
خطاب العرش 2025.. قراءة تحليلية لرؤية ملكية في تحديد أولويات الدولة
رصد المغرب / علي اكرام (الكاتب العام للمنظمة الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان والحريات العامة)
إن الخطاب الملكي السامي، الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي، بمناسبة عيد العرش المجيد لسنــة 2025، لا يقرأ بوصفه مجرد حدث ظرفي أو تقليد سنوي، بل يستدعي مقاربة تعكس وعيا بمكانة هذه الخطب كمرآة لتطور النسق السياسي الوطني، وكموجه استراتيجي لمسار الدولة في علاقته بمؤسساته ومجتمعه. إنه خطاب يتجاوز سطح التعبير السياسي ليتخذ موقع الوثيقة التعاقدية، ذات الطابع الرمزي والدستوري، التي تجدد معاني البيعة، وتعيد إنتاج العلاقة بين الملك والشعب، لا على مستوى الشكل فقط، بل على مستوى الرؤية المشتركة لمستقبل الأمة .
حيث يمثل خطاب العرش لسنة 2025 نقطة تحول بارزة في المشهد السياسي المغربي، حيث يعكس رؤية استراتيجية تتجاوز المنطق المناسباتي، وتؤسس لعلاقة جديدة بين الدولة والمجتمع. يمكن تحليل الرسائل الواردة في الخطاب من عدة زوايا:
▎1. ربط المسؤولية السياسية بالمساءلة الشعبية
تؤكد الإشارة الملكية إلى أهمية الانتخابات كآلية للمساءلة الشعبية على مبدأ ربط المسؤولية السياسية بالمحاسبة. إن الملكية الدستورية، في إطار الفصل بين السلط، لا تلغي دور الأحزاب، بل تدعوها إلى تحسين أدائها والانخراط الفاعل في تأهيل الحقل السياسي. هذا يتطلب تجديد العلاقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة، مما يعزز من شرعية العملية الانتخابية.
▎2. الرهانات السياسية
يبرز الخطاب أن الرهان اليوم ليس فقط تنظيم انتخابات وفق جدول زمني، بل تنظيمها وفق منطق سياسي نزيه. وهذا يعني ضرورة إيجاد تعاقد جديد بين المواطن والمؤسسات، مما يعيد للعملية الانتخابية وظيفتها الجوهرية كآلية لإنتاج الشرعية وتجديد النخب وتعزيز سيادة القانون.
▎3. ثبات الموقف تجاه الجزائر
في الجانب الجهوي والدبلوماسي، يؤكد الخطاب على ثبات موقف المغرب تجاه الجزائر، مشددًا على أهمية تجاوز الاعتبارات السياسية الضيقة لبناء مستقبل مشترك. يدعو الخطاب إلى الحوار الأخوي والمسؤول، مع التأكيد على أن اليد الممدودة ليست مجرد موقف ظرفي، بل هي تعبير عن إيمان راسخ بوحدة الشعوب المغاربية.
▎4. قضية الصحراء المغربية
تتجلى قوة الخطاب في تجديد التأكيد على مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية حصرية لحل النزاع حول الصحراء المغربية. يشير الخطاب إلى الدعم المتزايد من المجتمع الدولي لهذه المبادرة، مما يعكس تنامي الاعتراف الدولي بجدية المقترح المغربي. هذا يعيد صياغة ميزان الشرعية في هذا الملف وينقل النقاش إلى البحث عن حلول واقعية وتوافقية.
▎5. الرؤية الاستراتيجية للمستقبل
يعكس الخطاب رؤية استراتيجية عميقة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية لتشمل العدالة الاجتماعية والمجالية. يؤكد جلالة الملك أن صعود المغرب لا يُقاس بالمؤشرات الاقتصادية فقط، بل بما يترجم إلى عدالة اجتماعية حقيقية. وهذا يتطلب الانخراط الواعي والمسؤول من جميع الفاعلين في مشروع وطني متكامل.
▎6. توازن دقيق بين السيادة والرحابة الاستراتيجية
يجمع الخطاب بين صرامة الموقف السيادي ورحابة الأفق الاستراتيجي، مما يعكس قدرة المغرب على التعامل مع التحديات المعقدة بطريقة متوازنة. هذه الرؤية تتطلب تكاملاً بين التنمية والعدالة، وبين السيادة والإنصاف المجالي.
▎خاتمة
يمثل خطاب العرش لسنة 2025 توجيهًا واضحًا نحو بناء مستقبل مشترك قائم على العدالة والتنمية، ويؤسس لعلاقة جديدة بين الدولة والمجتمع قائمة على التكامل والمواطنة المنتجة. إن هذا الخطاب ليس مجرد تعبير عن نوايا، بل هو إعلان عن رؤية سياسية متكاملة تستشرف المستقبل بثقة وثبات.
إرسال التعليق