آخر الأخبار

جيل جديد ينزل إلى الشارع: مطالب بسيطة ورسائل عميقة

جيل جديد ينزل إلى الشارع: مطالب بسيطة ورسائل عميقة

رصد المغرب/الحيداوي عبد الفتاح 

لم يخرج الشباب إلى الشارع من أجل شعارات فضفاضة أو مطالب مستحيلة، بل ركّزوا على قضيتين تمسّان جوهر الحياة اليومية لكل مواطن: الصحة والتعليم. هذه المطالب وحدها كافية لتكشف عن مستوى الوعي الذي يحمله هذا الجيل، وعن إدراكه أن جذور الأزمة ليست في غياب الخطابات أو كثرة الوعود، بل في الفساد البنيوي الذي ينخر مؤسسات الدولة منذ عقود.

إنه جيل لم ينشأ في المحاضن الحزبية أو النقابية التقليدية، ولم يتربَّ في دوائر الأيديولوجيا الضيقة، بل تربى افتراضياً، متنقلاً بين العوالم الرقمية التي فتحت أمامه آفاقاً جديدة، ووسّعت مداركه عن الحرية والكرامة والحقوق. ورغم هذا، فهو ليس جيلاً غريباً عن محيطه؛ إذ يراقب يومياً كيف ترهق السياسات الاقتصادية والاجتماعية كاهل الآباء والأمهات، وكيف تستغل الأحزاب السياسية تضحيات الأسر في مواسم الانتخابات، ثم تتركهم فريسة للغلاء والتهميش.

المؤلم أن مشاهد الاحتجاج السلمي التي حملت هذه الرسائل النبيلة شابتها صور لا مبرر لها من العنف الأمني: مسنّة تُضرب وهي تبحث عن ابنها، أب يُعتقل رفقة طفلته الصغيرة، وشباب يواجهون المعاملة الخشنة بدل الحوار. كيف يمكن لشرطي أن يقبل لنفسه أن يكون جزءاً من مشهد يناقض تماماً شعارات “أنسنة الأمن” التي تردّدها المؤسسات الرسمية؟

جيل اليوم، الذي نزل إلى الشارع نيابة عن آبائه، لا يطلب المستحيل: يريد مدرسة عمومية تليق به، ومستشفى يعالجه بكرامة، ووطن لا تتحكم فيه شبكات الفساد. وهو في ذلك لا يمثل فقط غضب الشباب، بل يعبّر عن صوت مجتمع بأكمله، عن آمال جيل الآباء الذين عجزت ظروفهم وأثقال الحياة عن دفعهم للخروج، فحمل الأبناء المشعل.

إن التعامل مع هذا الجيل لا يجب أن يكون بالهراوات والاعتقالات، بل بالإنصات والتجاوب. فالقمع لا يلغي الوعي، بل يزيده صلابة، والوعود الفارغة لم تعد تقنع من شبّ وكبر في عصر المقارنة والانفتاح على تجارب الشعوب.

الجيل الجديد أطلق صرخته: “نريد تعليماً جيداً وصحة عادلة، ونريد وطناً خالياً من الفساد”.
والسؤال الآن: هل تملك الدولة الشجاعة لتسمع وتستجيب؟

إرسال التعليق