حزب العدالة والتنمية :هل دخل مرحلة العصبية الحزبية، على ضوء كلمة ابن كيران خلال احتفالات فاتح ماي

آخر الأخبار

حزب العدالة والتنمية :هل دخل مرحلة العصبية الحزبية، على ضوء كلمة ابن كيران خلال احتفالات فاتح ماي

رصد المغرب / عبد المولى المروري

لم تكن لي أي رغبة في التعليق على خرجة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الأستاذ عبد الإله ابن كيران بمناسبة احتفالات فاتح ماي التي سب فيها أحد المطبعين بلفظة «حمار»، فقرار التوقف عن الكتابة في قضايا الحزب وقادته ربما أصبح أقرب من أي وقت مضى من محطته النهائية..

ولن يزايد علي أحد في موضوع التنديد بالتطبيع وفضح المطبعين الصهاينة بالمغرب، فلقد نددت بالتطبيع الرسمي التي تتبناه الدولة، والتطبيع الإعلامي الذي يقوم به بعض الصهاينة المغاربة، وكتبت عشرات المقالات في ذلك إيمانًا مني بواجب الدفاع عن القضية الفلسطينية بالمغرب، ونصرة أهل غزة ومجاهديها بالكلمة والكتابة.. ومواجهة كل عمليات الاختراق الفكري والثقافي الأكثر والأشد خطورة لأنها تستهدف إعادة تشكيل الوعي ومحو الذاكرة ووأد التضامن الشعبي المغربي..

اليوم أنا مضطر للكتابة، ليس بسبب خرجة ابن كيران الأخيرة، ولا بسبب ردود الفعل العاصفة التي قابلت خرجته التي نعت فيها ذلك المطلع المشهور ب«الحمار»، هذه الكلمة التي رددها أكثر من مرة أثناء كلمته.. فمثل هذه القضايا بالنسبة إلي لم تعد ذات أهمية، وأصبحْتُ أدرجها في إطار المواضيع التافهة والهامشية التي لا تستحق الاهتمام بها أو الكتابة عنها كلمة واحدة.. لأنها لا تضيف أي شيء لا في الرفع من مستوى النقاش العمومي، ولا في الرفع من النضج الشعبي اللازم لإحداث التغيير.. بل هي على النقيض من ذلك تماما..

الذي اضطرني إلى الكتابة في هذا الموضوع هي ردود الفعل التي عبر عنها الكثير من أعضاء «حزب ابن كيران» (ولن أقول أعضاء حزب العدالة والتنمية)، هذه الردود التي اتجهت أغلبيتها الساحقة نحو تأييد كلمة «حمار» التي استعملها ابن كيران في مواجهة ذلك المطبع، وهي كلمة اتفق الجميع على كونها تندرج ضمن عبارات «السب والشتم».. بمن فيهم أعضاء «حزب ابن كيران» أنفسهم.. إلا أن أعضاء حزب ابن كيران حاولوا التأصيل لها بإيجاد مسوغ شرعي..

فالأمر لم يعد تصرفا معزولا ارتكبه شخص تحت تأثير انفعال عاطفي أو توتر نفسي.. بل إن الأمر امتد وتطور داخل الحزب بشكل غريب للدفاع عن هذا التصرف من طرف الكثيرين من أعضاءه.. وهذا هو أخطر ما في الأمر، بصرف النظر عن كون ما تلفظ به الأمين العام يعتبر خطأ أو صوابا.. الخطير أن يُقْدم شخص له وضع اعتباري كبير ومنزلة عظيمة داخل حزبه أو جماعته على التلفظ بكلام أو القيام بتصرف من منطلق شخصي في لحظة توتر أو انفعال، ثم ينبري المئات من مؤيديه، (ولن أقول «أتباعه» الآن) لتبني هذا التصرف أو ذاك الكلام والدفاع عنه، والبحث له عن مسوغات دينية وتأصيل شرعي من الكتاب والسنة..

لقد حاول مؤيدو ابن كيران أن يلتمسوا لزعيمهم مصادر شرعية من خلال النص القرآني لتبرر استعمال هذه الكلمة.. مستشهدين بالآية الكريمة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥﴾ [الجمعة:5]، والآية الكريمة: : ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦﴾ [الأعراف:176].

هؤلاء الأعضاء يقيسون كلام ابن كيران على هاتين الآيتين على اعتبار أن الله سبحانه وتعالى استعمل هذه العبارات في سياق «الذم»، وما دام الأمر ذلك، فإن استعمال كلمة «حمار» في سياق الذم في نازلة الحال جائز شرعا بمقتضى القياس الذي اعتمدوه، ومن ضمن ذلك توجيهها بشكل مباشر إلى من يستحقها.. وهذا ما انتهى إليه هؤلاء!

FB_IMG_1746383207865-300x195 حزب العدالة والتنمية :هل دخل مرحلة العصبية الحزبية، على ضوء كلمة ابن كيران خلال احتفالات فاتح ماي

في الحقيقة، صدمتي في هؤلاء الأعضاء عظيمة جدا.. خاصة وأن منهم من مر على عضويته بالحركة الإسلامية عقودا من الزمن، تلقوا فيها المئات أو الآلاف من الدروس الدينية في تفسير القرآن الكريم وشرح الأحاديث النبوية الشريفة والفقه، واللقاءات التربوية والثقافية والفكرية التي لا تعد ولا تحصى.. لنكتشف بعد هذا العمر الطويل وجود اختلالات عميقة وبنيوية في فهم أبسط الآيات القرآنية وسياقاتها، وشروط تنزيلها، والاستشهاد بها في نوازل مشابهة.. إنها مأساة فكرية وثقافية، وانتكاسة تربوية وأخلاقية، للأسف، هذا هو العنوان الأبرز لما نشاهده اليوم من خلال دفاع هؤلاء عن زلة ابن كيران..

وسوف أكتفي بالتركيز على خطأين فقط، لا يستقيم أن يقع فيهما من له عمر طويل في أحضان الحركة الإسلامية، بله من كان قائدا أو مسؤولا ذات يوم داخل هيئات الحركة ومؤسساتها..

الخطأ الأول: عدم التمييز بين التشبيه والسب:

ما أستغرب له هو التوظيف المعيب للآية الكريمة: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ٥﴾، توظيف الهدف منه هو تبرأة ابن كيران من زلة لسانه، واعتبار ما قاله يوجد في القرآن ما يجيزه ويزكيه، بدليل الآية أعلاه..

وكأني بالإخوان والأخوات الذين استندوا على هذه الآية لتبرير ما تلفظ به ابن كيران قد اختلط عليهم الأمر والتبس عليهم الفهم، فلم يعودوا يميزون بين السب والشتم الذي تلفظ به الأمين العام، وبين التشبيه الذي ضربه الله كي يقرب للإنسان طبيعة تعامل اليهود المشار إليهم في هذه الآية مع التوراة.. حيث يحفظونها ويحملونها في رؤوسهم دون أن يؤمنوا أو يعملو بها، أو ينتفعوا بها، فالقياس هنا معيب ومختل لوجود فارق كبير بين السياقين..

يقول محيي الدين درويش في كتاب إعراب القرآن: «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا» تشبيه تمثيلي، فقد شبّه اليهود حيث لم ينتفعوا بما في التوراة من الدلالة على الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلم والإلماع إلى بعثته، بالحمار الذي يحمل الكتب ولا يدري ما فيها ووَجْه الشبه عدم الانتفاع بما هو حاصل وكائن، فالحمار يمشي في طريقه وهو لا يحسّ بشيء مما يحمله على ظهره إلا بالكد والتعب، وكذلك اليهود قرءوا التوراة وحفظوها ثم أشاحوا عمّا انطوت عليه من دلائل وإرهاصات على نبوّة محمد بن عبد الله».

وجاء في تفسير الطبري: مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فحُمِّلوا العمل بها(ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) يقول: ثم لم يعملوا بما فيها، وكذّبوا بمحمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبًا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، فكذلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارًا فيها علم، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها.

وقال محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره للآية: «هذا مثل ضربه الله لليهود ، وهو أنه شبههم بحمار ، وشبه التوراة التي كلفوا العمل بما فيها بأسفار أي : كتب جامعة للعلوم النافعة ، وشبه تكليفهم بالتوراة بحمل ذلك الحمار لتلك الأسفار ، فكما أن الحمار لا ينتفع بتلك العلوم النافعة التي في تلك الكتب المحمولة على ظهره ، فكذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة ؛ لأنهم كلفوا باتباع محمد – صلى الله عليه وسلم – وإظهار صفاته للناس فخانوا ، وحرفوا وبدلوا فلم ينفعهم ما في كتابهم من العلوم».

وقال محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: «وقد ضرب الله لهؤلاء مثلا بحال حمار يحمل أسفارا لا حظ له منها إلا الحمل دون علم ولا فهم»، ويضيف ابن عاشور:« وهذا التمثيل مقصود منه تشنيع حالهم وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف ، ولذلك ذيل بذم حالهم بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله».

فكل التفاسير التي تصفحتها تحمل الآية الكريمة على معنى التشبيه، لا على معنى السب والشتم.. فهناك فرق كبير بين عبارة «كمثل الحمار» وبين عبارة «أنت حمار»، فالأولى تشبيه والثانية سب وشتم..

والأمر نفسه بالنسبة للآية الكريمة : ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ١٧٦﴾.

ولا أعتقد أن هذا التفسير كان غائبا بالمطلق عند بعض أولئك الإخوان والأخوات الذين كان لهم حظ وافر في حياتهم من قراءة العديد من الكتب والتفاسير التي تناولت سورة الجمعة بالتفسير والتحليل، فما الذي دفعهم اليوم على حمل كلام الله في الآية على معنى السب دون معنى التشبيه وضرب المثل كما تؤكده كل التفاسير؟

ويستتبع هذا الخطأ، خطأ آخر ملحق، وهو التوسع في تبني الخطاب القرآني أو السياقات القرآنية باعتمادها كمنهج يمكن اعتماده في حياة البشر، ولا سيما المسلمين الذي آمنوا بالقرآن الكريم.. فعندما برر هؤلاء لابن كيران ما تلفظ به من سب بالاعتماد على الآية أعلاه، واعتبار أن ذلك مسموح به بدليل أن الله سبحانه وتعالى فعل ذلك؛ فهؤلاء وقعوا في منزلقين خطيرين؛

الأول، على فرض أن الله وظف كلمتي «حمار» و«كلب» في سياق السب والشتم وليس في سياق التشبيه وضرب المثل (والأمر طبعا ليس كذلك)، فهل ذلك يبيح للإنسان المسلم أن يفعل الأمر نفسه مع إنسان مثله؟ هل يحق للمسلم أن يسب ويشتم إنسانا آخر؟

فالله سبحانه وتعالى هو خالق الخلق، وله وحده أن يعامل خلقه كما يشاء، ويخاطبهم كما يريد، ففعل الخالق تجاه خلقه غير قابل للتقليد أو التمثيل.. وهذا هو المنزلق الثاني، عندما وظفوا الآية في إطار المباح ما دام الله سبحانه وتعالى فعل ذلك! فهل يجوز لنا أن نقسم بالشمس والقمر والعصر والقلم وكل المخلوقات التي أقسم بها الله في فواتح بعض السور تحت ذريعة أن الله فعل ذلك أيضا؟ هل كل ما يبيحه الله لنفسه يصبح مباحا للمؤمنين به؟ طبعا لا يجوز ذلك إلا لله وحده.. وما أباحه الله للإنسان واضح، وما حرمه عليه أوضح..

علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وعلاقة المسلم بأخيه المسلم قد نظمها القرآن الكريم في سورة الحجرات، حيث وضع الله فيها منهجا اجتماعيا وتربويا وأخلاقيًا، فقد قال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»..

وقد نبه نبينا الكريم إلى خطورة السب والشتم حيث قال صلى الله عليه وسلم : «لا تحاسَدُوا ، ولا تناجَشُوا ، ولا تباغَضُوا ولا تدابَرُوا ، ولا يبِعْ بعضُكمْ على بيعِ بعضٍ ، وكُونُوا عبادَ اللهِ إخوانًا ، المسلِمُ أخُو المسلِمِ ، لا يَظلِمُهُ ولا يَخذُلُهُ ، ولا يَحقِرُهُ ، التَّقْوى ههُنا – وأشارَ إلى صدْرِهِ – بِحسْبِ امْرِئٍ من الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخاهُ المسلِمَ ، كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ».. «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبَّابًا، ولَا فَحَّاشًا، ولَا لَعَّانًا، كانَ يقولُ لأحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: ما له تَرِبَ جَبِينُهُ» عن أنس بن مالك في صحيح البخاري، وعن عبد الله بن عمرو قال: «لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَاحِشًا ولَا مُتَفَحِّشًا، وكانَ يقولُ: إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا» صحيح البخاري.

وسبق في مقال سابق تحت عنوان: «السياسة المغربية، من النضال إلى الابتذال» أن تناولت الموضوع نفسه إبان الملاسنات التي كانت بين عبد الإله ابن كيران ورشيد العلمي الطالبي.. ونالني ما نالني من تهجم وتنمر واعتداء من طرف إخوان الصف لأنني استدركت على الأمين العام للحزب الدخول في ملاسنات وتبادل السب بما لا ينفع المغرب والشعب..

إن محاولة لي عنق النص القرآني ليوافق زلة ابن كيران قصد تبرئته من خطيئة سب وشتم ذلك المطبع أسقط أصحابها في حزبية ضيقة، أفقدتهم الموضوعية والنزاهة اللازمتين في مقاربة ومعالجة هذا الخطأ بالمنهج الإسلامي الذي تربوا عليه عقودا من الزمن، وهذا هو الخطأ الثاني الخطير: العصبية الحزبية..

الخطأ الثاني، هو العصبية الحزبية (الأسباب، المظاهر، هل من علاج؟)

(يتبع)

إرسال التعليق