
حقوق الإنسان على المقاس: هيمنة حزبية.. وإقصاء مباح
رصد المغرب / محمد بن زاك
بكل براءة تقنية، وجدت نفسي داخل المركب الدولي مولاي رشيد ببوزنيقة، حيث تزامن انعقاد المؤتمر الرابع عشر للجمعية المغربية لحقوق الإنسان مع نشاط للمرصد الوطني للطفولة، الذي اشتغلنا على تأمين لوجستيكه عبر الشركة التي أعمل بها، صدفة جعلتني أتنفس ولو للحظات هواء البيت الحقوقي العريق، فالتقيت ببعض المؤتمرين، دخلنا في نقاش نظري عابر حول الإشتراكية والإنتقال الديمقراطي، لا سباب، لا شعارات، لا بيانات نارية… فقط كلام في السياسة، الفكر، و في الآفاق الممكنة.
لكن يبدو أن لعنة ماركس لا تزال تطاردهم، فبمجرد أن تسللت مفردة الإشتراكية إلى هواء المكان، حتى انبعثت كائنات غريبة من تحت البلاط: ثلاثة عناصر محسوبين على إحدى اللجان التنظيمية، أصحاب مستوى سياسي منحط، لا يرقى حتى لألف باء الممارسة النضالية، تطوقني بأسلوب بوليسي صارم، أسئلتهم لا تختلف كثيرا عن أسئلة فرقة مكافحة الأفكار المقلقة: أنت فلان؟ ماذا تفعل هنا؟ لماذا تتحدث عن الإشتراكية؟ من سمح لك بذلك؟ وكأنني اخترقت مجمعا نوويا وليس مؤتمر جمعية ترفع فيها الشعارات حول حرية التعبير وكرامة الانسان.
الأجمل – أو قل الأسخف – أن أحدهم نطق بما يليق بمشهد عبثي: وجودي هناك استفزاز لمناضل من النهج الديمقراطي و عضو في اللجنة الإدارية الحالية، على خلفية نقاش جامعي منذ سنة 2013 بالرشيدية. ها نحن إذن أمام تنظيم يدير مؤتمره بمنطق الثأر القبلي، ويمنح عناصره رخصة إيقاف أي شخص بذنب فكري قديم.
لكن القنبلة الكبرى لم تأت بعد: حين استفسروني عن سبب فتحي لنقاش حول الإشتراكية و طبيعة الإنتقال الديمقراطي في المغرب، أجابوا – بكل جدية فاشية – أن هذا النوع من النقاش محرم، لأنه يزعزع عقيدة المؤتمرين! في تلك اللحظة غمرتني دهشة عارمة، لا أعرف إن كنت أحضر مؤتمرا لجماعة دينية مغلقة أم مجلس شورى لطائفة تحرم التفكير! لقد وجدت نفسي في حضرة محاكم تفتيش حقوقية جديدة، حيث الفكر يفرم تحت عجلات الحقد الحزبي والجهل المقدس.
في لحظة الإستنطاق هذه، حاولت قدر المستطاع تهدئة النقاش وتجنبه، ليس خوفا من شيء، بل فقط لتفادي تهمة عرقلة أشغال المؤتمر، وهي تهمة جاهزة يعشقها هذا النوع من المهووسين بالمؤتمرات كأنها غنائم حرب، انسحبت بهدوء، لكن الأصابع صارت تلاحقني، والهمسات تطاردني، والعيون تتحول الى مرايا مكسورة تعكس كل أنواع الشك.
ومع ذلك، لا يمكنني التعميم، فداخل الجمعية أيضا مناضلون شرفاء، وأصحاب مبدأ، ممن لا يزالون مؤمنين بأن النضال الحقوقي لا يعني الوصاية الإيديولوجية، وأن اختلاف المرجعيات لا يلغي وحدة الميدان.
كل هذا، وانا لم أطلب منهم شيئا، علما أنني سبق وتقدمت بطلب الإنخراط في فرع الجمعية بالرشيدية منذ أكثر من سنتين، دون ان يصلني رد، والآن فهمت السبب: نحن في جمعية توزع الإنخراطات بالتقسيط، حسب الولاء، وتغلق أبوابها في وجه من لا يخضع لشروط الرفقة المقدسة.
غير بعيد عن هذه المهزلة، بدأت تتوالى البلاغات من رفاق في الحزب الإشتراكي الموحد، و حزب الطليعة، ومناضلين آخرين، ينددون بإقصائهم المنهجي، حيث يبدو أن الجمعية لم تعد ساحة نضال جماعي، بل ضيعة تنظيمية يديرها حراس الإقطاع الحزبي، يعزلون، يقصون، ويضفون على ممارساتهم عباءة الشرعية الديمقراطية.
ما حدث في بوزنيقة ليس سوى عرض مسرحي صغير من ملاهة أكبر، جمعية تخاف من نقاش الإشتراكية، تجرم الإختلاف، وتحاكم الذاكرة السياسية، لا يمكنها أن تقود معركة من أجل الحرية والكرامة. لا نريد جمعية تتحول إلى وزارة داخلية حزبية، بل فضاء مفتوح لكل الطاقات المناضلة، بمختلف توجهاتها، ما دامت تتقاطع حول مبادئ النضال الشعبي والديمقراطي الحقيقي.
إننا نعيش لحظة مفصلية: إما أن تعود الجمعية ملكا لمن صنعوها بدمهم ونضالهم، أو تترك مرتعا لبعض اشباه المناضلين، تنظم المؤتمرات وكأنها حفلات زفاف مغلقة على سلالة الحقوقيين النبلاء.
أما الإشتراكية، فلا تقلقوا… ستبقى شبحا يطاردكم، سواء في المؤتمرات أو في كوابيسكم.
إرسال التعليق