×

المواطن لا يعارض التنمية.. لكنه يطلب عدالة لا تُهدم !!!!

المواطن لا يعارض التنمية.. لكنه يطلب عدالة لا تُهدم !!!!

رصد المغرب / عبدالكبير بلفساحي

في زخم المشاريع الكبرى التي تشهدها بلادنا استعدادا لاستحقاقات 2030، وفي قلب الأوراش الممتدة على طول خريطة المملكة، تبرز قضية نزع الملكية بوصفها أحد أكثر المواضيع حساسية وتشابكا.

ليست فقط تقنية قانونية، بل قضية إنصاف، قضية ثقة، وقبل كل شيء: قضية إنسان.

ففي الآونة الأخيرة، توقف صوت الجرافة في حي “المحيط” بالرباط. لكن صوتًا آخر ارتفع: وهو صوت المواطن في المحكمة.

سكان فقدوا بيوتهم المطلة على البحر، بعدما تلقوا إشعارات بالنزع “لأجل المنفعة العامة”، قبل أن تفاجئهم وثائق التهيئة الجديدة بأن الأرض التي أُخذت منهم ستحول إلى مشاريع عقارية من ستة طوابق.

إن المواطن المغربي لا يرفض التنمية، ولا يقف ضد التقدم، بل هو أول من يدفع ثمن تعثره إن حصل، وأول من يستبشر بنجاحه إن تحقق. لكنه في المقابل، يرفض أن يكون مجرد رقم في معادلة حسابية تدار من خلف مكاتب مغلقة. فالمواطن يريد أن يكون جزءا من الرؤية، لا مجرد مرحلة في التنفيذ.

هنا تطرح الأسئلة نفسها بإلحاح: هل لا تزال “المنفعة العامة” تحظى بالتعريف الصارم الذي وضعه المشرّع؟

أم أنها أصبحت بابا مشرعا لتفويتات انتقائية واستثمارات مموهة تحت غطاء قانوني هش؟

ومتى تصبح العدالة العقارية جزءا أصيلا من العدالة الاجتماعية التي نطمح إليها جميعا؟

لا يعقل أن ينتزع منزل مواطن كان يراهن عليه كمصدر استقرار أو استثمار عائلي، ويعوض بتعويض لا يساوي حتى نصف قيمته السوقية، ثم يخبر أن نفس الأرض ستباع للخواص لإقامة مشاريع تجارية.

هذا ليس فقط خللا قانونيا، بل شرخ في العلاقة بين المواطن والدولة يلتزم فيه المشرع صمتا مطلق .

نزع الملكية ليس قرارا إداريا محضا. بل إنه قرار يمس الهوية، الانتماء، الذاكرة، والاستقرار النفسي والاجتماعي. فكل متر مربع ينتزع دون عدالة، ينتزع معه رصيد من الثقة الوطنية.

ثمّة جهود تبذل من وزارة الداخلية ومديرية الجماعات المحلية لتنظيم هذا الورش وضبط اختلالاته، لكنها جهود لن تؤتي أكلها إن لم تفتح الملفات القديمة، ويعالج جوهر الأزمة الموازنة بين حق الدولة في التخطيط وحق المواطن في الكرامة.

فلا أحد يعارض أن تتحول الأحياء إلى فضاءات عصرية، لكن السؤال هو: لمن تبنى هذه الفضاءات؟ وهل تشمل أولئك الذين طلب منهم مغادرتها؟

نعم، نريد تنمية تليق برؤية 2030، نريد مطارات جديدة، ملاعب، أحياء ذكية، ومناطق سياحية. لكننا نريد أيضا مواطنا يرى نفسه في هذه الصورة، لا يرى أنه تم حذفه منها.

فالعدالة لا يجب أن تهدم مع الجدران القديمة. والاستثمار لا يجب أن يشيد فوق ذكريات المالكين السابقين دون تقدير. و كذلك التنمية، مهما كانت طموحة، تفقد معناها إذا كانت تترك خلفها مواطنا يشعر بأنه غريب في أرضه.

ففي الختام ، الرسالة واضحة، وهادئة في ظاهرها، لكنها قوية في مضمونها ، لأن المواطن لا يعارض التنمية.. لكنه يطلب عدالة لا تهدم.

إرسال التعليق