بين خطاب المنصوري وصرخات المنزه: حين تتحدث الحكومة بلغة الأرقام والواقع بلغة الألم

بين خطاب المنصوري وصرخات المنزه: حين تتحدث الحكومة بلغة الأرقام والواقع بلغة الألم
رصدالمغرب / نعيم بوسلهام
في جلسة الأسئلة الشفوية يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، قدمت وزيرة إعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة، فاطمة الزهراء المنصوري، عرضًا مطولًا حول ما وصفته بـ”الإنجازات الكبرى” في مجال السكن، مؤكدة أن أكثر من 94 ألف أسرة تستفيد سنويًا من برامج الوزارة، وأن العجز السكني تقلّص بنسبة 25%.
لكن خلف هذه الأرقام التي تتلألأ في قاعات البرلمان، يقف واقع مرير في مناطق منكوبة ومهمشة، من الحوز إلى جماعة المنزه نواحي الرباط، حيث لا تزال الأسر المتضررة من الهدم والزلازل تعيش في العراء أو في مساكن مؤقتة، في انتظار وعود حكومية فقدت مصداقيتها مع مرور الوقت.
دوار ولاد مبارك… من مشروع إعادة هيكلة إلى مأساة إنسانية
دوار ولاد مبارك بجماعة المنزه، نموذج حيّ على التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع الفعلي. ففي صيف 2023، شُنّت حملة هدم جماعي طالت عشرات الأسر تحت شعار “إعادة الإسكان وتطوير المنطقة”.
غير أن ما سُمّي بمشروع تنموي تحوّل إلى كابوس إنساني، بعدما تُركت الساكنة لمصير مجهول دون مأوى، في ظل تواطؤ صامت بين سلطات محلية ولوبيات عقارية تسعى إلى تحويل الأراضي إلى مشاريع ربحية ضخمة.
ولم يكتف المتضررون بالصمت، بل خرجوا في وقفة احتجاجية رمضانية يوم 5 أبريل 2024 أمام مقر جماعة المنزه، للتنديد بما وصفوه بـ“سياسة التسويف والمماطلة”.
رفع المحتجون شعارات قوية ترفض ما اعتبروه “ترحيلاً قسريًا” و“فرضًا للأمر الواقع”، مطالبين بـ سكن مقابل سكن بدل الشقق التي وصفوها بأنها “لا تليق بعائلات كبيرة ولا تحفظ كرامة الإنسان”.
“سكن مقابل سكن”.. شعار الكرامة المهدورة
صرخات ساكنة ولاد مبارك تختصر المأساة: “لا نريد شققًا ضيقة تُفرض علينا، نريد فقط قطعة أرض نبني فوقها بيوتنا كما كانت.”
هكذا تحدث أحد المتضررين، الذي كشف أن مشروع إعادة الهيكلة الذي كان يشمل دواري ولاد مبارك وولاد بوطيب على مساحة 53 هكتارًا تم “إقباره بشكل مفاجئ”، وسط ما اعتبره السكان تواطؤًا بين السلطتين الإدارية والمنتخبة.
وفي الوقت الذي كانت الساكنة تنتظر حلولًا واقعية تحفظ كرامتها، اكتفت السلطات بإرسال رئيس الدائرة الذي حاول إقناع المحتجين بقبول “الشقق”، دون أي حوار فعلي أو استماع لمطالبهم.
أما الوزيرة المنصوري، فلم تشر ولو بكلمة في مداخلتها إلى معاناة هذه الأسر المشردة، مكتفية بعرض إحصائيات براقة تتحدث عن آلاف الأسر “التي استفادت” و”مدن بدون صفيح”، وكأن دوار ولاد مبارك ليس على الخريطة.
بين الحوز والمنزه… غياب العدالة السكنية
المنصوري تحدثت عن “عدالة مجالية” و“هندسة مالية جديدة” لضمان الاستمرارية، لكن الحقيقة أن العدالة غابت تمامًا عن القرى المنكوبة في الحوز التي ما زال ضحاياها يواجهون قسوة الشتاء بلا مأوى، وعن الأسر المهدمة منازلها في المنزه التي تُركت تتفاوض مع البرد والتشرد بدل أن تُحاورها الدولة.
فهل تُقاس نجاعة السياسات الحكومية بعدد الشقق المعلنة أم بعدد الأسر التي استعادت كرامتها؟ وهل تكفي الأرقام لتغطية فشل أخلاقي وسياسي بهذا الحجم؟
الحصيلة الحقيقية: من الدولة الراعية إلى السوق العقارية
الواقع يقول إن ملف السكن في المغرب تحوّل من حق اجتماعي إلى سلعة تجارية، ومن ورش عمومي إلى مجال مفتوح للوبيات العقار والمضاربين.
تتحدث الوزيرة عن ضخ أكثر من 30 مليار درهم في السوق العقارية، لكنها لم تتحدث عن قيمة المنازل المهدومة، أو عن كلفة الإيجار التي يتحملها مواطنون تم تهجيرهم قسرًا من بيوتهم، أو عن آلاف الأسر التي تنتظر “الدعم المباشر” دون أن ترى منه سوى واجهة رقمية باردة.
حين يتحول الإنجاز إلى إدانة
خطاب فاطمة الزهراء المنصوري لا يُظهر حصيلة نجاح، بل يكشف مأساة مضاعفة: مأساة حكومة تبيع الأوهام بلغة الأرقام، ومأساة مواطنين يواجهون مصيرهم في العراء بعد أن وعدوهم بالكرامة والسكن اللائق.
فبين “مدن بلا صفيح” و”مواطنين بلا مأوى”، يبدو أن المغرب يعيش مفارقة الإسمنت والإنسان، حيث تُبنى المشاريع على الورق، ويُهدم الواقع على الأرض.
إرسال التعليق