آخر الأخبار

سرقة دفتر خطط القاعدة”: قراءة في تقرير مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي 2006

سرقة دفتر خطط القاعدة”: قراءة في تقرير مركز مكافحة الإرهاب الأمريكي 2006

رصدالمغرب / عبدالفتاح الحيداوي


يعد تقرير “سرقة دفتر خطط القاعدة” (Stealing Al-Qaida’s Playbook)، الصادر عام 2006 عن مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية “ويست بوينت” العسكرية الأمريكية، من أهم الوثائق التي تناولت ظاهرة الحركات الجهادية المعاصرة واستراتيجيات التعامل معها. أعد التقرير جاريت م. براكمان (Jarret M. Brachman) وويليام ف. مكانتس (William F. McCants)، ويمثل وثيقة استخباراتية تحليلية تعكس بوضوح توجهات التفكير الاستراتيجي الأمريكي في التعامل مع الجماعات الجهادية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

ورغم أهمية التقرير وخطورته، إلا أنه لم يحظَ بالاهتمام الكافي في الأوساط الأكاديمية والبحثية العربية، ما يجعله وثيقة جديرة بالدراسة والتحليل لفهم التوجهات الغربية في مكافحة الحركات الجهادية.

يهدف التقرير إلى تحليل نقاط القوة والضعف في الحركات الجهادية، مع التركيز على ضرورة استغلال ما يسميه التقرير بـ”الثغرة الجهادية”، والمتمثلة في نشر قادة التيار الجهادي لخططهم واستراتيجياتهم وأدبياتهم عبر الإنترنت. ويرى معدو التقرير أن هذه المواد المنشورة تمثل “دفتر خطط مفتوحاً” يمكن للولايات المتحدة استغلاله لفهم طبيعة الجماعات الجهادية وآليات عملها.

وقد اعتمد التقرير في منهجيته على تحليل أدبيات أربعة من أبرز منظري التيار الجهادي، باعتبارهم مصادر أساسية لفهم الفكر الجهادي، وهم:

أبو بكر ناجي صاحب كتاب إدارة التوحش

أيمن الظواهري في كتابه فرسان تحت راية النبي صلى الله عليه وسلم

• أبو قتادة الفلسطيني في مقالاته بين منهجين

• أبو مصعب السوري في كتابه التجربة السورية

يُبرز التقرير أن تحليل هذه النصوص يكشف عن التناقضات الداخلية والخلافات بين التيارات الجهادية، مما يوفر مدخلاً لفهم ديناميكيات الصراع الداخلي وتفكيك هذه الحركات.

توصل التقرير إلى مجموعة من النتائج الاستراتيجية التي شكلت أساساً للسياسات الأمريكية في التعامل مع الحركات الجهادية خلال السنوات اللاحقة، وأبرزها:

1. أهمية الحروب بالوكالة: أوصى التقرير بتجنب التدخل العسكري المباشر في دول الشرق الأوسط، والاعتماد بدلاً من ذلك على الحروب بالوكالة، سواء عبر الأنظمة الحاكمة أو المكونات القبلية والطائفية، وهو ما ظهر جلياً في تجربة “الصحوات” في العراق بعد عام 2007.

2. استراتيجية تشويه الصورة الجهادية: شدد التقرير على ضرورة العمل على تشويه صورة الجماعات الجهادية أمام الرأي العام العربي والإسلامي، عبر إبراز ممارساتها العنيفة ضد المدنيين (كما في حادثة مقتل الطفلة شيماء في مصر)، مع الاستفادة من أدوات الحرب الإعلامية التي استُخدمت سابقاً ضد الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.

3. توظيف الفاعلين المحليين: دعا التقرير إلى استثمار تأثير الشخصيات والجماعات الإسلامية غير الجهادية في مواجهة الفكر الجهادي، مثل الداعية السلفي ربيع المدخلي في السعودية، مع التأكيد على ضرورة التحري الدقيق وعدم التوسع في دعم هذه الشخصيات حتى لا تؤدي إلى نتائج عكسية. كما أوصى التقرير بتوظيف الإخوان المسلمين في مصر، والشيعة في السعودية، بحسب خصوصية كل بلد، مع الحرص على بقاء الدور الأمريكي في الخلفية دون الظهور المباشر.

4. إعادة تعريف الإسلام والديمقراطية: أوصى التقرير بإعادة تصدير مفاهيم جديدة حول الإسلام والديمقراطية للشعوب العربية، في إطار السعي لفصل الشباب المسلم عن الفكر الجهادي.

5. إنشاء مراكز بحثية متخصصة: أكد التقرير على أهمية تأسيس مراكز أبحاث مهمتها تحليل أدبيات الجهاديين بشكل دائم، معتبرًا أن نتائج هذه الدراسات قد لا تظهر فوراً، لكنها ستكون ذات أثر كبير مع تغير الحكومات وصعود أنظمة جديدة مستقبلاً، وهو ما اعتبره التقرير استثماراً استراتيجياً طويل الأمد.

تكمن أهمية هذا التقرير في كونه يكشف عن المنظور الأمريكي العميق تجاه الحركات الجهادية، ويفسر كثيراً من السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة لاحقاً في العالمين العربي والإسلامي. كما يوضح التقرير أن المواجهة لم تقتصر على البعد الأمني أو العسكري، بل امتدت إلى حرب الأفكار، عبر استغلال الثغرات الفكرية داخل التيارات الجهادية، وتفكيك خطابها من الداخل.

كما أن التقرير يؤكد على مركزية البعد الإعلامي والنفسي في مواجهة الحركات الجهادية، وعلى ضرورة “إدارة الصورة”، بحيث تظهر هذه الجماعات كقوى وحشية وعديمة الرحمة، ما يسهل عزلها عن الحاضنة الشعبية التي تشكل مصدر قوتها الأساسي.

إن تقرير “سرقة دفتر خطط القاعدة” يمثل وثيقة استراتيجية محورية في فهم منهجية التعامل الأمريكي مع الظاهرة الجهادية، حيث يجمع بين التحليل الفكري والاستخباراتي، ويقدم توصيات عملية كان لها أثر واضح في السياسات الغربية تجاه الحركات الإسلامية المسلحة. كما يعكس التقرير رؤية بعيدة المدى ترى في مواجهة الفكر الجهادي مشروعاً طويل الأمد لا يُحسم بالسلاح فقط، بل بإعادة هندسة البنية الفكرية والاجتماعية التي تغذي هذا الفكر.

وفي ظل غياب ترجمة عربية رسمية لهذا التقرير، تبقى الحاجة ملحة للاطلاع المباشر على النص الأصلي، واستكمال الدراسات حوله، خصوصاً في سياق دراسة تطور الخطاب الجهادي وتفاعله مع الضغوط الخارجية، لفهم ديناميكيات الصراع ومآلاته المستقبلية.

 

 

 

إرسال التعليق