حول شرعية تصوير جلسات التأديب داخل المجلس الوطني للصحافة ومسؤولية نشر الفيديو: قراءة في ضوء قانون حماية المعطيات الشخصية وحقوق الدفاع
حول شرعية تصوير جلسات التأديب داخل المجلس الوطني للصحافة ومسؤولية نشر الفيديو: قراءة في ضوء قانون حماية المعطيات الشخصية وحقوق الدفاع
رصد المغرب/الدكتور رضا بن عثمان
أثارت القضية المتعلقة بقيام الصحافي حميد المهداوي بنشر مقاطع فيديو تُظهر جانباً من أشغال اللجنة التأديبية داخل المجلس الوطني للصحافة نقاشاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والقانونية بالمغرب، خاصة بعد أن بادر المجلس إلى متابعة الصحافي من أجل ما اعتبره “إفشاءً لسرّ مهني”. غير أنّ هذا النقاش لم يُعط بعدُ حقَّه القانوني في ضوء قانون 09-08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، ولا في ضوء المبادئ الدستورية المرتبطة بحق الدفاع وحرية التعبير، ولا في ضوء التشريعات المقارنة التي رسّخت مبادئ صارمة في مجال المراقبة البصرية داخل الهيئات العمومية.
يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل قانوني لهذه النازلة، والبحث في ثلاثة محاور مركزية:
1الأساس القانوني لتركيب كاميرا داخل قاعة اللجنة التأديبية
2 الآثار القانونية المترتبة على غياب التصريح أو الترخيص من طرف CNDP
3 حق الصحافي في الحصول على الفيديو ونشره دفاعاً عن نفسه، وحدود مفهوم “السرّ المهني”
أولاً: الإطار القانوني لتركيب كاميرا داخل قاعة لجنة التأديب
أ- هل تُعدّ الصورة معطى شخصياً يخضع لقانون 09-08؟
نصت المادة الأولى من قانون 09-08 على أن صورة الشخص وصوته تُعدّان من المعطيات الشخصية الخاضعة للحماية القانونية. وشددت اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في عدة قرارات – منها القرار رقم D-87-2015 والقرار رقم 73-2019 – على أنّ: ” أي نظام للمراقبة البصرية داخل فضاء مغلق غير مفتوح للعموم، يخضع وجوباً للتصريح المسبق، ما دام يسمح بتحديد هوية الأشخاص ولو بطريقة غير مباشرة”. وبذلك فإن تركيب كاميرا داخل قاعة لجنة تأديبية – وهي فضاء مغلق – يُعدّ معالجةً للمعطيات الشخصية.
ب- هل يكفي التصريح أم أن الأمر يحتاج أيضاً إلى ترخيص؟
تميّز CNDP بين نوعين من الإجراءات: التصريح العادي (Déclaration) وهو واجب في: المراقبة بالكاميرات في الممرات، و المراقبة بالمكاتب لأغراض أمنية، والمراقبة داخل مؤسسات عمومية لأغراض التدبير العادي والترخيص (Autorisation) الذي يصبح ضرورياً في الحالات التالية: مراقبة مكان تجري فيه عمليات تقييم أو محاسبة أو تحقيق، مراقبة مكان يجتمع فيه أشخاص لاتخاذ قرارات (لجان، اجتماعات تأديبية)، تسجيل الصوت إلى جانب الصورة، تصوير موظفين أو مسؤولين في سياقات مهنية حساسة. وقد أصدرت CNDP في 2014 قراراً يتعلق بمؤسسة عمومية (لا يمكن ذكر اسمها لالتزام سرية النشر) جاء فيه: “إن تركيب نظام تصوير داخل قاعة اجتماعاتٍ تُتخذ فيها قرارات تأديبية أو تأطيرية، يستوجب ترخيصاً مسبقاً لكونه يرقى إلى مراقبة سلوكيات مهنية ذات أثر مباشر على مصير الأشخاص.” وبناءً على ذلك، فإن الكاميرا داخل قاعة اللجنة التأديبية للمجلس الوطني للصحافة تحتاج إلى تصريح مسبق وترخيص صريح من CNDP خاصة إذا كانت تسجل الصوت أو تعتمد على التخزين المحلي/السحابي.
ثانياً: الآثار القانونية المترتبة على عدم التصريح أو الترخيص
في حال عدم احترام الإجراءات القانونية، فإننا أمام معالجة غير مشروعة بمقتضى القانون رقم 09-08، مما يؤدي إلى بطلان المعالجة وعدم الاعتداد بنتائجها حيث تعتبر CNDP – استناداً لاجتهادها المستمر – أن: “أي تسجيل يتم بواسطة نظام غير مصرّح به، يُعدّ معطى غير مشروع، ولا يمكن للجهة المسؤولة الاحتجاج به أو التذرع بحمايته.” وبالتالي: المجلس لا يمكنه التذرع بسرية نظام تصوير غير قانوني. ولا يمكنه متابعة أي شخص على أساس سرّ مهني نابع من معالجة غير مشروعة.
و إذا ثبت أن الكاميرا غير مصرّح بها فالمسؤولية تقع على المجلس بصفته المسؤول عن المعالجة (Responsable du traitement). والعقوبات قد تصل إلى الإنذار أو التحذير من طرف CNDP، أو الإحالة على النيابة العامة حسب القانون رقم 09-08.
المسطرة التأديبية نفسها تصبح مشوبة بعيب الإجراء، فتصوير جلسة تأديبية دون علم الأطراف أو دون تصريح قانوني يمسّ مبدأ الشفافية، ويخرق حقوق الدفاع، ويمكن أن يشكل سبباً لإلغاء المسطرة أمام القضاء الإداري. وقد قضى القضاء الإداري الفرنسي بأن “التسجيل غير القانوني داخل جلسة تأديبية يمسّ بسلامة الإجراء ويبرّر إلغاء العقوبات الصادرة بناءً عليه.” وهذا الاجتهاد مقبول ضمنياً في القانون المغربي بحكم وحدة المبادئ العامة.
ثالثاً: حق الصحافي في الحصول على الفيديو ونشره دفاعاً عن نفسه
يمنح قانون 09-08 لكل شخص الحق في الولوج إلى معطياته، والحصول على نسخة من التسجيل الذي يظهر فيه. وقد أكدت CNDP في قرارات عديدة أنه: “لا يمكن لمالكي نظام المراقبة رفض منح الشخص نسخة من صوره، حتى وإن كانت جزءاً من نظام داخلي حساس.” وبالتالي: للصحافي الحق الكامل في الحصول على نسخة من الفيديو الذي يصوّره داخل الجلسة التأديبية.
هل يحق للصحفي المهداوي نشر الفيديو؟ من الناحية القانونية البحتة إذا كانت الكاميرا غير مصرّح بها أو غير مرخصة: فالتسجيل نفسه غير قانوني بالنسبة للمجلس، وبالتالي لا يمكن للمجلس الاحتجاج بسرية معطى وُلِدَ من خرق للقانون. ومن ناحية حقوق الدفاع: يقر الفصل 23 من الدستور المغربي بما يلي: “كل متهم له الحق في الدفاع عن نفسه بكل الوسائل المشروعة.” والوسائل المشروعة تشمل: استعمال الأدلة المتاحة، ونشرها إذا كان ذلك ضرورياً لحماية الحقوق، خاصة إذا لم تستجب السلطات لشكاياته المتكررة.
من زاوية حرية التعبير والمصلحة العامة اجتهاد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان رسخ مبدأ: “يتمتع الموظفون والصحافيون الذين يكشفون عن معلومات تتعلق بسوء تدبير أو إساءة استعمال السلطة بالحماية كَمُبلِّغين عن الفساد، إذا كان الكشف يخدم المصلحة العامة.” وفي قضية أخرى جاء: “عندما تتقاعس الدولة عن توفير مسارات فعّالة للإنصاف، فإن اللجوء إلى الرأي العام يصبح ممارسةً لحق مشروع.” هذه الاجتهادات تنطبق موضوعاً ومنطقاً على قضية المهداوي، لأنه تقدّم بشكايات لم يتم النظر فيها، والكشف يهمّ هيئة عمومية، والفيديو كشف سلوكيات مست بالنزاهة والحياد.
هل ينطبق مفهوم “السر المهني” على حميد المهداوي في هذه النازلة؟ السرّ المهني يلزم أعضاء اللجنة وليس الشخص الخاضع للمساءلة. ينص قانون المجلس الوطني للصحافة على أن عضوية اللجان تستوجب التقيد بواجب التحفظ وحماية سرية المداولات. لكن هذا الالتزام: لا يشمل الصحافي المعروض على اللجنة، ولا يلزمه بكتمان ما يقع أمامه، ولا يمنع حقه في التوثيق أو نشر ما يمسّ بحقه في محاكمة منصفة. وحتى لو افترضنا وجود سرّ مهني فإنه يسقط إذا كان الهدف حماية مصلحة عامة كبرى. وهذا ما تؤكده اجتهادات الحقوق الرقمية والمقارنات الدولية.
ختاما، يتضح من هذا التحليل أن تركيب كاميرا داخل قاعة اللجنة التأديبية لا يكون قانونياً إلا إذا كان مصرحاً به ومرخصاً من طرف CNDP، ومع احترام مبدأ العلم المسبق للأطراف. وإذا ثبت غياب هذا الإجراء، فإن: نظام التصوير يصبح غير مشروع، والمجلس لا يملك حق الاحتجاج بسرّ وُلِد من مخالفة القانون، كما يصبح للصحافي الحق في الحصول على الفيديو ونشره دفاعاً عن نفسه واستناداً إلى مبادئ المصلحة العامة وحرية التعبير.
إن متابعة الصحفي حميد المهداوي في هذا السياق تطرح إشكالات جدّية ترتبط باحترام المجلس لواجباته القانونية قبل مطالبته غيره باحترام السرية، وتفتح نقاشاً أعمق حول ضرورة التزام مؤسسات الضبط الإعلامي بمبادئ الشفافية والقانون قبل مطالبة الفاعلين الإعلاميين بالامتثال لها.
إرسال التعليق