حين تخترق السيادة الرقمية: الأمن السيبراني المغربي بين وهم الميزانيات وسوء التدبير
رصد المغرب / عبد الصمد الشرادي
في زمن تتزايد فيه أهمية السيادة الرقمية وتشتد فيه الحرب غير المرئية على المعطيات والبنيات التحتية السيبرانية، لم يعد اختراق بوابات المؤسسات العمومية بالمغرب مجرد حادث عرضي، بل مؤشرا خطيرا على واقع أمني هش، وسوء حكامة متجذر، وفشل ذريع لسياسات رقمية رُصدت لها ميزانيات فلكية دون أن تثمر حماية ملموسة للمواطن والدولة. فالرقم يتحدث وحده ، 1.758.725.000 درهم، هي الميزانية السنوية المرصودة للقطاع الرقمي في المغرب خلال إحدى السنوات الأخيرة، تحت إشراف وزارة الانتقال الرقمي التي أنشئت في خضم موجة إصلاحية كان يفترض أن تقود البلاد نحو تحصين بنياتها الرقمية من المخاطر المتعاظمة ، غير أن الواقع جاء بعكس التوقعات.
فمنذ تنصيب الوزيرة السابقة “غيثة مزور”، التي قدمت على أنها مختصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، وعد الرأي العام بخطة تحول رقمي طموحة تعزز حماية المعطيات السيادية، وتفتح آفاقا لتحديث الإدارة. لكن، ما تحقق فعلاً ، هو بوابات حكومية تخترق، ومعطيات حساسة قد تكون الآن بين أيدي أطراف غير معلومة، ومواطن مغربي يترك عاريا رقميا في فضاء مفتوح.
ليس من السهل تفسير هذا الفشل سوى من خلال زاويتين متقاطعتين: الأولى هي سوء توجيه الميزانية العمومية التي أغدقت على مشاريع مظهرية، واستنزفت ملايين الدراهم في صفقات غير شفافة، استفادت منها شركات توصف بـ”المحظوظة”. والثانية هي غياب إرادة حقيقية لتبني مقاربة سيادية للأمن الرقمي، والتي تضع أمن المواطن فوق اعتبارات الريع السياسي والمحاباة الإدارية.
إن الأمن السيبراني ليس ترفا ولا مجالا للمجاملات السياسية. بل هو مسألة سيادة تمس كل شيء ، من بيانات الموظف البسيط، إلى ملفات استراتيجيات الدولة. وسط عالم تتنافس فيه القوى الكبرى على السيطرة الرقمية، فقد كان حريا بالمغرب أن يكون أكثر وعيا واستعدادا، خاصة وأنه يسعى لتعزيز موقعه كفاعل إفريقي صاعد في مجال التكنولوجيا. لكن وزارة الانتقال الرقمي، وبدلا من أن تكون رأس حربة في هذا التحدي، تحولت كما يتهمها خصومها إلى واجهة لتبديد المال العام. فالوزيرة غيثة مزور، التي غادرت المشهد “من الباب الضيق”، بحسب تعبير الصحافة المحلية، لم تترك وراءها سوى شعارات فضفاضة ومشاريع لم تصمد أمام أول اختبار حقيقي ، فهذه الواقعة تظهر أن الخلل ليس فقط في الأفراد، بل في البنية المؤسساتية والسياسية التي لا تزال تتعامل مع الرقمنة باعتبارها ملفا ثانويا، أو فرصة للظهور الإعلامي، بدل أن تفهم كضرورة استراتيجية.
وبهذا المنظور، فإن الحديث عن الرقمنة بدون أمن، كمن يبني ناطحة سحاب على أرض زلقة ، و أمام هذا المشهد المقلق، من الضروري أن نسأل ، إلى متى سيبقى المال العام يهدر في تجارب فاشلة؟ ومتى سيتحول الخطاب السياسي حول السيادة الرقمية إلى فعل حقيقي، مدعوم بكفاءة وشفافية ومحاسبة؟ فالدول لا تخترق فقط من بواباتها الإلكترونية، بل من صمتها المؤسساتي وعجزها عن حماية مواطنيها في أبسط حقوقهم الرقمية.
إرسال التعليق