات اجتماعية مهمة، فتحول من من قيادة الحركة الوطنية إلى تموقع وظيفي في النسق السلطوي..

4. حزب التجمع الوطني للأحرار، الواجهة الديمقراطية مقابل الامتداد السلطوي:

يُعد حزب التجمع الوطني للأحرار حالة نموذجية لـ”البارادوكس السياسي” في المغرب، حيث يجمع بين مظهر حزب سياسي منتخب ديمقراطيًا وبين واقع امتداد لمنظومة النفوذ الاقتصادي والسياسي المخزني.

يقدم الحزب نفسه كقوة سياسية منتخبة ديمقراطيًا، تقود الحكومة بناءً على نتائج صناديق الاقتراع في انتخابات 2021، لكن خلف هذه الواجهة، يظهر الحزب كأداة من أدوات الدولة العميقة، تم تمكينه انتخابيًا وإعلاميًا وماليًا بطريقة تفتقد إلى التوازن السياسي والتنافس الحر.

وعلى وقع سقوط رئاسة الحزب في يد ملياردير يرأس الحكومة، يعيش الحزب مفارقة صارخة حيث يتولى رئيسه رئاسة الحكومة، ويملك واحدة من أكبر الثروات الخاصة في المغرب، ما يجسد ازدواجية غير مسبوقة بين سلطة القرار السياسي وقوة المال والنفوذ الاقتصادي. هذا التداخل يُنتج ما يمكن وصفه بـ**“الأوليغارشية الحزبية”**: حيث تُستعمل الدولة كامتداد للمقاولة، وتُدار المقاولة كامتداد للدولة.

ومن أغرب المفارقات التي يمكن إثارتها، تلك الشعارات الاجتماعية التي يرفعها في مقابل سياسات نيوليبرالية متوحشة.. حيث رفع الحزب شعارات من قبيل: “فرص”، “أوراش”، “الدعم المباشر”، “كرامة”، “الحكومة الاجتماعية”، لكن سياساته الفعلية جاءت في الاتجاه المعاكس: زيادات غير مسبوقة في الأسعار، تجفيف الدعم، انهيار القدرة الشرائية، استمرار التضييق على الحريات العامة والصحافة المستقلة.

والمفارقة هنا أن من وعد بالفئات الهشة، صار خصمًا مباشرًا لها من موقع السلطة.

لقد تصدر حزب الحمامة المشهد السياسي في ظل غياب شرعية النضال، وهذا بخلاف الأحزاب التاريخية التي وصلت إلى السلطة عبر نضالات وتضحيات، حيث تأسس حزب الأحرار في حضن المخزن دون أن يحمل أي رصيد نضالي مستقل، ومع ذلك، قُدم كـ”البديل القوي”، وتم تسويقه انتخابيًا وإعلاميًا على نطاق واسع، ما يكشف مفارقة صناعة الزعامة من فوق لا من القاعدة.

وتكريسا للمفارقات السياسية انتهج الحزب أسلوب الإغراق في التسويق السياسي وتفريغ السياسة من معناها، وذلك باعتماد الحزب على حملات تسويقية ضخمة وإعلام ناعم يخاطب الغرائز أكثر من العقول، ويراهن على الصورة بدل المضمون. هذه الاستراتيجية رسخت بارادوكس السياسة بوصفها سلعة تجارية، لا مشروعًا مجتمعيا.

يمثل حزب التجمع الوطني للأحرار أحد أبرز تعبيرات البارادوكس السياسي في المغرب: حزب يجمع بين قوة المال والسلطة التنفيذية و«الشرعية الانتخابية» المدارة من فوق، ما يجعله تجسيدًا حيًا للنيوليبرالية السلطوية التي تُفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، وتحول المؤسسات إلى واجهات تخدم مصالح نخبة محدودة، الأوليغارشية المغربية التي تربطها علاقة جدلية بالمخزن الاقتصادي.

5. حزب التقدم والاشتراكية: من يسار نقدي إلى موظف سياسي،

حزب تأسس على مرجعية اشتراكية راديكالية وطرح نقدي جذري للنظام، لكنه صار أحد أكثر الأحزاب دفاعًا عن اختيارات السلطة، خصوصًا بعد تجربة المشاركة الحكومية الممتدة.

وتتجلى مظاهر التناقض في: تحول خطابه من نقد النظام الملكي وسياسات الدولة إلى الدفاع الصريح عن “الملكية المواطنة”.

أما على مستوى تحالفاته السياسية، فقد دخل تحالفات حكومية حتى مع أحزاب يمينية أو سلطوية مثل “التجمع الوطني للأحرار”، دون تحفظات أيديولوجية، الأمر الذي أسقطه في التبرير المفرط لكل تحالفاته، حيث يسوّق لمشاركته في الحكومات المتعاقبة كـ”تدبير للواقعية السياسية”، رغم ضآلة تأثيره داخلها. وهذا ما نتج عنه انسحاب قاعدته الاجتماعية، حيث غادره معظم المناضلين اليساريين لصالح فصائل أكثر راديكالية أو قاطعوا الحياة السياسية بصفة نهائية.

حزب التقدم والاشتراكية كان في طليعة المدافعين عن الاشتراكية، لكنه انخرط في حكومات تقنية دون قدرة على التأثير، مبررًا ذلك بـ”الواقعية”. ويتمثل البارادوكس عنده في تبنى خطاب المعارضة أحيانًا، لكنه لم يغادر مربع المشاركة، حتى في ظل تهميشه الواضح. أصبح رهين “البراغماتية” التي أفرغته من قيمه التأسيسية. وبذلك تحول من حامل لمشروع تحرري إلى موظف سياسي في آلة تدبير تقني، فاقد للقاعدة والمنطلق.

6. الحركة الشعبية: هوية أمازيغية مستعملة،

حزب يحمل شعارات التمثيل القروي والدفاع عن الأمازيغية، لكنه لم يتجاوز دور الواجهة الرمزية في هندسة المشهد الانتخابي. أما البارادوكس الذي يجسده حين لا يعبر حقيقة عن هموم من يدّعي تمثيلهم، بل يُستعمل (الحزب) لإضفاء طابع “التنوع” على السلطة المركزية، دون أن يُمارس فعلًا نضالًا من أجل الجهات المهمشة.

هذا الحزب الذي تأسس على مطالب الهوية الثقافية والتمثيل القروي، إنما كان ذلك ليصير تابعًا إداريًا للنظام السياسي المركزي. وبذلك تتجلى مظاهر التناقض عنده في التموقع السياسي، ذلك أنه رغم شعارات “الأصالة” و”الريفية”، لم يعارض أي قرار للدولة، وشارك في جميع الحكومات تقريبًا.

كما أن أهم ما يميز الحزب هو تأميم القيادة، حيث لا يأتي زعماؤه من القاعدة الشعبية، بل يتم انتقاؤهم وفق الولاء الإداري، مما جعل الحزب آلة انتخابية أكثر منه تنظيمًا تمثيليًا.

إضافة إلى ذلك تم تسخير خطابه الأمازيغي للتزيين السياسي فقط، دون تبنٍّ حقيقي لقضايا الثقافة أو الأرض أو الإنصاف الجهوي في اتجاه تفكيك الهوية لا تجميعها.

حزب الحركة الشعبية استُهلك رمزيًا كجسر نحو العالم القروي دون أن يدافع فعليًا عن مصالحه، بل ساهم في تكريس تهميشه واستغلاله سياسيا واقتصاديا، وتضييعه اجتماعيا.

6. حزب الأصالة والمعاصرة: مشروع سلطوي مأزوم،

تأسس بإرادة سلطوية لضرب تيارات إسلامية، خاصة حزب العدالة والتنمية كما أكده مؤسسه خلال الإعلان عن هذا الحزب، ورفع شعارات الحداثة والحقوق، لكنه اليوم يعاني من أزمة هوية وتنظيم ورفض شعبي واسع.

يتمثل البارادوكس لديه لكونه أُسس من أداة لفرض التوازن، فتحول إلى عبء على السلطة نفسها، يتخبط في تحالفات متناقضة، ويغرق في صراعات داخلية، بلا مشروع سياسي واضح.

ومن مظاهر التناقضات التي يعاني منها، الولادة السلطوية أو الولادة غير الشرعية، حيث تم إنشاؤه من قبل وزير داخلية سابق كمشروع حزبي سلطوي، مما سلبه شرعيته التمثيلية.

هو حزب يتبجح برفع شعار التقدمية، إلا أنها بلا مضمون، ويتبنى خطابًا حداثيًا حقوقيًا بنفس شمولي يقترب من الفاشية، إضافة إلى كونه لا يجد حرجا في التصويت على قوانين تقيد الحريات وتحمي الفساد. وهذا مع التنويه بالتذبذب القيادي، حيث تظهر في كل مناسبة كثرة الانشقاقات والصراعات الداخلية التي تعكس غياب الإيديولوجيا أو المشروع المجتمعي الحقيقي. وأخيرا التحالفات الهجينة بتحالفه مع الإسلاميين في جماعات محلية، ومع الليبراليين في البرلمان، بما يناقض خطابه التأسيسي.

حزب الأصالة والمعاصرة عبارة عن منصة انتخابية بدون مشروع سياسي أو مجتمعي، مما جعله رغم فوزه في انتخابات 2021 جزءًا من الأزمة السياسية المغربية وليس جزءا من الحل.

ثانيا: خلاصات واستنتاجات،

من أبرز المفارقات السياسية (البارادوكسات) في المغرب ما يمكن تسميته بـ”مفارقة الانتخابات والسلطة”. فمن جهة، يُقدّم المغرب على أنه بلد يتبنى الخيار الديمقراطي، ينظم انتخابات دورية، ويُشرف عليها “مجلس مستقل”، وتشارك فيها أحزاب متعددة، بل تصل أحزاب معارضة إلى قيادة الحكومة. غير أن كل هذه المظاهر لا تعدو أن تكون واجهة شكلية لديمقراطية خاضعة بالكامل لسلطة فعلية غير منتخبة، توجه النتائج، وتضع الخطوط الحمراء، وتمسك فعليًا بمقاليد القرار السياسي، الأمني، والديني.

هذا البارادوكس يتجلى حين نلاحظ أن الدولة نفسها هي التي تُشرف على تنظيم الانتخابات، وهي التي تُحكم من خارج نتائجها، وتفرض على المنتخبين ما يجب فعله وما يجب السكوت عنه. فالسلطة التنفيذية، رغم أنها منبثقة نظريًا من صناديق الاقتراع، تظل خاضعة لسلطة عليا لا تخضع للمساءلة، بل توجه الحكومة وتعين الوزراء المفصليين (الداخلية، الأوقاف، الخارجية…)، وتُبقي يدها على أجهزة الأمن والقضاء والإعلام، أي على كل مفاتيح التحكم.

وهذا ما جعل العديد من الباحثين يتحدثون عن “الملكية التنفيذية” أو “الحكم المزدوج”، حيث تُستعمل أدوات الديمقراطية من أجل تعزيز الاستبداد، وتُفرغ مؤسسات التمثيل من مضمونها، ليصبح “البرلمان مسرحًا للخطابة” والحكومة “هيئة لتصريف الأعمال”، بينما القرار الحقيقي يُتخذ في مكان آخر، خلف الكواليس أو في مجالس غير منتخبة.

المشهد الحزبي المغربي يعيش حالة “تمسرح سياسي”، حيث تتظاهر الأحزاب بالاختلاف، لكنها تُدار ضمن منطق واحد لا يُمكّنها من ممارسة الفعل السياسي الحقيقي. هذا البارادوكس السياسي يؤدي إلى عزوف سياسي، وتآكل الثقة، وخلق نخب انتهازية لا تؤمن بالإصلاح ولا الثورة. لذلك وأمام هذه المشاهد البارادوكسية لا يمكن الحديث عن ديمقراطية فعلية بدون استقلال حقيقي للقرار الحزبي، ورفع اليد الأمنية عن السياسة، وضمان تنافس شفاف حول البرامج لا الأشخاص.

إرسال التعليق