تسليم الأسرى.. نهاية ورقة الابتزاز الإسرائيلية

تسليم الأسرى.. نهاية ورقة الابتزاز الإسرائيلية
رصد المغرب/ الحيداوي عبد الفتاح
على عكس ما يعتقد البعض ويتخوف منه آخرون، من أن تسليم حركة حماس لجميع الأسرى الإسرائيليين سيجردها من آخر أوراق الضغط المتبقية لديها، أرى أن العكس هو الصحيح تماما.
فهذه الخطوة، إن تمت، قد تمثل تحولا كبيرا في مشهد الحرب على غزة، ليس فقط لأنها تغلق ملفا ظل حاضرا في كل جولة تفاوضية، بل لأنها ستسحب من يد إسرائيل آخر مبرر كانت تتكئ عليه لتبرير استمرار عدوانها على القطاع.
منذ البداية، استثمرت إسرائيل ورقة الأسرى إلى أقصى حد، وجعلت منها غطاء سياسيا ودعائيا لتسويغ حربها المفتوحة على غزة غير أن هذه الورقة استُهلكت إلى حد بعيد، بعدما تحولت من أداة ضغط إلى عبء سياسي وأخلاقي داخلي على حكومة نتنياهو التي فشلت في استعادة أسراها رغم مرور شهور طويلة من الحرب المدمرة. لذلك، فإن إغلاق هذا الملف من طرف المقاومة قد يكون بمثابة نزع للذريعة الأخيرة التي تبرر استمرار العمليات العسكرية.
فبمجرد إنهاء هذا الملف، تكون حماس قد أزاحت عن نفسها عبء مساومة إنسانية كانت إسرائيل تستخدمها كورقة تلاعب أمام المجتمع الدولي. وبذلك، تنتقل المعركة من مستوى المساومات التكتيكية إلى فضاء الصراع السياسي والأخلاقي المفتوح، حيث لا يبقى لإسرائيل ما تبرر به قصف المدنيين سوى الرغبة في الإبادة والتدمير.
وهنا، يتحول المشهد من نزاع “أمني” له ذرائع معلنة، إلى عدوان سافر لا لبس فيه. وهذا ما تخشاه تل أبيب أكثر من أي شيء آخر، لأن فقدانها للغطاء الإنساني سيجعلها في مواجهة مباشرة، أكثر من أي وقت مضى، مع القانون الدولي والرأي العام العالمي، الذي أصبح أكثر وعيا وفهما لطبيعة ما يجري في غزة.
عندما تفقد إسرائيل ورقة الأسرى، ستجد نفسها أمام معادلة جديدة؛ إما وقف الحرب والقبول بحلول سياسية تكرس واقعا جديدا في غزة، أو الاستمرار في حرب بلا غطاء أخلاقي ولا شرعية قانونية. الخيار الثاني سيعني ببساطة تثبيت تهمة الإبادة الجماعية عليها، لأن العالم لم يعد يقتنع بالذرائع القديمة حول “محاربة الإرهاب” أو “تحرير الأسرى”.
في المقابل، فإن المقاومة، بإنهاء ملف الأسرى، ستكسب رصيدا سياسيا ومعنويا كبيرا، لأنها ستظهر بمظهر الجهة التي تتخذ قراراتها السيادية وفق رؤية وطنية وإنسانية، لا تحتكم إلى منطق المساومة بالمدنيين، وهو ما سيقوي موقعها في أي تسوية مقبلة، ويفتح الباب أمام إعادة تعريف الصراع بعيدا عن الدعاية الإسرائيلية.
قد تكون نهاية ملف الأسرى بالنسبة للبعض خسارة ورقة تفاوضية، لكنها في الحقيقة تحرير لمسار المقاومة من القيود التكتيكية، وإحراج استراتيجي لإسرائيل التي استنفدت كل ذرائعها. ومع زوال هذه الذريعة، لن يبقى أمام العالم سوى أن يرى الحرب كما هي: حرب إبادة تستهدف شعبا بأكمله، لا “عملية أمنية” كما حاولت إسرائيل تسويقها.
وبذلك، فإن ما يبدو “خسارة تكتيكية” لحماس، قد يتحول إلى مكسب استراتيجي يغيّر قواعد الحرب كلها، ويفضح جوهر المشروع الإسرائيلي القائم على القوة والتدمير لا على السلام والردع.
إرسال التعليق