
تقرير حول وضعية المواطنين المغاربة المحتجزين في شمال شرق سوريا
رصد المغرب/الحيداوي عبد الفتاح
مقدمة
يشكّل ملف المغاربة المحتجزين في شمال شرق سوريا واحداً من أكثر التحديات الحقوقية والسياسية والأمنية تعقيدًا في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). فقد خلف انهيار التنظيم آلاف النساء والرجال والأطفال العالقين في السجون والمخيمات التي تديرها “قوات سوريا الديمقراطية”، ضمن سياق دولي وإقليمي غامض، تميّز بضعف التنسيق، وتردد الدول في استعادة مواطنيها. وتُعدّ الحالة المغربية نموذجًا لسياسة مزدوجة بين الحذر السياسي والتوجّس الأمني من جهة، والمطالب الحقوقية الملحّة من جهة أخرى. يهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة لهذا الملف، بما في ذلك الخلفية العامة، المقاربات الحقوقية والسياسية والأمنية، وتأثير التحولات الإقليمية، مع تقديم توصيات عملية لمعالجة هذه الأزمة الإنسانية والحقوقية المعقدة.
أولاً: الخلفية العامة للملف
بعد انهيار آخر معاقل داعش في الباغوز سنة 2019، اعتُقل المئات من المغاربة، بينهم رجال ونساء وأطفال، ونُقلوا إلى سجون ومخيمات في شمال شرق سوريا. يتوزع هؤلاء على:
- رجال محتجزون: في سجون مكتظة وسط ظروف قاسية يبلغ عددهم 135معتقل
- نساء وأطفال: يعيشون في مخيمات الهول وروج عدد النساء 103. الاطفال المرافقين لامهاتهم 292 .الاطفال اليتامى 31 هذا من غير اكثر من 450معتقل من من ليست لهم رغبة الرجوع الى المغرب .وايضا مغاربة الخارج الذين يفضلون تسليمهم الى اوروبا
- أطفال منفصلون: عن أمهاتهم وموضوعون في مراكز احتجاز “تأهيلية”.
الاحصائيات التي تتوفر عليها التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والعالقات بسوريا والعراق
ثانياً: المقاربة الحقوقية
من منظور حقوقي، يثير هذا الملف عدة إشكاليات جوهرية تتطلب اهتمامًا عاجلاً ومعالجة شاملة لضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية للمحتجزين، وخاصة الفئات الأكثر ضعفًا. تتجلى هذه الإشكاليات في النقاط التالية:
1.غياب المحاكمات العادلة: غالبية الرجال المحتجزين في شمال شرق سوريا يواجهون الاعتقال دون محاكمة أو إجراءات قانونية شفافة. هذا الوضع يمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك الحق في الحرية والأمن الشخصي، والحق في الدفاع، والحق في أن يُفترض براءته حتى تثبت إدانته قانونًا. إن استمرار الاحتجاز التعسفي يفاقم من معاناتهم ويحرمهم من أي فرصة للدفاع عن أنفسهم أو الطعن في شرعية احتجازهم.
2.وضعية النساء: تُحتجز النساء المغربيات في ظروف غير إنسانية داخل المخيمات والسجون، حيث يفتقرن إلى أبسط الضمانات القانونية والحماية. في كثير من الحالات، يُفترض أن هؤلاء النساء كن ضحايا للتجنيد القسري أو تم نقلهن إلى مناطق النزاع تحت الإكراه أو التضليل. إن غياب الإطار القانوني الواضح لمعالجة قضاياهن، وعدم توفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم، يزيد من معاناتهن ويجعلهن عرضة لمزيد من الانتهاكات.
3.الأطفال بلا جنسية: يواجه عدد كبير من الأطفال الذين ولدوا في مناطق النزاع، أو الذين تم نقلهم إليها، خطر انعدام الجنسية. فكثير منهم لا يحملون وثائق رسمية تثبت هويتهم أو جنسيتهم، مما يعرضهم لخطر التهميش مدى الحياة ويحرمهم من حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. هذا الوضع ينتهك اتفاقية حقوق الطفل التي تضمن لكل طفل الحق في الحصول على جنسية عند الولادة.
4.الفصل القسري: يمثل نقل الأطفال إلى مراكز احتجازية أو “تأهيلية” دون إشراف قانوني أو نفسي مناسب خرقًا خطيرًا لاتفاقية حقوق الطفل. ففصل الأطفال عن أمهاتهم أو عائلاتهم دون مبرر قانوني واضح، ودون توفير بيئة آمنة ومستقرة تراعي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية، يمكن أن يترك آثارًا نفسية عميقة وطويلة الأمد على نموهم وتطورهم. يجب أن تكون مصلحة الطفل الفضلى هي الاعتبار الأول في جميع القرارات المتعلقة بهم.
ثالثاً: المقاربة السياسية
يتسم الموقف المغربي تجاه ملف مواطنيه المحتجزين في شمال شرق سوريا بالحذر الشديد، وهو ما يعكس توازنًا دقيقًا بين الاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية. يمكن تلخيص هذه المقاربة في النقاط التالية:
- رفض الإعادة الجماعية: على عكس بعض الدول التي تبنت برامج شاملة لإعادة مواطنيها، لم تنخرط الدولة المغربية في برنامج جماعي لإعادة المحتجزين. هذا التوجه يعكس سياسة حذرة تهدف إلى تجنب التداعيات المحتملة لإعادة أعداد كبيرة من الأفراد دفعة واحدة.
- تخوف من تداعيات داخلية: تخشى الحكومة المغربية من التداعيات السياسية والأمنية لإعادة أفراد يُنظر إليهم كـ”عائدين خطرين”، خاصة في ظل التحديات الأمنية المرتبطة بمكافحة الإرهاب والتطرف. هذا التخوف يؤثر على سرعة ووتيرة عمليات الإعادة، ويدفع نحو مقاربة فردية ومدروسة لكل حالة على حدة.
- توظيف الملف دبلوماسيًا: يتم أحيانًا طرح ملف المحتجزين في إطار التفاوض مع شركاء أوروبيين، خاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات الأمنية والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب. كما يُوظف الملف في سياق دعم الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب، مما يمنح المغرب دورًا دبلوماسيًا في هذا الصدد.
رابعاً: المقاربة الأمنية
يظل الهاجس الأمني حاضرًا بقوة في التعامل مع ملف المحتجزين المغاربة في سوريا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على القرارات المتعلقة بإعادتهم وإعادة إدماجهم. تتجلى المقاربة الأمنية في النقاط التالية:
.
1.صعوبة التحقق من الهوية: يعقّد غياب الوثائق الرسمية للمحتجزين، وخاصة الأطفال الذين ولدوا في مناطق النزاع، عملية التحقق من هويتهم وخلفياتهم. هذه الصعوبة تزيد من تعطيل ترحيلهم.
2.محدودية برامج الإدماج: لا توجد حاليًا آلية واضحة ومتكاملة لإعادة إدماج النساء والأطفال العائدين، أو لمتابعة الرجال العائدين أمنيًا ومجتمعيًا. هذا النقص في البرامج المتخصصة ، يجعل من الصعب ضمان اندماجهم السلمي في المجتمع، مما يستدعي تطوير استراتيجيات شاملة تعالج الجوانب الاجتماعية والنفسية.
خامساً: تأثير التحولات الإقليمية
تتأثر وضعية المحتجزين المغاربة في شمال شرق سوريا بشكل كبير بالتحولات الإقليمية والديناميكيات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة. يمكن تلخيص أبرز هذه التأثيرات في النقاط التالية:
- غياب التنسيق مع النظام السوري: يصعّب غياب أي تنسيق مباشر بما في ذلك المغرب، الوصول إلى معلومات دقيقة حول المحتجزين وظروفهم. هذا الوضع يعيق الجهود الدبلوماسية والقنصلية لاستعادة المواطنين، ويجعل عملية التحقق من هوياتهم وتحديد أماكن احتجازهم أكثر تعقيدًا.
- احتمالات انهيار المخيمات أو تسرب السجناء: تشكل التغيرات المستمرة في موازين القوى في سوريا، والتهديدات الأمنية المتزايدة في مناطق الاحتجاز، خطرًا حقيقيًا لانهيار المخيمات أو تسرب السجناء. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والأمنية، ويعرض حياة المحتجزين للخطر.
سادسا جهود التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق
في إطار نضالها المستمر من أجل الدفاع عن حقوق العائلات المغربية المتضررة من ملف الاعتقال والاحتجاز بسوريا والعراق، قامت التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق بعدة مبادرات وتحركات مدنية ومؤسساتية كان أبرزها اللقاء الذي جمعها مع اللجنة البرلمانية المكلفة بالعدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي يوم 6/12/2020. والتي كان يترأسها آنذاك البرلماني وأمين عام حزب الأصالة والمعاصرة الاستاذ وهبي عبد اللطيف.وضمت هذه اللجنة 16برلمانيا من مختلف الأطياف الحزبية
وقد تم خلال هذا اللقاء تقديم مذكرة مطلبية شاملة، سلطت الضوء على الوضع الإنساني والقانوني للمعتقلين والعالقين، لا سيما النساء والأطفال، مع المطالبة بتفعيل الآليات الوطنية لإعادتهم وإدماجهم، انسجاما مع التزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان، ووفق مقاربة إنسانية وأمنية شاملة.
إلى جانب هذا اللقاء، نظمت التنسيقية مجموعة من الأنشطة الهادفة إلى تحسيس الرأي العام والضغط على الجهات المعنية، من بينها:
- وقفات احتجاجية سلمية أمام البرلمان ومقرات رسمية.
- مراسلة مؤسسات وطنية ودولية (رئاسة الحكومة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المنظمات الحقوقية).
- إعداد تقارير ميدانية ووثائق توثيقية حول الحالات الإنسانية والاجتماعية للعائلات.
- الانخراط في حملات وطنية ودولية للمناصرة والدعوة لإيجاد حلول عاجلة.
وتؤكد التنسيقية، من خلال هذه الجهود، التزامها بالمطالبة بحلول جادة وعادلة لهذا الملف الحساس، بما يحفظ كرامة المواطنين المغاربة وأسرهم، ويصون المصالح العليا للوطن في إطار احترام حقوق الإنسان.
خاتمة وتوصيات
يتطلب ملف المواطنين المغاربة المحتجزين في شمال شرق سوريا نهجًا شاملًا ومتعدد الأبعاد، يجمع بين الاعتبارات الحقوقية والسياسية ، لضمان معالجة فعالة ومستدامة لهذه الأزمة الإنسانية المعقدة. بناءً على التحليل السابق، يمكن تقديم التوصيات التالية:
1.النهج الحقوقي:
- توثيق الحالات: يجب العمل على توثيق دقيق لجميع حالات المحتجزين، بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال، وجمع المعلومات المتعلقة بظروف احتجازهم، وتحديد احتياجاتهم القانونية والإنسانية.
- توفير الحماية القانونية: ضمان توفير الحماية القانونية للنساء والأطفال، والعمل على إيجاد حلول قانونية لوضعية الأطفال الذين يفتقرون إلى وثائق هوية أو جنسية.
- ضمان محاكمة عادلة: بالنسبة للرجال المحتجزين، يجب المطالبة بضمان محاكمات عادلة وشفافة
2.النهج السياسي:
- بناء إرادة سياسية شجاعة: يتطلب الملف إرادة سياسية قوية وشجاعة من قبل الدولة المغربية لاتخاذ قرار بإعادة مواطنيها بشكل تدريجي ومدروس، مع وضع خطط واضحة لإعادة إدماجهم.
- التفاوض الدبلوماسي: تعزيز الجهود الدبلوماسية مع الأطراف المعنية في سوريا والشركاء الدوليين لتسهيل عملية الإعادة، وتبادل المعلومات، وتأمين سلامة المحتجزين.
3.النهج الاجتماعي:
- تطوير برامج نزع التطرف وإعادة الإدماج: يجب تطوير برامج شاملة لنزع التطرف وإعادة الإدماج، بإشراف حقوقي ومجتمعي، تستهدف الرجال والنساء والأطفال العائدين. هذه البرامج يجب أن تركز على الدعم النفسي والاجتماعي، والتأهيل المهني، وتعزيز الاندماج المجتمعي.
.
توصيات إضافية:
- التنسيق مع المنظمات الدولية: تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحماية الأطفال، مثل الأمم المتحدة واليونيسف، للاستفادة من خبراتها ودعمها في معالجة هذا الملف.
- الاستفادة من التجارب الدولية: دراسة تجارب الدول الأخرى التي نجحت في إعادة مواطنيها وتطبيق برامج إعادة إدماج فعالة، والاستفادة من الدروس المستفادة لتطوير مقاربة مغربية خاصة.
إن معالجة هذا الملف الشائك بنجاح يتطلب مقاربة متكاملة تجمع بين الالتزام بالحقوق الإنسانية، والواقعية السياسية، لإنقاذ مئات المواطنين المغاربة من مستقبل غامض في صحراء الشام، وضمان عودتهم الآمنة وإعادة إدماجهم في المجتمع.
إرسال التعليق