
الي أين سيمضي العالم وقد أطلق من قمقمه شبحآ نوويآ لايعرف لغة الحوار ..؟؟
رصد المغرب / د . أنس الماحي
في ساعة الغضب الكبري ، دوَّى الانفجار، لا في أرض فحسب، بل في موازين العالم حيث نفّذ الجيش الأمريكي على حين غرة هجوماً ثلاثيّ الرؤوس على مواقع نووية إيرانية، كاشفًا عن وجه جديد للصراع ، وجه لا يحمل سوى البارود والخراب ، ويتحدّى بقسوته صبر الجغرافيا وهدوء الدبلوماسية.
فوردو، نطنز، أصفهان… ثلاث نقاط على خارطة إيران تحوّلت فجأة إلى رماد نووي ،،، ثلاث مدن كانت تضجّ بأمل التقنية وأحلام الردع، أصبحت مسرحًا للحديد والنار، بعدما أمطرها الطيران الأمريكي بأكثر من ثلاثين طناً من القنابل ،،، بحسب ما زعمته صحيفة نيويورك تايمزإنه ضرب في عمق العصب الإيراني، واستهداف لمشروعٍ لطالما كان عنوان السيادة والكرامة في الرواية الإيرانية.
لم تمضِ سوى دقائق، حتى خرج وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من صمته، ليمسك قلمه لا لكتابة بيان دبلوماسي، بل لإطلاق إنذار أخلاقي وإنساني وسيادي : “أحداث هذا الصباح شنيعة وستكون لها عواقب وخيمة، إيران تحتفظ بجميع الخيارات للدفاع عن سيادتها ومصالحها وشعبها”.
كلمات تنبض بالغضب، لكنها تحمل في طياتها نذر مرحلة جديدة، قد لا يكون فيها مكان للهدوء أو التسويات الرمادية ،، مرحلة تتقاطع فيها دماء المنشآت المدمرة مع كرامة الدولة الجريحة.
ومن وراء البحر، يطل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عبر منصته “تروث سوشيال”، لا ليعبّر عن أسف أو تحذير، بل ليعلن بلهجة استعلاء : “لقد نفذنا هجومنا الناجح للغاية على المواقع النووية الثلاثة في إيران.” ،، هكذا ببساطة، يُختصر العدوان، وتُصاغ الحرب في جملة، وكأنّ الأمر لا يتعدى زرًا ضُغط من غرفة مظلمة، ليُشعل نهاراً دامياً في بلادٍ أخري ولكن هل يُترك الأمر عند هذا الحد؟
إنها إيران.، الدولة التي تنام على الرماد وتصحو من تحت الأنقاض، تحمل جراحها وتمضي ، تهدد وتتوعد، وتختزن من الكبرياء ما يجعلها لا تسكت طويلاً. فقد تسربت الأحاديث، وتمتمت التحليلات، عن ردٍ إيرانيٍّ محتمل، لا على واشنطن نفسها، بل على مصالحها المنتشرة كالشرايين في جسد الشرق الأوسط، القواعد الأمريكية، السفارات، المصالح التجارية، الحلفاء الإقليميون… كلها تحولت فجأة إلى أهداف “محتملة”، في مشهد تتسع فيه الاحتمالات ويضيق فيه المنطق.
غير أن السؤال الأكثر فتكًا هو هل ستصمد إيران، في ظل الاختراقات الأمنية الواسعة التي عانت منها؟ فمنذ سنوات، و”الأشباح الإسرائيلية” تتجول في الخفاء داخل حدودها، وتنهش معلوماتها، وتغتال علماؤها، وترصد أنفاس منشآتها النووية. جواسيسٌ كُشف عن بعضهم، وكُتم عن آخرين، مهّدوا لهذا اليوم الذي سقطت فيه المواقع واحدة تلو الأخرى، وكأنما كانت الأهداف مرسومة مسبقًا على خرائط العدو.
لقد أُشعلت النار، وبات الشرق الأوسط يقف على شفير بركان لا يُبقي ولا يذر ، فما بعد فوردو، ليس كما قبلها، وما بعد نطنز وأصفهان، قد يكون سلسلة من الردود لا أحد يدري كيف ستبدأ، ولا متى ستنتهي.
وإن كان البعض يرى أن الضربات الأخيرة صفعة قاسية، فإن التاريخ علّمنا أن الأمم لا تُقاس بجراحها، بل بقدرتها على النهوض من تحت رمادها ،، فهل تكون هذه لحظة الإنكسار، أم لحظة الانبعاث من تحت القصف؟ وإلى أين سيمضي العالم، وقد أطلق من قمقمه شبحاً نووياً لا يعرف لغة الحوار؟ الأسئلة كثيرة، والسماء لا تزال ممتلئة بالدخان… والعالم يحبس أنفاسه.
إرسال التعليق