دور قطر في الصراعات الإقليمية بين التأثير والازدواجية

آخر الأخبار

دور قطر في الصراعات الإقليمية بين التأثير والازدواجية

رصد المغرب / عبدالكبير بلفساحي

تعد دولة قطر لاعبا نشطا في الشؤون الإقليمية والدولية، رغم صغر مساحتها وعدد سكانها، هذا الدور البارز يعزى إلى مزيج من الدبلوماسية النشطة، والموارد المالية الضخمة، والقدرة على استخدام الأدوات الإعلامية والسياسية بذكاء، وعلى رأسها قناة الجزيرة، ومع ذلك فإن انخراط قطر في العديد من الصراعات الإقليمية أثار جدلا واسعا حول حقيقة نواياها وازدواجية مواقفها.

ونستهل الدور القطري في أبرز الصراعات الإقليمية، “الربيع العربي” لعبت فيه قطر دورا محوريا خلال الموجة ، حيث دعمت حركات التغيير في تونس ومصر وليبيا وسوريا ، وقدمت دعما سياسيا وإعلاميا، وأحيانا ماديا وعسكريا لقوى المعارضة، خصوصا الإسلاميين مثل جماعة الإخوان المسلمين.

بينما رأت الدوحة في هذا الدعم تجسيدا لمبادئ الحرية والديمقراطية، اتهمها خصومها باستخدام هذه الثورات كوسيلة لتوسيع نفوذها على حساب استقرار الدول الأخرى، رغم ذلك مع بداية الأزمة السوريةدعمت قطر المعارضة في وجه نظام الأسد، وقدمت تمويلا كبيرا للفصائل المسلحة، بعضها متشدد مثل “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”، وأيضا وفقا لتقارير دولية، أثار هذا الدعم انتقادات بأن قطر ساهمت في عسكرة الثورة وتعقيد الأزمة.

ومع كل ذلك، وبدون فرامل ، تغوص قطر في الأزمة الليبية ، فقد كانت من أوائل الداعمين للثوار ضد نظام القذافي، وقدمت دعما عسكريا ولوجستيا ، فبعد سقوط القذافي استمرت في دعم بعض الفصائل الإسلامية، مما فسر على أنه تدخل مباشر في الشأن الداخلي الليبي.

ولكن خلال الأزمة الخليجية (2017 – 2021) اتهمت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطر بدعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار، وفرضت عليها حصارا دبلوماسيا واقتصاديا، رغم نفي قطر لهذه التهم، فإن الأزمة كشفت التوترات الناتجة عن سياساتها المتناقضة، والذي ظهرت في المشهد الساسي العالمي بأنها تصفية الحسابات ، والسباق نحو زعامة الإقليم.

ومع استمرار ازدواجية المواقف القطرية، خرج العديد من المراقبين بالتصريح بأن السياسة القطرية ذات “وجهين”، فمن جهة تحتضن قطر قاعدة “العديد” الأمريكية وتقدم نفسها كحليف رئيسي للغرب، ومن جهة أخرى، تدعم فصائل إسلامية راديكالية في المنطقة ، كما أنها لعبت دور الوسيط في العديد من النزاعات، مثل التفاوض بين طالبان والولايات المتحدة، بينما كانت في الوقت نفسه موضع اتهام بتمويل بعض الجماعات المسلحة ، كل هذا التناقض أوجد فجوة في ثقة بعض الحلفاء الإقليميين بقطر، وشكك في مصداقيتها كوسيط محايد.

ونأتي على تصريحات حمد بن جاسم بعد خروجه من السلطة ، حيث من منصبه كوزير للخارجية ورئيس للوزراء آنذاك في 2013، أدلى حمد بن جاسم آل ثاني بعدة تصريحات أثارت اهتمام المراقبين ، فمن خلال مقابلاته الإعلامية، اعترف بتورط قطر في ملفات حساسة مثل سوريا وليبيا، وأشار إلى أن بلاده “ركبت الموجة” بالتعاون مع السعودية في بداية الأزمة السورية، قبل أن تفترق طرقهما لاحقا بسبب اختلاف الأجندات.

و تحدث أيضا عن دور أجهزة المخابرات قائلا إن التدخلات لم تكن دوما من منطلقات وطنية بل خضعت لحسابات سياسية معقدة، بل واعترف بأن قطر دعمت فصائل لم تكن معتدلة أحيانا، وانتقد بعض السياسات الخليجية، ملمحا إلى وجود نفاق سياسي في التعامل مع الإسلاميين، حيث يتم دعمهم في مكان ومحاربتهم في آخر.

وعدة إشارات منه ، دافع عن دور قناة الجزيرة، لكنه أقر بأنها كانت أداة تأثير فعالة بيد السياسة الخارجية القطرية.

بعد كل ذلك يمكن القول إن قطر تبنت سياسة خارجية هجومية منذ أوائل الألفية الثالثة، ساعية إلى لعب دور أكبر من حجمها الجغرافي عبر أدوات المال والإعلام والوساطة، لكنها في كثير من الأحيان، تورطت في تناقضات بين خطابها العلني وممارساتها الفعلية، مما أضعف موقفها في عدد من الأزمات.

فتصريحات حمد بن جاسم بعد استقالته كشفت بعض ما كان يدور خلف الكواليس، وأكدت أن السياسة القطرية، وإن بدت عقلانية أحيانا، كانت محكومة كذلك برهانات مغامرة، أثمرت نفوذا لكنها جلبت خصومات لا يستهان بها.

إرسال التعليق