
المفاهيم المتنازعة في خطاب الهوية: تأملات في الحالة الأمازيغية بالمغرب
رصد المغرب/يونس بلمالحة
أتابع عن كثب ظاهرة النشطاء الأمازيغيين، بهدف التعرف على أحد مكونات المجتمع المغربي المتنوع.
لا أهدف من خلال هذه الرحلة الاستكشافية إلى تفسير الظاهرة بقدر ما أؤكد على غاية الفهم، وأقصد هنا المعنى الألماني لكلمة الفهم. وكما يقول الألمان، فإن الفهم (Verstehen) يختلف جوهريًا عن التفسير (Erklären). فالأول يحمل في طياته دلالة التفاعل الداخلي مع الموضوع ومحاولة تفهّمه من الداخل، في حين يهدف الثاني إلى تقديم شرح علّي وموضوعي للظاهرة.
يُلاحظ في خطابات رموز النشطاء الأمازيغيين وأعلامهم بشكل خاص معاناة أحيانًا في تحديد المفاهيم، خاصة تلك المتعلقة بالمفاهيم الأساسية، والتي غالبًا ما تُستخدم بشكل غير دقيق أو يُخلط بين معانيها. ويُعد هذا الأمر، في حد ذاته، موضوعًا يستحق دراسة سوسيولوجية أو لِسَانية معمقة. وهنا أستحضر ثلاثة نماذج:
الخلط بين مفهومي الحضارة والثقافة
لقد لفت انتباهي أن أبرز أعلام الطرح الأمازيغي لا يميزون بين مفهومي الحضارة، التي تُعنى بالبُنى المادية، والثقافة، التي تختص بالمعاني والقيم والعادات. ويترتب على هذا الخلط إنشاء سردية متخيلة لا تعكس جوهر الهوية الأمازيغية ودينامياتها الحقيقية. وقد توقفت عند تفسير معاني هذين المفهومين في مقام آخر.
الخلط بين علم الأحافير وعلم الآثار
يبني خطاب بعض النشطاء استنتاجاتهم بشكل غير دقيق، حيث لا يُميز بين معطيات علم الأحافير من جهة وعلم الآثار من جهة أخرى.
فعلم الأحافير (Paleontology) هو العلم الذي يدرس البقايا المتحجرة للكائنات الحية، سواء كانت نباتات أو حيوانات، ويهدف إلى فهم تاريخ الحياة على الأرض وتطور الأنواع القديمة. ومن أمثلته: اكتشاف “إنسان إيغود”، الذي يُعد من أهم إنجازات هذا العلم.
أما علم الآثار (Archaeology)، فيختص بدراسة الإنسان ومنجزاته في الماضي من خلال تحليل القطع الأثرية المادية في سياقها التاريخي، كالأدوات، والعمران، والنقوش، والتوثيق القديم، بهدف تفسير سلوك الإنسان وتاريخه الثقافي والحضاري.
ويعتمد هذا العلم على منهجيات تتقاطع أحيانًا مع عمليات الحفريات، لكن كل منهما يركز على جانب مختلف من الماضي الطبيعي والبشري.
إن الخلط بين نتائج هذين المجالين، خاصة عندما يتخذ طابعًا تأويليًا، يؤدي إلى ابتزاز التراث المغربي وتعقيد فهمه، ويُظهر لدى بعض دعاة “الأمزغة” ضعف التمييز بين المعطيات العلمية والخطابات الأيديولوجية.
الاستخدام الاجتماعي لمفهومي “العرق” و”الأصل“
يُلاحظ أن الخطابات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي تتناول مفهومي العرق (Race) والأصل (Origin) بشكل سطحي ومثير للقلق، حيث يعتقد الكثيرون أن هذين المفهومين ينتميان إلى مجال علم الأحياء (البيولوجيا)، مما يخلق انطباعًا بانزلاق الخطاب نحو العنصرية.
كما أن العشوائية في استخدام المصطلحين تؤدي إلى تشويه العلاقة بين المعطيات البيولوجية والسرديات التاريخية.
إن مفهوم “العرق” لا يعكس بدقة الجذر البيولوجي أو الخريطة الجينية من حيث التنوع الوراثي، بقدر ما يرتبط بتصنيفات ظاهرية تُستخدم غالبًا في سياقات تاريخية أو جغرافية. ومن ثم فإن استخدام هذا المفهوم قد يكون خطيرًا، إذ يُؤسِّس للفرقة داخل المجتمع ويفرز صراعات بينية.
ولا يزال مفهوما “العرق” و”الأصل” يُعدّان إشكاليين في علم الأحياء، لأسباب تتعلق بكيفية تصنيف التنوع البشري، إذ لا توجد فوارق جينية قاطعة أو حدود دقيقة تفصل بين المجموعات البشرية.
كما أن البشر يشتركون في نسبة عالية جدًا من التركيب الجيني، إضافة إلى أن التنوع الوراثي يتوزع تدريجيًا عبر الجغرافيا، مما يجعل تصنيف البشر إلى أعراق أو أصول ثابتة أمرًا بعيدًا عن الدقة العلمية.
لذلك، فإن الحذر واجب، والأَولى تجنب الاستخدام غير المنضبط لمصطلحي “الأصل” و”العرق”، حمايةً لوحدة المجتمع وتفاديًا لتعميق الانقسامات.
إرسال التعليق