
حين يُختبَرُ الحياد الأكاديمي… وأخلاق العلم على أرض السياسة
رصد المغرب/نعيم بوسلهام
في كل مرة يُستدعى فيها مفهوم “الحياد الأكسيولوجي”، تتبدى هشاشة الفواصل النظرية بين ما هو علمي بحت وما هو سياسي صرف. والمنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا، الذي تستعد مدينة الرباط لاحتضانه صيف 2025، ليس استثناءً.
لم يكن اختيار المغرب لاحتضان هذا المنتدى الأكاديمي الدولي مجرد حدث عابر، بل لحظة محورية تعيد طرح السؤال المعقّد: هل يمكن للعلم أن ينفصل تماماً عن الأخلاق؟ وهل يُمكن للمؤسسات الأكاديمية أن تتجاهل المواقف السياسية والإنسانية بدعوى الحياد العلمي؟
المفارقة أن المنتدى، المنعقد تحت شعار “معرفة العدالة في عصر الأنثروبوسين”، وجد نفسه وسط زوبعة أخلاقية وسياسية، حين تم الكشف عن مشاركة وفد إسرائيلي من مؤسسات أكاديمية متهمة بتبرير جرائم الاحتلال في غزة، وهو ما فجّر حملة واسعة قادها أكاديميون مغاربة شباب للمطالبة بإقصاء هذا الوفد.
في خضم هذا السجال، دافع الأستاذ الجامعي المغربي، جمال فزة، عن مشاركة الإسرائيليين، مستنداً إلى مفهوم الحياد الأكاديمي، ورافضاً، “تسييس العلم”، وهو الموقف الذي اعتبره البعض انحيازاً ناعماً لخطاب التطبيع، بينما رآه آخرون محاولة لفصل ما لا يُفصل، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا الإنسانية الكبرى.
غير أن ما غاب عن هذا السجال الظاهري، هو أن العلم نفسه، ومهما ادّعى الحياد، يظل مرتبطاً، بشكل أو بآخر، بمنظومة من القيم والمبادئ، وهو ما يُعبّر عنه اليوم بمصطلح “أخلاق العلم”، الذي يُعدّ أقرب ترجمة لمفهوم BIOETHICS، ويُحيل على مدى التزام العلم ومنتجاته واكتشافاته بالقيم الأخلاقية والاعتبارات الإنسانية.
وفي هذا السياق، لم يكن قرار الجمعية الدولية لعلم الاجتماع (ISA) بتعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية مجرد إجراء إداري عابر، بل انتصاراً أخلاقياً مدوّياً، صنعه أساتذة مغاربة شباب من قلب الجامعة، بالعلم والموقف، لا بالشعارات ولا بالصراخ.
لقد أثبتت هذه اللحظة أن الجامعة ليست جزيرة معزولة عن العالم، وأن الدفاع عن المعرفة لا يعني التخلي عن الأخلاق. بل إنّ “أخلاق العلم” ليست ترفاً فكرياً، بل ضرورة وجودية، خاصة حين يصبح العلم نفسه جزءاً من معادلات الهيمنة، ويُستعمل لتبرير القتل أو إخفاء المظالم.
إرسال التعليق