بعد اختراق مؤسسات حساسة… هل ما زالت الثقة بين المواطن والإدارة ممكنة؟
رصد المغرب / عبد الكبير بلفساحي
في زمنٍ أصبحت فيه المعلومة رأسمالا، والثقة سلعة نادرة ، تلقى المغاربة صدمة مزدوجة تتجلى في اختراق رقمي طال مؤسستين من صميم حياتهم اليومية ، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الشغل.
الحدث في حد ذاته بالغ الخطورة، لكن الأدهى من ذلك، كان في طريقة التعامل معه ، فلم يسمع اعتذار رسمي يطمئن أفراد المجتع المغربي ، ولم تر محاسبة واضحة تعيد بعض الثقة ، بل ساد خطاب دفاعي، أحيانا تهديدي، يوحي بأن المسؤول يضع نفسه في موقع الضحية، والمواطن في موقع المتهم. وهنا، تطرح الأسئلة نفسها بقوة وهدوء ، فما الذي بقي من الثقة إن غابت الشفافية؟ وما مصير العلاقة بين المواطن والإدارة إن لم تحمى أسراره ومعطياته؟
لا يمكن لأحد أن ينكر وجود مجهودات لتحديث الإدارة المغربية ، فالرقمنة تسير، والتطبيقات تطلق، والمصالح تبسط شكليا. لكن، كما يعلم الجميع، السرعة في الإعلان لا تعني بالضرورة الجاهزية التكنولوجية والأمنية.
فحين تخترق قواعد بيانات ضخمة كهذه، فنحن لا نتحدث فقط عن “حادث تقني”، بل عن أزمة ثقة عميقة. لأن المواطن المغربي، حين يجبر على وضع بصماته، ورقم بطاقته، وحسابه البنكي، وكل تفاصيله في منصات حكومية، يفترض عن حق أن تكون تلك المنصات حصنا له، لا ثغرة عليه. فالمشكل ليس في الخطأ. بل في طريقة معالجته ، فكل نظام معرض للاختراق. هذه حقيقة يعرفها المختصون. لكن ما يميز الأنظمة الرصينة عن غيرها، هو كيف تتعامل مع أزماتها . هل تواجهها بالشجاعة والمسؤولية؟ أم بالصمت والتبرير؟
إن ما جرى أخيرا كشف شيئا من الخلل في هذه “الحوكمة الرقمية” التي نتغنى بها، فقد غاب صوت الطمأنة، وغابت الرسائل المؤسسية الذكية. ولم نر تواصلا يرقى إلى مستوى ما حدث. بل بدا وكأن بعض المؤسسات لم تدرك بعد أنها لم تعد تحتكر الحقيقة. وأن المواطن، بحكم ما يرى ويحلل، صار شريكا واعيا، لا مجرد متلق .
وللاتجاه نحو عقد جديد من الثقة ، ربما آن الأوان لإعادة التفكير في العلاقة بين المواطن والمؤسسة. ليس من باب العتاب أو التصعيد، بل من باب التأسيس لمرحلة جديدة، قوامها ، الشفافية عند الأزمات ،و الوضوح في التواصل ، والجرأة في الاعتراف والتصحيح ، لأن الثقة لا تطلب من المواطن، بل تبنى له. ويكفي أن يشعر المواطن بأن كرامته مصونة، وبياناته مؤمنة، وصوته مسموع، حتى يعود من تلقاء نفسه إلى مربع الثقة والانخراط.
فما حدث كان فرصة، لا كارثة فقط. فرصة لأن تراجع المؤسسات نفسها، وتدرك أن السلطة اليوم لا تمارس فقط من خلال القانون، بل من خلال المصداقية ، والرهان الأكبر ليس فقط في تفادي الاختراقات مستقبلا ، بل في تفادي فقدان الثقة إلى غير رجعة.
إرسال التعليق